قبل فترة وجيزة شهدت العاصمة الصينية بكين إقامة سباق نصف ماراثون جمع البشر والروبوتات. حيث تنافس 20 فريقا من الآلات والعدّائين على مضمار واحد لمسافة تقارب 21 كيلومترا. الحدث الذي استقطب اهتماما محليا ودوليا لافتا.
ويُعَدّ السباق اختبارا صارما لقدرات الروبوتات الصينية. فخلال المسافة الكاملة، يتطلّب الأمر من مفاصل الروبوت الواحد أداء نحو 250 ألف حركة دقيقة. ما يكشف بوضوح عن نقاط القوة والقصور في كفاءة الطاقة، وتبديد الحرارة، وخوارزميات الحركة وغيرها. ورغم أن الأداء الرياضي لعديد من النماذج لم يبلغ بعد الكمال، فإن مشكلات التشغيل المكتشفة ستكون منطلقًا لتحسين التقنيات في المستقبل.
ومع اندماج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات بشكل أكثر عمقا، يبرز السؤال: كيف تتوافق الروبوتات الشبيهة بالبشر مع متطلبات التنمية البشرية وتُسهم في تقدم الحضارة؟ في هذا السياق، أطلق مركز تشجيانغ للابتكار في الروبوتات البشرية، النسخة الثانية من روبوته "نافيجيتور 2"، القادر على التحاور بحرّية ومساعدة الأشخاص على نقل الأغراض. كما تتسابق شركات عدة لإخراج روبوتاتها من المختبر إلى خطوط الإنتاج بهدف إحداث قفزة نوعية في الإنتاجية. ورغم تأخر انطلاق الصين في هذا المضمار، فإنها اليوم تتمتع بقدرات تمكّنها من اللحاق السريع.
في 25 أبريل 2025، انطلقت أول مباراة كرة قدم "2 ضد 2" بين روبوتات ذكية مجسدة ضمن أول ملتقى رياضي يُقام في مدينة ووشي بمقاطعة جيانغسو. بانغ تشنغ قوانغ/صورة الشعب
تتألف الروبوتات البشرية من مئات الأجزاء الدقيقة، ويسمح النظام الصناعي الصيني المتكامل بالربط الوثيق بين البحث والتطوير والإنتاج. وفي الوقت الحالي، تجاوز رصيد براءات اختراع الروبوتات الصناعية الصينية 190 ألف براءة، أي حوالي ثلثي الإجمالي العالمي. في حين استحوذت الشركات الصينية على أكثر من ثلث قائمة أفضل 100 شركة روبوتات بشرية على مستوى العالم. وقد أسفرت الشراكة الوثيقة بين مؤسسات البحث العلمي والشركات الرائدة عن بيئة صناعية وابتكارية قوية.
على صعيد آخر، تمتلك الصين أحد أكبر فرق العلماء والمهندسين في العالم. إذ يُشكّل خريجو الهندسة فيها سنويا أكثر من ثُلث نظرائهم عالميا. ويتيح تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر لهؤلاء المهندسين إبراز خبراتهم في ابتكار التكنولوجيا وتحسين العمليات وخفض التكاليف الإنتاجية.
وتعد السوق الضخمة لاستخدام الروبوتات البشرية في الصين دفعة لتعزيز تطوير الصناعة. حيث يتوقع تقرير أبحاث صناعة الروبوتات الشبيهة بالبشر أن يبلغ حجم السوق الصينية نحو 5.3 مليار يوان بحلول 2025، مع نموٍّ سنوي مضاعف. وتشمل سيناريوهات التطبيق المتنامية: الحمل والفرز والتجميع في خطوط الإنتاج، والإرشاد الذكي في المتاحف والمعارض، والأعمال المنزلية، بل واستكشاف أعطال شبكات الكهرباء في المناطق الوعرة.
ويتطلّب تسريع تطوّر الذكاء الاصطناعي، ولا سيما صناعة الروبوتات البشرية، تناغمًا أوثق بين دور الحكومة والسوق. وقد أصدرت بكين وشنغهاي وشنتشن سياسات لتشجيع الصناعة، تتضمّن توجيهات صناعية، وتعزيز التكامل بين القطاعين الأكاديمي والصناعي في جميع المراحل. ومن شأن هذه الخطوات، تتحسن قدرات الابتكار والإمداد في صناعة الروبوتات الصينية.
قبل أكثر من 80 عامًا، صاغ كاتب الخيال العلمي إسحاق أسيموف "القوانين الثلاثة للروبوتات" التي تُلزم الروبوتات بعدم إيذاء البشر، وطاعتهم، وحماية نفسها. ومع التطور التكنولوجي، تتجسّد مشاهد الخيال العلمي شيئا فشيئا، وتتعمق معرفة البشر بالروبوتات الشبيهة بهم. ومن خلال مواصلة تطوير روبوتات أكثر ذكاء وتوسيع الأطر الأخلاقية للتعايش بين الإنسان والآلة، يمكن للبشرية أن تتجه بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقا.