الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

مقالة : صداقة عبر الجبال والمحيطات -- قصص قدامى المحاربين الجزائريين عن التدريب في الصين

/مصدر: شينخوا/   2025:05:29.09:26

الجزائر العاصمة 28 مايو 2025 (شينخوا) في ذروة حرب الاستقلال الجزائرية في خمسينيات القرن الماضي، عندما بلغ القمع الاستعماري ذروته وكان الدعم الدولي شحيحا، فتحت دولة بعيدة ذراعيها لمجموعة من الشباب الجزائريين راسخي العزم والثبات، لتدريبهم كجنود في سعيهم نحو الاستقلال الوطني.

كانت تلك الدولة هي جمهورية الصين الشعبية المؤسسة حديثا في ذلك الوقت.

بعد اعترافها رسميا بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سبتمبر 1958، استضافت الصين 27 متدربا جزائريا لتدريب شامل على الطيران بين عامي 1959 و1961.

في الواقع، لعبت الصين دورا مهما في بناء قدرات الطيران العسكري الجزائرية في المراحل المبكرة. وبعد أكثر من ستة عقود، لا تزال ذكريات هذه التجربة، التي تجسد الصداقة الممتدة بين الصين والجزائر، حية في قلوب المحاربين القدامى الذين تلقوا تدريبات في الصين آنذاك.

في مقابلة حديثة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، شارك اللفتنانت كولونيل المتقاعد بوداود لوناس والكولونيل المتقاعد دريد أحمد لخضر، وهما طياران جزائريان تدربا في الصين، تجاربهما في الصين. إنها قصة عن التضحية والتضامن، ورابطة صمدت عبر الأجيال.

الصين فتحت قلبها

كان لوناس، وهو طيار قصف سابق، ولد في أكتوبر 1935، من أوائل الطيارين الجزائريين الذين تدربوا في الصين خلال ذروة حرب الاستقلال الجزائرية. يتذكر لوناس "تلقينا أول تدريب أساسي في سوريا، في المدرسة العسكرية بحلب. ولكن بالنسبة لتخصصنا، دولة واحدة فقط استجابت لندائنا: الصين".

لا يزال لوناس يتذكر الانطباع العميق الذي خلفته الصين في نفسه عندما زارها لأول مرة كمتدرب شاب. "أذهلني ذلك الشعب الذي يتسم بالحيوية والعزة والذاكرة التاريخية القوية. لمسنا على الفور أوجه التشابه بين نضال الشعب الصيني ونضال شعبنا".

خضع هؤلاء المتدربون لعامين من التدريب المهني في مدارس الطيران الصينية، وتخصصوا في الطيران وعمليات القصف والدعم الفني وأنظمة الرادار. تمركزت مجموعة لوناس، المتخصصة في مهام القصف، في هاربين.

وقال بفخر "هناك وُضع أساس القوات الجوية الجزائرية". "كان هناك طيارون مقاتلون، وطيارون متخصصون في مهام القصف، ومتخصصون فنيون. لم يدخر مضيفونا جهدا في مساعدتنا".

وأشار لوناس قائلا "لم تكن معرفتهم العسكرية أكثر ما أثّر فينا فحسب، بل إيمانهم بنا. حظينا بمعاملة محترمة، على قدم المساواة. في الصين، شعرنا وكأننا أشقاء".

كما قال إن الصين وفرت للشباب الجزائريين، خلال تدريبهم، قاعدة جوية كاملة، مضيفا "لم تكن لدى (الصين) الرغبة في السيطرة علينا، بل أرادت منا أن نعتمد على أنفسنا. كان هذا العرض حجر الأساس للقوات الجوية الجزائرية الحديثة".

وإلى جانب التدريب الفني، تأثر لوناس بشدة بالقيم الثقافية في الصين. وقال "احترام المسنين، وأهمية الحفاظ على الذاكرة، والعيش بكرامة - هذه قيم لمسناها في الشعب الصيني. تعلمنا الكثير من هذه الروح".

وأضاف "المعدات مهمة، لكن الإنسان هو الأهم حقا". أصبح هذا الاعتقاد الجوهري، الذي غرسه معلموه الصينيون فيه، أساسا لشعوره بالشرف العسكري والقيم الأخلاقية.

بعد استقلال الجزائر عام 1962، تولى لوناس قيادة عدة قطاعات عسكرية في كافة أرجاء البلاد، ناقلا المهارات والخبرات التي اكتسبها إلى جيل جديد من الجنود الملتزمين بالدفاع عن الوطن.

في غضون ذلك، استمر دعم الصين للجزائر، ولم يقتصر على التعاون العسكري فحسب، بل شمل أيضا جهودا لتعزيز تنميتها.

وقال لوناس "سافر العديد من الشباب الجزائريين إلى الصين للدراسات العليا، والتي شملت مجالات الطيران والهندسة والطب وحتى الزراعة. كانت شراكة حقيقية".

رابطة تشكلت خلال النضال

التحق لخضر بالدفعة الثانية من المتدربين الجويين الجزائريين ممن تم إرسالهم إلى الصين عام 1959. وهناك، تدرب كطيار مقاتل. "وجدنا أكثر من مجرد مساعدة عسكرية. كان تضامنا حقيقيا وأخويا ووطنيا حقا".

لا يرى لخضر دعم الصين إحسانا؛ بل كان نابعا من نضال مشترك ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية.

وقال "يعرف الصينيون معنى أن يكون المرء مُستعمرا. وقد انبثق التزامهم من تجربتهم الخاصة"، مشيرا إلى أن مساعدة الصين لعبت دورا مهما في استقلال الجزائر.

حتى بعد مرور أكثر من 60 عاما، لا تزال ذكرى وداع المدربين الصينيين بعد التدريب عالقة في ذهن لخضر.

"عندما فرغنا من تدريبنا وذهبنا لشكر وزارة الدفاع الصينية، قالوا لنا، لا، يجب أن نشكركم. لقد فتحتم جبهة في إفريقيا وحررتمونا من الحصار. لن أنسى تلك اللحظة أبدا، فقد أظهرت كيف كان نضالنا جزءا من شيء أكبر".

بعد استقلال الجزائر، شغل لخضر مناصب عليا في الجيش وشارك جنوده المبادئ التي اكتسبها خلال تجربته في الصين.

وقال "لازمني الشعور بالواجب والتواضع والروح الجماعية الذي اكتسبته في الصين، طوال حياتي. حاولت نقله إلى الأجيال الأصغر".

صور ساخنة