الصفحة الرئيسية >> العالم

تعليق: السياسات الأمريكية المنحازة والمزدوجة تزيد الكوارث الإنسانية في غزة تفاقما

/مصدر: شينخوا/   2025:08:11.09:29

بكين 10 أغسطس 2025 (شينخوا) تكشف أحدث بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن مشهد إنساني بالغ القسوة في غزة، إذ أشارت تلك البيانات إلى أن عدد حالات دخول المستشفى بسبب سوء التغذية ارتفع إلى المثلين تقريبا في شهري يونيو ويوليو، من 6344 إلى 11877 طفلا. ويعاني 2500 من هؤلاء الأطفال من سوء تغذية حاد.

في الواقع، تشير هذه الأرقام الصادمة إلى كارثة إنسانية تتجاوز حدود الحضارة الحديثة. ورغم الدعوات الدولية المتكررة إلى وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في إطار خططها للسيطرة الكاملة على مدينة غزة. وتعكس هذه الممارسات خللا هيكليا في إدارة الأمن الإقليمي من قبل بعض الجهات الدولية، وتفضح تآكل المبادئ الإنسانية الأساسية تحت وطأة هيمنة القوى والإفراط في استخدام العنف في السياسة الدولية المعاصرة.

وبالفعل، أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى حدوث كارثة إنسانية كبرى. ومن جانبه، أطلق برنامج الأغذية العالمي يوم الأربعاء الموافق 30 يوليو، تحذيراً عاجلاً من أن قطاع غزة يواجه خطر المجاعة بشكل متسارع. وجاء في بيان البرنامج أن نحو 25 بالمائة من سكان القطاع يعانون ظروفاً "شبيهة بالمجاعة"، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، محذرا من أن الأرقام المحدثة ترسم "وضعاً كارثياً" يهدد بانهيار كامل للأمن الغذائي في غزة. وفي السياق نفسه، ذكرت وزارة الصحة في قطاع غزة، في مطلع أغسطس، أن الوفيات الجديدة رفعت عدد الذين لقوا حتفهم بسبب الجوع إلى 180 شخصا، بينهم 93 طفلا، منذ بدء الحرب.

يمثل هذا التدمير المنهجي للأهداف غير العسكرية انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي، فيما تشكل المعايير المزدوجة الأمريكية المحرك الخفي لهذه المأساة. فالسياسة الأمنية الأمريكية المتمثلة في حماية الأمن المطلق لإسرائيل جعلت ذلك هدفا استراتيجيا ذا أولوية. وبالفعل، فإن الدعم الأمريكي المؤسسي هو الذي يشجع إسرائيل على تحدي الإرادة الدولية، وتبرير العقاب الجماعي للمدنيين بوصفه "ممارسة لحق الدفاع عن النفس".

وعلاوة على ذلك، وافقت واشنطن من ناحية على توريد قطع غيار لطائرات من طراز "إف-35" لإسرائيل، ومن ناحية أخرى قامت في أواخر مايو بإنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" متخطية وكالات الأمم المتحدة، وتولت بشكل أحادي توزيع المساعدات الإنسانية في غزة. ولا تمتلك هذه المؤسسة على الأرض سوى أربع نقاط توزيع، يتم فيها توزيع المواد الغذائية في أجواء من الفوضى العارمة، حتى بات كثير من سكان غزة يرون أن هذه المراكز تحولت إلى "فخاخ موت".

ومن بديهات الأمر أن هذه السياسات الأحادية تشجع المغامرات العسكرية الإسرائيلية وتدمر مبدأ التوازن في الحقوق والواجبات بموجب القانون الدولي. وتثبت التجربة التاريخية أن الانحياز الأحادي يولد فقط كراهية أعمق.

وعند النظر في المأساة الإنسانية الجارية في غزة، يحتاج المجتمع الدولي إلى إعادة بناء آليات وساطة عادلة. ويُظهر إعلان عدد متزايد من الدول، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وكندا، لأول مرة عن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين أن الإجماع الدولي يتجه نحو حل الدولتين. ويأتي قيام القمة العربية في مارس الماضي بإقرار الخطة المصرية لإعادة إعمار وتنمية غزة دون تهجير سكانها بقيمة 53 مليار دولار ليوفر مسارا عمليا لإدارة مرحلة ما بعد الصراع. ومن أجل ترجمة هذه الجهود على أرض الواقع، هناك حاجة ملحة إلى التخلي عن "العدالة الانتقائية" وإنشاء منصة حوار تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة.

أما الخطوة الأكثر إلحاحا، فتتمثل من جهة في وقف إطلاق النار، وفتح الممرات الإنسانية فورا، والتخلي عن خطط السيطرة الكاملة على قطاع غزة. ومن جهة أخرى، ينبغي على الولايات المتحدة تحمل مسؤولياتها التاريخية، والتخلي عن سياساتها المنحازة والمزدوجة، والتوقف عن استخدام حق النقض (فيتو) بشكل عشوائي في مجلس الأمن الدولي، ودعم الجهود الدولية المبذولة من أجل تحقيق سلام مستدام في غزة.

إن الدخان المتصاعد فوق أنقاض غزة يُبرز وجود أزمة عميقة في نظام الحوكمة العالمية في القرن الحادي والعشرين. وفي عالم تعتمد فيه الدول على بعضها البعض، فإن أي محاولة لتقديم الأمن القومي على الأمن الإنساني المشترك ستنعكس في النهاية سلبا على تلك الدول نفسها. لذلك، يحتاج المجتمع الدولي إلى إعادة تشكيل الهيكل الأمني الإقليمي عبر تعددية حقيقية، لتحويل حل الدولتين من بيان سياسي إلى خطة عمل ملموسة. وفقط بهذه الطريقة يمكن تجنب تحول مأساة غزة إلى ندبة دائمة في جسد الحضارة الإنسانية.

صور ساخنة