الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

الصندوق المظلم

بقلم / إيمان حمود الشمري، صحفية سعودية

إحدى أكثر الزيارات تشويقاً في الصين التي منحتني جوازاً زهري اللون كانت لبوب لاند !! مدينة الألعاب التابعة للعلامة التجارية الصينية الشهيرة بوب مارت POP Mart” “ حيث التقيت هناك مع بعض أفراد طاقم العمل الذين تحدثوا عن رحلة نجاح تخطت حدود الصين لتغرق العالم بلعبة أصبحت نوع من الهوس والجنون والإدمان للبعض، تُدعى"لابوبو" .. تلك اللعبة الشهيرة التي تسببت بجدل واسع في العالم، أهدوها لي كتذكار وحملتها معي إلى الرياض لأتأمل تلك الابتسامة المريبة بتسعة أسنان حادة، وأذنان طويلتان تشبه أذان الأرنب لمخلوق غريب لم أستطع تصنيفه ولكنه أوحى لي لكتابة هذا المقال ...

من متجر صغير غير معروف طوله 30 متراً يقبع في شوارع بكين المكتظة بالسيارات والحافلات والدراجات والمارة دون أن يلتفت له أحد، يبيع أغطية الهواتف المحمولة وأدوات الزينة وقليلاً من الألعاب إلى شركة كبرى تصنع الألعاب، جعلت الناس تصطف في شوارع باريس وسيؤول وسنغافورة واليابان في طوابير لا نهاية لها بعز الشتاء القارس، طوابير من لهجات وجنسيات وفئات مختلفة ولكن لنفس الهدف !! لشراء صناديق صغيرة معتمة لا أحد يعرف ما بداخلها لإكمال سلسلة من 12 شخصية مختلفة، والحصول على المستهدف الرئيسي لابوبو !!

لماذا؟ ما الذي جعل هذا المخلوق الصغيرقوياً جداً لدرجة أنه يستطيع إيقاف الشوارع في طوابير ممتدة ودفع الناس لشراء شيء لن يستطيعوا رؤيته إلا بعد دفع الثمن وفتح العلبة، شخصية جنت الملايين لشركة صينية بلعبة قماش في عصر التكنولوجيا والألعاب الألكترونية لتتخطى شهرة لعبة باربي، ما هو سر التأثير النفسي الذي جعل العالم في صراع بين رغبته وميزانيته، وجعله يفقد السيطرة بالتحكم ؟؟

وانغ نينغ رجل الأعمال الشاب الصيني من مواليد 1987 ، صاحب شركة بوب مارت، الذي عثر في رحلة بحثه المستمرة على فنان صيني جائع للفرص يدعى كاسينغ لونغ، هو من وراء ثورة لابوبو ، تلك الشخصية التي عندما رسمها حدث السحر!!

استطاع وانغ نينغ أن يحول علم النفس إلى ربح من خلال عدة عناصر أهمها عنصر المفاجأة، والندرة، إذ أنه يتعمد عدم إغراق السوق بلعبة لابوبو لأن الناس لا تنجذب للشيء المتوفر وإنما تطارد الشعور بالإثارة للحصول على الشيء، والتسلسل لإكمال المجموعة، تلك هي الحيلة التي تجعل الناس تنفق بلا تفكير، فالطريقة الوحيدة لضمان الحصول على الشيء هي الاستمرار بالشراء!

صناديق معتمة تختفي خلال ساعات من عرضها، و 12 مليون يوان تم جنيها خلال6 دقائق في متجر شنغهاي في ليلة إطلاق لابوبو الأولى.

عبرت هذه اللعبة المحيط في رحلة تأبى التوقف، قصة نجاح ودليل يثبت أن العلامة التجارية الصينية يمكن أن تخلق رمزاً عالمياً ينطبع في ذهن المستهلك، لابوبو الذي ولد في الصين تحت إشراف طاقم عمل صيني من فنانين إلى رسامين إلى موظفين يؤكد مدى تأثير المنتج الصيني، فسواء اتفقنا أو اختلفنا بتفاصيل تأثير تلك اللعبة وأبعادها وهوس الناس بها الذي جذب حتى مشاهير العالم إليها، ولكن الحقيقة التي لايمكننا إنكارها، هي أن المنتج الصيني أثبت نفسه بقوة عالمياً ودخل عالم المنافسة دون منازع .

صور ساخنة