الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

تحقيق ميداني: بعد 100 يوم...ماذا انجزت المرحلة الانتقالية في سوريا؟

/مصدر: شينخوا/   2025:03:18.09:12

دمشق 17 مارس 2025 (شينخوا) بعد 100 يوم في سدة الحكم في سوريا، خطت السلطات السورية الجديدة خطوات سريعة نحو تأسيس مرحلة انتقالية في البلاد تستمر خمسة أعوام، تمهيدا لبناء دولة جديدة، إلا أن هذه الخطوات تصطدم بتحديات وعقبات داخلية وخارجية ساهمت في تعقيد الوضع السوري.

فبدءا من تكليف سلطة تنفيذية مؤقتة برئاسة محمد البشير بإدارة أمور البلاد بعد يومين فقط من الإطاحة بحكم بشار الأسد، في الثامن ديسمبر 2024، إلى تعيين أحمد الشرع زعيما للسلطات خلال المرحلة الانتقالية، وصولا إلى توقيع اتفاق مع الأكراد، وصياغة إعلان دستوري، بدأت السلطات الجديدة بهذه الإجراءات المتسارعة عهدها في سوريا.

لكن هذه الإجراءات جاءت وسط تطورات دراماتيكية داخل البلاد كان أبرزها موجة من المواجهات الأمنية وأحداث العنف في منطقة الساحل السوري شكلت مع ملفات أخرى، وفق مراقبين، عقبات في وجه السلطات الجديدة في سوريا.

-ما هي التحديات التي تواجه السلطات السورية الجديدة؟

رغم أن السلطات السورية الجديدة عملت على تسويق نفسها عربيا وإقليميا ودوليا، إلا أن التحديات، التي واجهتها خلال الفترة الماضية عرقلت بسط سيطرتها على كامل المساحة الجغرافية السورية، وفق الكاتب والمحلل السياسي السوري علي يوسف.

وتحدث يوسف خصوصا عن تحدي الوضع الأمني في البلاد.

وفي الآونة الأخيرة، شهدت منطقة الساحل السوري أحداثا متلاحقة على وقع اشتباكات وأعمال عنف دامية بين قوات الأمن ومجموعات تصفها الإدارة الجديدة في البلاد بـ"فلول النظام السابق".

وسقط أكثر من ألف قتيل جراء الاشتباكات، بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ومنذ إسقاط حكم بشار الأسد، ينفذ الأمن العام السوري حملات أمنية ضد من يصفهم بـ"فلول النظام السابق" في عدة محافظات سورية.

وقال المحلل السياسي السوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "حتى اليوم هناك تخوف لدى السوريين بسبب غياب مؤسسات الشرطة والأمن الداخلي".

وبجانب ملف الأمن الداخلي، يرى يوسف أن "العقوبات الغربية"، هي واحدة من التحديات التي تواجهها السلطة الحالية بالرغم من رفع جزئي للعقوبات عن بعض القطاعات في سوريا.

وأضاف أنه "رغم كل الحراك الدبلوماسي والوعود البراقة التي أعطيت لسوريا، مازالت العقوبات تشكل تحديا، وهذا يعود بشكل رئيسي للصراعات السياسية الدولية التي تسعى لفرض أجندتها ـ كل على حدة ـ على السلطات السورية".

وتعتبر السلطات السورية الجديدة أن العقوبات الغربية هي التحدي الأكبر أمام البلاد، ودعت مرارا إلى رفعها من أجل تعافي الاقتصاد واستئناف الاستثمارات الأجنبية.

وفي أواخر يناير الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات على حركة الطيران والشحن والبنية التحتية المصرفية والطاقة في سوريا لمدة عام، لكنه حذر من إمكانية إعادة فرض العقوبات مرة أخرى "إذا اتخذت خطوات خاطئة" في سوريا.

من جهته، يرى رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بمركز العرب للأبحاث والدراسات هاني الجمل، في إسرائيل وسياساتها تجاه سوريا واحدة من التحديات أمام السلطات الجديدة.

وقال الجمل "إن الاحتلال الإسرائيلي وسياساته القائمة على زعزعة الاستقرار ألقى بظلاله على سوريا"، مشيرا إلى أن إسرائيل "قامت بقصف البنية التحتية العسكرية لسوريا، واحتلت أراضيها الإستراتيجية ومازالت توسع احتلالها حتى الآن".

واتهم الباحث المصري إسرائيل بالعمل على إشعال المواجهات بين الطوائف المختلفة في سوريا، قائلا إنه "كان لإسرائيل دور واضح في الأحداث بمحافظتي طرطوس واللاذقية في الساحل السوري (..) بغية تأجيج الطائفية وتغذية نزعة الانفصال والتقسيم وإدخال البلاد في آتون حالة من الاحتراب".

وبعد أيام من سقوط نظام الأسد وسيطرة الفصائل السورية المسلحة على دمشق في ديسمبر الماضي، شنت إسرائيل سلسلة غارات على مواقع ومراكز أبحاث ومطارات عسكرية في سوريا.

وترافقت الغارات مع نشر إسرائيل قوات في "المنطقة الفاصلة العازلة" مع سوريا وتوغل بري في محافظتي القنيطرة ودرعا جنوب سوريا، بجانب تهديدات بالتدخل لحماية الأقلية الدرزية.

- ماذا تحقق في سوريا خلال 100 يوم ؟

ورغم هذه التحديات استطاعت السلطات السورية الجديدة إنجاز عدد من الملفات "وإن لم تكن على الوجه الأكمل"، وفق المراقبين.

ومن أبرز هذه الملفات توقيع اتفاق مع الأكراد.

ففي العاشر من مارس الجاري وقع الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، اتفاقا يقضي بدمج "كافة المؤسسات المدنية والعسكرية" الكردية، في شمال شرق البلاد، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية ضمن إدارة الدولة.

ونص الاتفاق أيضا على دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد، ورفض دعوات التقسيم، ووقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية.

وجاء توقيع الاتفاق بعد نحو أسبوعين من دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، في إعلان تاريخي إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، في خطوة رحب بها أكراد سوريا.

واعتبر الباحث المصري الاتفاق "خطوة إيجابية نحو بناء سوريا"، لكنه حذر من أن آليات تطبيقه "يشوبها الغموض".

من جهته، رأى المحلل السياسي السوري أن الاتفاق جرى على خطوط عريضة دون الخوض في التفاصيل، وهذا بطبيعة الحال حمال أوجه لجهة الالتزام بالتطبيق من كلا الطرفين.

وحذر يوسف من أن هذا الاتفاق "لن يصمد طويلا" بسبب الموقف التركي من الأكراد، مشيرا إلى "أن ارتداد قسد على الإعلان الدستوري الذي استبعد المكون الكردي من الحكم قد يعجل بتعطيله".

ووقع زعيم السلطات السورية الخميس الماضي إعلانا دستوريا للمرحلة الانتقالية، ندد به الأكراد، معتبرين أنه يتنافى مع تنوع سوريا ويخلو من مكوناتها المختلفة.

وبالإضافة إلى الاتفاق مع الأكراد والإعلان الدستوري، عملت السلطات الجديدة في سوريا خلال الأشهر الماضية على إبراز صورة جديدة للبلاد على قطيعة مع نظام الأسد، وسعت من خلال تحركات دبلوماسية وزيارات لمسؤوليها لخلق بيئة تعاون عربي وإقليمي معها خلال المرحلة المقبلة.

ولكن وبعد مائة يوم من وجود السلطات السورية الجديدة تتضارب وجهات النظر حيال ما تحقق وأنجزته تلك السلطات حتى الآن.

- هل تحققت تطلعات السوريين؟

وقال الباحث هاني الجمل "إن هناك تباينا في الأهداف بين السلطة القائمة وبين مكونات الشعب السوري".

وتابع أنه "في الوقت الذي نجحت فيه السلطة في بسط نفوذها على مفاصل الدولة وإبرام اتفاق مع الكرد وتدشين حوار مجتمعي ووضع لبنات الدستور الجديد وتقديم نفسها على المستوى الدولي كنموذج جديد لشكل السلطة في المنطقة العربية من الممكن تصديره لدول الجوار (..) إلا أن الأهداف الشعبية لم تحقق نجاحها المنشود".

وأضاف الجمل "أن السلطة القائمة كرست مزيدا من التهميش لمكونات الشعب السورى في الحوار المجتمعي وطوال الفترة الانتقالية، ولم تراع التنوع الثقافي والإثني داخل سوريا (..) فضلا عن فرض بعض الشخصيات غير السورية في السلطة".

واعتبر أن التدخلات الخارجية لتركيا في مناطق الشمال، والتمركز الأمريكي في شرق الفرات، والإسرائيلي في مناطق الجنوب وجبل الشيخ، "يعد انتقاصا من السيطرة على حدود سوريا واستقلالية قرارها".

من جهته، رأي المواطن السوري باسل الحناوي أن ما تم خلال الفترة الماضية من عمر هذه السلطة "لم يكن بمستوى تطلعات الشعب السوري".

وقال الحناوي "إن التغييرات التي حصلت لم تكن موفقة، وأتت بنتائج عكسية، حيث اعتمدت الإدارة على اللون الواحد في التعيينات، وهذا ما أثار تخوف السوريين، خاصة عندما اعتمدت على العنصر الأجنبي في مناصب حساسة".

وأشار إلى الفشل في تحسين الوضع الاقتصادي المتردي وسوء الخدمات.

وناشدت السورية ولاء الحجار، وهي طالبة جامعية، السلطات الإسراع في إصدار قرارات ومبادرات سياسية وإقتصادية مطمئنة للشارع السوري.

وقالت الحجار "لابد من إعادة بناء الثقة بين السلطات الجديدة والمواطن عبر حزمة قرارات اقتصادية تعزز الواقع المعيشي للمواطن، وحزمة قرارات سياسية تؤكد على دولة المواطنة والمساواة بعيدا عن التخندق في لون واحد وكتلة واحدة وإقصاء باقي مكونات المجتمع السوري".

بدوره، قال المحلل السياسي السوري علي يوسف "إن كل ما تحقق خلال مائة يوم لا يمكن أن يندرج إلا تحت مسمى تسيير أعمال مع تداعيات كبيرة على الحالة الاقتصادية".

صور ساخنة