غزة 15 يناير 2025 (شينخوا) أعلنت قطر اليوم (الأربعاء) عن توصل حركة حماس وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في خطوة مهمة تهدف إلى إنهاء حرب دامت أكثر من 15 شهراً.
ومن المقرر أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل، وفقا لبيان رسمي قطري، الذي أكد أن الاتفاق يأتي بعد جهود مكثفة ومفاوضات طويلة بين الأطراف المعنية.
-- تفاصيل الاتفاق
وفي مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة، كشف عن تفاصيل الاتفاق الذي يتضمن ثلاث مراحل رئيسية.
وأشار محمد بن عبد الرحمن إلى أنه بالنسبة لتفاصيل الاتفاق فإن المرحلة الأولى ومدتها 42 يوما ستشهد وقفا لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقا وبعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان للتمركز على الحدود في جميع مناطق غزة.
كما سيجري تبادل الأسرى والرهائن وفق آلية محددة وتبادل رفات المتوفين وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم وتسهيل مغادرة الجرحى لتلقي العلاج.
وأفاد بأن المرحلة الأولى تتضمن أيضا تنفيذ إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها الآمن والفعال على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز وإدخال مستلزمات الدفاع المدني والوقود وإدخال مستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب.
وكشف رئيس مجلس الوزراء بأنه حسب الاتفاق، ستطلق حماس في المرحلة الأولى سراح 33 محتجزا إسرائيليا بما يشمل النساء المدنيات والمجندات والأطفال وكبار السن والمرضى والجرحى المدنيين مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال، لم يفصح عن عددهم بالتحديد.
أما عن تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة، فقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إنه سيتم الاتفاق عليها خلال تنفيذ المرحلة الأولى.
-- دور الوسطاء
وأكدت مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية في بيان مشترك أن الوساطة المشتركة بين الأطراف أسفرت عن الاتفاق الذي يتضمن تبادل الأسرى والرهائن وعودة الهدوء المستدام.
كما ذكر البيان أن المرحلة الأولى من الاتفاق ستبدأ في 19 يناير 2025، ويشمل فتح معبر رفح لاستقبال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
في هذا السياق، أعلنت السلطات المصرية عن استعدادها الكامل لتسريع إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، ورفع درجة الاستعداد على مستوى كافة الإدارات الأمنية والإدارية.
وأكد مصدر حكومي مصري أن المساعدات الإنسانية المتكدسة على الجانب المصري من معبر رفح جاهزة للعبور إلى قطاع غزة فور إعادة فتح المعبر، كما تم التنسيق مع الأمم المتحدة والدول المانحة لضمان زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
-- خلفية الصراع
فاجأت هجمات 7 أكتوبر 2023 التي قادتها (حماس) ضد إسرائيل، وكشفت عن ثغرات في جاهزيتها الأمنية ورغم ذلك، استغلت إسرائيل الموقف لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض، مستغلة حالة الانقسام الفلسطيني وتداعيات الصراع على المنطقة.
وأدت الحرب التي تخوضها إسرائيل لأول مرة منذ 50 عاما حتى الآن إلى مقتل نحو 46 ألف فلسطيني وفقدان آثار آلاف آخرين فضلا عن تدمير هائل في المنازل والبني التحتية في القطاع، ردا على قتل عناصر من (حماس) ما يقارب 1200 إسرائيلي واختطاف 250 آخرين.
وتقول منظمات أممية ودولية إن الحرب الإسرائيلية جعلت قطاع غزة غير قابل للحياة وسط تفشي المجاعة في شمال القطاع، وانتشار الأمراض والأوبئة بين السكان المحليين في ظل انعدام أي أفاق لحل سياسي ينهي "الكارثة الإنسانية".
-- وقائع المفاوضات
استمرت المفاوضات التي رعتها مصر وقطر على مدار أسابيع من المحادثات المكثفة في الدوحة، بمشاركة وفود من حركة حماس وإسرائيل، إلى جانب وسطاء دوليين وممثلين عن الولايات المتحدة.
في البداية، أبدى الطرفان ترددا في التوصل إلى اتفاق، إلا أن الضغوط الدولية المستمرة والتدهور الإنساني المتصاعد دفعاهما إلى تقديم تنازلات متبادلة.
وشكلت تحذيرات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من أن "الجحيم" سوف يندلع في الشرق الأوسط، إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة بحلول موعد تنصيبه في 20 يناير الجاري ، حافزا إضافيا لإبرام الاتفاق.
ورغم فشل الوسطاء في دفع الطرفين إلى التوصل لاتفاق في ديسمبر الماضي، على الرغم من التقدم الملموس الذي أحرزاه، نجحا هذا الشهر في الوصول إلى اتفاق بعد جولات مكثفة من المباحثات، وذلك وفقا للخطة التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو الماضي.
-- مواقف الطرفين
في تصريحات له، وصف عضو المكتب السياسي ورئيس حركة حماس، خليل الحية، الاتفاق بأنه "ثمرة صمود أسطوري لشعب فلسطين ومقاومته في غزة”.
وأضاف الحية: "إننا اليوم نقف في لحظة تاريخية، بفضل تضحيات أهلنا في غزة الذين دفعوا الثمن الأكبر في هذا الصراع"، مشيرا إلى أن الاتفاق يشكل "منعطفا مهما في تاريخ المقاومة الفلسطينية".
وتابع "نحن الآن أمام مرحلة البناء والمواساة وإزالة آثار العدوان".
وأكد أن الشعب الفلسطيني قادر على إعادة إعمار غزة، مشدداً على أهمية التضامن والتعاطف بين أبناء الشعب.
من جانب آخر، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الاتفاق يمثل "خطوة ضرورية لتحقيق الأمن"، إلا أنه شدد على أن إسرائيل "ستحتفظ بحقها في الرد إذا تعرض أمنها لأي تهديد مستقبلي".
وأوضح أن إسرائيل ملتزمة بحماية مواطنيها، لكنه أشار إلى أن هذا الاتفاق يمكن أن يعزز الاستقرار إذا تم الالتزام به من جميع الأطراف.
-- أهمية الاتفاق والتحديات المستقبلية
ويرى محللون أن الاتفاق يمثل إنجازا تاريخيا كبيرا، حيث يعتبر خطوة هامة نحو وقف نزيف الدماء وإنهاء دوامة القتال الممتدة منذ أكثر من 15 شهرا.
وبينما يتوقع أن يخفف الاتفاق من حدة التصعيد العسكري، تبقى هناك تحديات كبيرة تتعلق بإعادة إعمار غزة ومساعدة النازحين في العودة إلى بيوتهم.
كما أن المجتمع الدولي يترقب ما إذا كان الاتفاق سينجح في خلق آلية فعالة لوقف إطلاق النار على المدى الطويل، في ظل غياب الضمانات الفعالة لتطبيقه.
ويرى الدكتور أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية، أن اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل كان متوقعاً في ظل مجموعة من المتغيرات السياسية والعسكرية، أبرزها الضغوط الدولية، والصمود اللافت للفلسطينيين في قطاع غزة.
ويؤكد يوسف أن الاتفاق جاء في توقيت حساس، مع دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب على خط المفاوضات، مما أرسل رسالة واضحة لدول المنطقة، بما فيها إسرائيل، بأن استمرار هذه الحرب لم يعد مقبولاً دولياً.
وأضاف أن الضربات العسكرية التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي شمال قطاع غزة، إلى جانب إدراك حكومة بنيامين نتنياهو أن الحل العسكري لن يعيد الأسرى الإسرائيليين، دفعته إلى تبني خيار المفاوضات.
ويوضح أن إسرائيل قد تتبنى تكتيكات مختلفة في المرحلة المقبلة، مستدلا بوجود حكومة يمينية متطرفة، ما يشكل خطراً على استقرار الأوضاع.
ويختم الدكتور أيمن يوسف حديثه بأن هذا الاتفاق قد يخفف حدة الصراع، لكنه لن يوقفه بشكل كامل، حيث ستظل إسرائيل ترى في غزة والضفة الغربية ساحات للسيطرة الأمنية والسياسية، مما يتطلب قراءة دقيقة للمراحل القادمة من الصراع.