سعيد زناتي، المركز الدولي للصحافة، الجزائر
اقرأ أيضا: شنغهاي.. قصة مدينة تحولت من قرية صيادين الى عاصمة اقتصادية
تعد مدينة شنغهاي أو "فوق البحر"، وفق ترجمتها باللغة العربية، وتقع المدينة في مصب نهر اليانغتسي، حيث يقسم نهر "هوانغبو" المدينة إلى منطقتين هما: "بودونغ" و"بوكسي". ويبدو أفق "بودونغ" العصري للغاية وكأنه قطعة مستمدة من عالم السحر والخيال الحافل بأجواء عصرية لا مثيل لها. أما فيما يتعلق بمنطقة "بوشي"، فيمكنك الاستمتاع بالسير في حي "بوند" الممتد على ضفاف النهر للاستمتاع بأصالة مدينة شنغهاي القديمة. وتتمتع بموقع جغرافي متميز، جعل منها ميناءا تجارياً مهماّ، وإحدى أكبر أقطاب الصناعة في البلاد، وهي أيضا أهم مركز اقتصادي ومالي تجاري وثقافي وعلمي وتكنولوجي في آسيا الشرقية، وتمتلك أول منطقة للتجارة الحرة في البر الرئيسي الصيني، كما تعتبر أيضا مركزا للتطور والتنمية في البلاد، وقلب الصين النابض.
ماضي مجيد وأسوار صينية شامخة
شنغهاي، جوهرة التاج الصيني، مدينة ساحرة تجمع بين عمق التاريخ وحضارة الأجداد وبريق المستقبل وتطلعاته. إنها مدينة متناقضات، حيث يقف الماضي شامخًا جنباً إلى جنب مع الحاضر النابض بالحياة، لتشكل لوحة فنية فريدة تجذب إليها الزوار من كل حدب وصوب. وقد كانت قرية صيادين صغيرة، ولكن سرعان ما تحولت إلى مركز تجاري مزدهر بفضل موقعها الاستراتيجي على نهر اليانغتسي. وشهدت شنغهاي خلال القرن العشرين تطورات هائلة، حيث أصبحت مركزًا ثقافيًا وفنيًا، وظهرت فيها ناطحات السحاب الحديثة والمباني الأنيقة المستوحاة من العمارة الأوروبية، والمتاحف العالمية المستوى، والأنظمة النقل المتطورة، مما يجعلها وجهة سياحية جذابة للمسافرين من جميع أنحاء العالم.
شارع بوندا.. قصة أشهر شارع في شنغهاي
تبدأ كل رحلات استكشاف المعالم المهمة في شنغهاي من بولفارد بوند، يعتبر شارع بوندا واحدا من أشهر الشوارع في العالم، ويتميز بموقعه الاستراتيجي بشنغهاي، يمتد بطول 1.5 كيلومتر، هذا الشارع العريض المجاور للنهر. يبدأ من شارع ياناندونغ جنوبا وبنتهي عند جسر وايبايدو على نهر سوتشو شمالا، ويطل من الشرق على نهر هوانغبو، ويقع في غربه المؤسسات المالية والتجارية لشنغهاي القديمة. ويرجع تاريخ شارع بوندا الى العشرينيات من القرن الماضي حيث كان أشهر منطقة في آسيا، وهو يضم مجموعة من المباني الفخمة المقامة على الطراز الكلاسيكي الحديث، والبنوك الأجنبية ووكالات التأمين، والفنادق، ونوادي الطبقة الراقية. وخلال زيارته فستجد، «ثري أون ذا بوند» مبنى متجر كبير لأرماني، وعدة مطاعم دولية راقية، إضافة لصالة شنغهاي للفن.
ومنطقة البوند وهي الواجهة الاستعمارية الأشهر وذات المباني الكبيرة ذات التصاميم الغربية والواقعة على ضفة نهر هوانغبو الغربي والتي بنيت ابان الاستعمار البريطاني والأميركي لشنغهاي والمناطق الصينية وتكاد تكون هي المعلم الرئيسي لشنغهاي المدينة المعروفة باسمها. وبفضل هذه العوامل أصبح شارع البوند رمزا من رموز مدينة شنغهاي ومصدر فخر للشعب الصيني، وتأثيره الثقافي يمتد الى ما هو أبعد من حدود الصين، مما يجعله أحد أهم الشوارع في العالم من الناحية الثقافية والتجارية، سواء كنت تتجول على الأرصفة المزدحمة بالسياح أو بالتمتع برؤية المباني القديمة وحركة السفن التجارية والسياحية في النهر، فهو يقدم تجربة لا تنسى.
ميدان الشعب.. قلب المدينة النابض
هو أكثر من مجرد ساحة عامة في شنغهاي، فهو يمثل قلب المدينة النابض ومركزها الثقافي والتجاري. يقع في حي هانغبو، وهو محاط بمجموعة من أهم المعالم والمباني التاريخية والثقافية في المدينة، قبل 1949، كانت معروف كمضمار سباق للخيول، والذي تحول لاحقا الى ميدان الشعب.
ويقع وسط الميدان متحف شنغهاي الكبير وبلدية شنغهاي ومركز التطوير للمدينة ومبنى الإدارة المحلية وبالإضافة لذلك يوجد في أسفل هذا الميدان المزدان بالمناظر والمباني الضخمة سوق كبير يمتد لمئات من الأمتار ويتصل بقطار الإنفاق عبر شبكة كبيرة تخدم المنطقة. حيث أصبح الميدان وبعد عدة تجديدات عبارة عن ساحة بأسلوب حديقة تجمع بين الإدارة، الثقافة، النقل، والتجارة. اما مبنى متحف بلدية شنغهاي فقد رتبت المعروضات حسب نوع المادة المستخدمة في صناعتها، لتتيح لك تتبع ثورة النحت البرونزي، مثلا. وهذا المتحف واسع جدا، تستحيل رؤية كل ما يضمه في زيارة واحدة، فهو يحوي على 120000 قطعة اثرية ويعتبر أكبر متحف في الصين.
متحف المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الصيني
يستقبل المتحف 5.000 زائر يوميا يقتفون أثر "ماو تسي تونغ" و رفاقه ، يقع المتحف في وسط مدينة شنغهاي العاصمة الاقتصادية للصين النابضة بالحياة، بمجرد دخولك من بوابة المتحف المظللة بأشجار "الباسوال" التي تزرع في شرق أسيا، يلفت نظرك كتاب " مانيفيستو الحزب الشيوعي"، الذي وضع في خزينة عملاقة وسط الغرفة بالإضافة نسخة أصلية لصورة "لي دا تشاو" ، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الصيني، و ألة كاتبة بحروف إنجليزية له بالإضافة الى طاولة الاجتماعات التي شهدت اجتماع المؤتمر الأول للحزب في 23 يوليو 1921،أما الطابق الثاني للمتحف يضم مجموعة من التماثيل الشمعية تمثل مشهد مناقشة الممثلين المشاركين في المؤتمر أول منهاج للحزب الشيوعي الصيني ،تأسس المتحف عام 1952 أي بعد قيام جمهورية الصين الشعبية مستخدما نفس الأثاث و الأثار التي تركها الرفاق الشيوعيون. في منتصف ساحة المتحف جدارية بارزة يظهر فيها كافة وجوه الثلاثة عشر ممثلا الذين حضروا المؤتمر الأول للحزب الذي صار الحزب الحاكم في الصين وبلغ عدد أعضائه اليوم ما يقارب 100 مليون نسمة.
برج لؤلؤة الشرق.. ثالث أكبر برج تلفزيون بالعالم
يعد برج لؤلؤة الشرق أحد المناظر الثقافية النموذجية في شنغهاي، وباعتبار أن الكثير من الناس لديهم صور وذكريات مع المدينة المحرمة في بكين، فعندما يأتون الى شنغهاي يجب عليهم أيضا الذهاب الى كورنيش شنغهاي (المعروف أيضا باسم ذا بوند)، لمشاهدة برج لؤلؤة الشرق، الذي تقع على حافة شارع ليجيازو في حي بودونغ، على جانب نهر هوانغبو، مباشرة أمام بوند شنغهاي، صممت من طرف "جيا تشينغ هوان"، بإعتماد التصميم المعماري الحديث ، و قد بدأ العمل في بناء البرج سنة 1991، و إكتمل سنة 1995،بطول 468 متر ،يحتوي المبنى على برج هوائي يبث عدة قنوات تلفزيونية و إذاعية ، ويعتبر ثالث أكبر برج تلفزيون بالعالم، كما يوجد بالبرج مطعم وقاعات لرؤية شنغهاي من أعلى وقاعات اجتماع وبهو لفعاليات الترفيه بالتعلم للأطفال وبعض المحال للهدايا. ويتوافد عليه كل سنة أكثر من 3000 سائح.
برج شنغهاي .. جوهرة معمارية تدمج بين الحداثة المعمارية والأناقة
يعد برج شنغهاي أكبر ثاني برج في العالم، يقع البرج المنطقة المالية والتجارية الجديدة للمدينة، وبالقرب من برجي "جين ماو" ومركز شنغهاي المالي العالمي، ويحتل المرتبة الأولى كأطول برج في الصين. و يذكر أنه يحتل المرتبة الأولى كأطول برج في الصين ، واكتمل بناؤه الذي استمر لمدة 7 سنوات عام 2015 م، يبلغ ارتفاع ثاني أكبر برج في العالم عن سطح الأرض 632 م، بينما يصل ارتفاع أعلى نقطة يمكن الوصول إليها في هذا البرج الى 587 م ، أما الارتفاع الهيكلي فبصل إلى 580 م، و هو ليس أكبر ارتفاع هيكلي لمبنى في الصين، يتكون البرج من 128 طابقا فوق سطح الأرض ، بالإضافة الى 5 طوابق موجودة تحت الأرض، و تعمل هذه الطوابق كمكاتب ، و فنادق ،و معارض ، و مساحات سياحية لمشاهدة المدينة، و مناطق التجزئة، و مطاعم و مقاهي، بالإضافة لمواقف السيارات و تبلغ المساحة الطابقية للبرج 380 ألف كم2. ويتخذ برج شنغهاي شكلا هيكليا حلزونيا فهو يبدو كأنه مبنى ملتو، الجزء العلوي من المبنى هو هيكل تاجي يضيء ليلا، كما يعرض العديد من الصور والكلمات الصينية المستخدمة في المناسبات الخاصة.
حديقة يو يوان
هي عبارة عن متاهة شجرية رائعة تضم طرقات، وسرادق، وتكوينات صخرية، وبرك مياه تعج بالأسماك وللوصول لهذه الحدائق، يجب أن يعبر الزوار أولا جسر التحويلات التسعة، الذي يقع فوق بحيرة، وجاء تصميمه على شكل مميز لمنع الأرواح الشريرة من عبور المياه وفي منتصف البحيرة يوجد هوكزين تينغ، أشهر بيت شاي تقليدي في المدينة.
تتميز الحديقة بتصميمها الفريد، فهي تمزج بشكل مثالي القاعات المزخرفة والمقصورة المتقنة والبحيرة المتلألئة والجسور المتعرجة والمعابد والقناطر والممرات الصخرية الرائعة، عند المشي في الحديقة، لا ينبغي التركيز فقط على الأشياء الضخمة مثل المباني والجسور، ولكن مراقبة التفاصيل أيضا، يكمن الكثير من جمال الحديقة في المنحوتات الصغيرة.
اما شارع نانجينغ التجاري فيشتهر باحتوائه المحلات التجارية المتنوعة رغم الشهرة التي يحظى بها شارع نانجينغ، أشهر شارع للتسوق في شنغهاي، فإن الغالبية الآن يتجهون إلى المراكز التجارية الكبيرة التي تصطف على جانبي شارع هوا هاي لو في منطقة الفرنش كونسيشن. وتؤوي الشوارع الجانبية المتفرعة من هذا الشارع متاجر عصرية أنيقة، مثل جوي وشنغهاي تانغ، والتي تضيف لمسات عصرية على المنتجات التقليدية، ومن بينها السترات الحريرية الصينية الشهيرة للرجال، والكيباو، وهو زي النساء التقليدي الضيق المعروف، والذي اشتهر في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.
انتهت الجولة ..لم تنتهي الحكاية
حكاية شنغهاي حكاية طويلة وسرمدية يصعب أن تنتهي بجولة عبر المدينة، فما لم تشاهده دائما أكثر مما شاهدته. لكن يمكنك أخيرا، بعد تعب يوم طويل، أن تصعد الى أعلى برج شنغهاي لتتأمل شمس شنغهاي وهي تغرب مخلفة خلفها الكثير من أحلام العابرين، وتحل محلها لوحة فنية تتجدد كل لحظة حيث تتألق المدينة بأضوائها النابضة بالحياة، وتتحول شوارعها الى مسارح حافلة بالأنشطة والفعاليات، من أبراجها الشاهقة التي تتنافس في الإضاءة، إلى أسواقها الليلية التي تعبق بعبق الأطعمة الشهية، وصولا إلى مرافقها الترفيهية التي لا تنام، تقدم شنغهاي تجربة ليلية لا تنسى.