بكين 17 أبريل 2024 (شينخوا) إن التصور الخاطئ الذي طرحته وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي حول المخاطر التي تُشكلها "القدرة المفرطة الصينية" على الأسواق العالمية يتعارض مع المبادئ الاقتصادية والحس السليم.
ــ سلامة سلاسل التوريد
فقد ذكرت يلين يوم الثلاثاء أن صندوق النقد الدولي لا يركز بشكل كافٍ على مشكلة "القدرة المفرطة الصينية"، مشيرة إلى أن الدعم المالي الذي تقدمه الصين لقطاعات الطاقة الخضراء لديها يخلق ساحة لعب غير متكافئة.
إن يلين تعجز عن فهم حقيقة مفادها أن المزايا التنافسية للصين في مجال الطاقة الخضراء لا تعتمد على الدعم المالي بل على سلامة سلاسل التوريد والتركيز الصناعي، والمنافسة الكاملة في السوق، والارتقاء السريع بالتكنولوجيا بتشجيع من سوقها الضخمة.
فقد احتلت الصناعة التحويلية في الصين، مع تميزها بالنظام الصناعي الأكثر اكتمالا، المرتبة الأولى على مستوى العالم لأكثر من عقد من الزمان.
وتمتلك صناعة الطاقة الجديدة في الصين سلسلة صناعية كاملة تغطي مجال البحث والتطوير في المواد، والتصميم الهندسي، والتصنيع، والتجميع النهائي. وهذه السلسلة تُشكل العديد من تجمعات صناعة السيارات التي تتوافق مع نمط "التداول المزدوج" التنموي في البلاد، الذي يتخذ من السوق المحلية دعامة أساسية مع السماح للأسواق المحلية والدولية بدعم بعضها البعض.
إن مواطن القوة التي تتمتع بها السلاسل الصناعية وسلاسل التوريد الخاصة بالمركبات العاملة بالطاقة الجديدة وبناء البنى التحتية الداعمة لها مثل مرافق الشحن، من الأسباب التي تدعم بقوة نمو المركبات العاملة بالطاقة الجديدة في الصين.
كما أن السوق الاستهلاكية الضخمة في الصين توفر بيئة مواتية لأعمال البحث والتطوير الخاصة بتكنولوجيا المركبات العاملة بالطاقة الجديدة وكذا للارتقاء بهذه التكنولوجيا. ومن ناحية أخرى، فإنه نظرا لارتفاع معدل قبول المستهلكين الصينيين لذكاء المركبات وتكنولوجياتها الجديدة، تعطي العديد من شركات صناعة السيارات الأولوية لإطلاق منتجات وتكنولوجيات جديدة في السوق الصينية.
ومقارنة بالسيارات التقليدية، فإن المركبات العاملة بالطاقة الجديدة أكثر استخداما للكهرباء وأكثر ذكاء واتصالا بالإنترنت ورقمنة. وقد شهدت صناعة المركبات العاملة بالطاقة الجديدة في الصين، والتي تتسم بالفكر الإبداعي والقدرة على الابتكار، قفزة في تطوير التكنولوجيات الأساسية على مدى ما يقرب من عقدين من الزمان.
ــ هل تتجاوز الطلب العالمي؟
قالت يلين إن قدرة الصين في مجال الطاقة الجديدة تتجاوز الطلب العالمي، وإن الإنتاج المفرط في قطاع الطاقة الجديدة قد يعمل على إقصاء الشركات في الولايات المتحدة والدول الحليفة.
إن مفهوم القدرة المفرطة متجذر بعمق في النظرية الاقتصادية. فالاقتصادات الأساسية تملي بضرورة أن تسعى المنتجات الفائضة بطبيعة الحال إلى البحث عن أسواق في مكان آخر بمجرد تلبية الطلب المحلي، وهي ممارسة مارستها الدول الغربية لقرون من الزمان.
وعلى النقيض من "مشكلة القدرة المفرطة"، يكافح قطاع الطاقة النظيفة لتلبية الطلب العالمي وسط شواغل ملحة بشأن تغير المناخ ووسط جهود واسعة النطاق للانتقال نحو مصادر طاقة أنظف.
ففي نهاية عام 2023، رأت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنه من أجل الإبقاء على أهداف باريس، فإن القدرة العالمية للطاقة المتجددة لابد أن تنمو بنحو 1000 جيجاواط سنويا حتى عام 2030.
وفي عام 2023، وهو عام شهد زيادة قياسية في القدرة الإنتاجية، سجل العالم زيادة بلغت حوالي 507 جيجاواط، وهو نصف ما كان مطلوبا للإبقاء على ارتفاع درجة الحرارة عند مستوى 1.5 درجة، حسبما أفاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة لعام 2023.
ومع انتقال الصين إلى تنمية عالية الجودة، فإن صناعاتها "الثلاث الجديدة"، وهي السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية، صارت مطلوبة بشدة على مستوى العالم. وهي تدعم البلدان في تحقيق التحول الأخضر المنخفض الكربون والتنمية المستدامة، ما يعزز النمو الاقتصادي العالمي.
ــ الصين ليست المشكلة
وفقا لتقرير صدر عن بنك ((يو بي إس)) للاستثمار، تم تصنيع 75 في المائة من مكونات السيارة السيدان سيل من شركة ((بي واي دي))، وهي طراز عام 2022، داخل الشركة. كما أطلقت ((شياومي جروب)) مؤخرا أول مركبة عاملة بالطاقة الجديدة، وهي ((إس يو 7))، بعد ثلاث سنوات فقط من إعلانها عن دخولها هذا القطاع. ويُبرز هذان الأمران النظام الإيكولوجي النابض بالحياة للمركبات الكهربائية في الصين.
وقد خلص تقرير صدر مؤخرا عن ((بلومبرغ)) إلى أن غالبية كبار المصدرين في الصين في هذا القطاع سجلوا معدلات تقع ضمن حدود المعايير المعترف بها دوليا فيما يتعلق باستخدام القدرة.
وعلى عكس رواية "القدرة المفرطة" التي غالبا ما تُنسب إلى الصين، يكمن التحدي الحقيقي الذي تواجه الولايات المتحدة وأوروبا في عدم كفاءتهما النسبية.
ومن المفارقات العجيبة أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعكف الآن على تطبيق سياسات دعم قوية في مجال المركبات الكهربائية. فمن خلال قانون خفض التضخم، تقدم الحكومة الأمريكية ما يقرب من 369 مليار دولار أمريكي في شكل حوافز ضريبية وإعانات مالية لصناعات الطاقة النظيفة، بما في ذلك المركبات الكهربائية.
وتقوم عدة دول أوروبية أيضا بتنفيذ إجراءات دعم لصناعات المركبات الكهربائية لديها.
وهنا يتجلى الكيل بمكيالين، وكذلك حسابات الغرب التي تندرج تحتها.
إن هذا البديل الجديد لنظرية "التهديد الصيني" هو مجرد ذريعة تتذرع بها بعض الدول الغربية لتسميم بيئة التنمية الداخلية للصين وتعاونها الدولي. وفي نهاية المطاف، فإن قيامه (الغرب) باتهام الصين بما يسمى بـ"القدرة المفرطة" ليس سوى وسيلة لإنشاء المزيد من الإجراءات الحمائية لصناعاته.