الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

مقالة: مبتورو الأطراف في غزة يتمسكون بأحلامهم رغم الألم

/مصدر: شينخوا/   2025:11:04.09:22

غزة 3 نوفمبر 2025 (شينخوا) في أحد أحياء مدينة غزة المدمرة، يجلس رامز الإسي، لاعب كرة القدم السابق في نادي الهلال الرياضي، أمام بسطة صغيرة لبيع الشاي والقهوة، بينما يستند إلى عكازه المعدني.

كان يوما ما مدافعا صلبا يهابه المهاجمون في ملاعب القطاع، لكن القدر أراده أن يخوض اليوم مباراة مختلفة، عنوانها الصبر والتحدي بعد أن فقد ساقه في الحرب.

يقول الإسي (41 عاما)، وهو أب لخمسة أطفال، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "كنت لاعبا ممتازا جدا، عندما كنت في الدفاع، كان المهاجمون يقولون إنهم لن يسجلوا أي هدف طالما أنني موجود، كانت كرة القدم تجري في دمي".

لكن في التاسع عشر من يناير 2024، وبينما كان عائدا من شراء بعض البضائع لعائلته، سقطت قذيفة قربه وأصابته شظية في ساقه، ويقول الإسي "أصابتني شظية أدت إلى بتر ساقي، الحمد لله على كل حال، فقد كانت الإصابة بهذا القدر فقط".

يستعيد ذكرياته في المستشفى قائلا "قضيت أربعة أيام في مستشفى الشفاء بين أسرة المرضى وعلى الأرض، لم يكن هناك علاج، ولو توفر لزرعوا لي بلاتين وتعافيت، لكننا لم نجد شيئا".

بالنسبة للإسي، ليس من السهل التكيف مع حياة جديدة بدون قدم، ويقول "في البداية، شعرت بالاكتئاب وانطويت على نفسي، وتمنيت لو أنني مت في تلك الغارة، ولكن لمن كنت سأترك أبنائي؟".

ويتابع "رغم كل شيء قررت أن أتمسك بالأمل وأن أحاول على الأقل أن أعود إلى الحياة من أجل أبنائي"، مشيراً إلى أنه عاد لمزاولة التدريب حين تسمح الظروف.

ويضيف الإسي "الملعب دمر بالكامل وأصبح ضمن منطقة حمراء، لكني أحلم أن أعود يوماً لتدريب الأشبال، لدي ابني كريم، وهو لاعب ممتاز، وأتمنى أن يكمل مسيرتي".

ويتابع بابتسامة مشوبة بالحسرة "كنت أدرب الأطفال والشباب، وأحلم أن يصبح أحدهم بطلاً يرفع اسم غزة، اليوم، أحلم فقط أن أراهم يلعبون مجدداً، حتى وإن كانت رجلي مبتورة، لن أتوقف عن التدريب، الخبرة لا تبتر".

قصة الإسي ليست سوى نموذج لآلاف الجرحى الذين فقدوا أطرافهم في قطاع غزة خلال العامين الماضيين، ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، فإن أكثر من 5000 فلسطيني فقدوا أطرافهم منذ أكتوبر 2023، بينهم نحو 700 طفل، أي ما يعادل 15% من الحالات.

في مدينة دير البلح وسط القطاع، يعيش الطفل راتب أقليق (9 أعوام) تجربة مشابهة، إذ فقد ساقه اليمنى في غارة جوية أدت إلى مقتل والديه وشقيقه الأكبر.

في البداية، كان راتب يستخدم أنبوبا بلاستيكيا مكسورا صنعه بنفسه ليساعده على المشي، ويقول بصوت طفولي خافت "صنعت هذه الساق من أنبوب المياه المكسور في المخيم، قصصته وثبته بالحبال، أردت فقط أن أتحرك، وأن أخرج من الخيمة، وأزور قبر أمي وألعب مع أصدقائي ولكنه كان يؤلمني في أغلب الأحيان".

استمر راتب في استخدام ذلك الأنبوب لمدة ستة أشهر كاملة، قبل أن يحصل على طرف صناعي جديد من مركز الأطراف في مستشفى الشيخ حمد للتأهيل، ومنذ ذلك الحين، تغيرت حياته تدريجياً.

ويقول راتب مبتسما، وقد بدا أكثر ثقة بنفسه "عندما ركبوا لي الطرف الصناعي، شعرت وكأنني ولدت من جديد، الآن أستطيع المشي والجري قليلاً، وألعب كرة القدم مع أصدقائي، ربما لا أركض بسرعة مثل قبل، لكني سعيد أنني أستطيع اللعب من جديد".

ويتابع وهو يشير إلى طرفه الجديد "أتدرب كل يوم حتى أتحسن أكثر، عندما أكبر، أريد أن أصبح فني أطراف لأساعد الأطفال مثلما ساعدوني".

قصة راتب تلخص رحلة طويلة من الألم إلى الأمل يعيشها مئات الأطفال في غزة الذين يسعون لاستعادة حياتهم بعد الإصابات.

في مركز غزة بلدية غزة للأطراف الصناعية، يتوافد العشرات يوميا لتلقي العلاج، يقول المهندس محمد عيسى، المشرف على تصنيع الأطراف في المركز

لـ ((شينخوا)) "قبل الحرب كنا نخدم حوالي ألفي مريض سنويا، أما الآن فنستقبل أكثر من خمسة آلاف، ونعاني نقصا حادا في المواد الخام بسبب القيود الإسرائيلية، لذلك نعيد تدوير القطع القديمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة".

ويضيف أن كثيرا من ذوي البتر يحصلون على أطراف مؤقتة تساعدهم على الوقوف، بينما يحتاج آخرون إلى أطراف إلكترونية متطورة غير متوفرة محليا، مما يجبر المرضى على الانتظار لشهور طويلة قبل أن يتمكنوا من الحصول على طرف.

ويشرح أن الطريق أمام المصابين ما زال طويلا، مشيرا إلى أن "الشوارع المدمرة تعيق إعادة تأهيل المرضى، المريض الذي يحصل على ساق صناعية لا يستطيع المشي بأمان في الطرق المليئة بالركام، ندربهم في العيادة، لكنهم يفقدون القدرة على التوازن خارجها".

من جانبه، يوضح الدكتور بسام نوفل، مدير إدارة التأهيل في وزارة الصحة بغزة، أن أكثر من 60 % من مبتوري الأطراف في القطاع لم يحصلوا بعد على العلاج أو تركيب الأطراف الصناعية.

ويقول لـ((شينخوا)) "نقص الوقود وانقطاع الكهرباء يؤخر العمليات الجراحية وجلسات العلاج الطبيعي، وفي بعض الحالات، يضطر الأطباء إلى بتر الطرف بالكامل بسبب عدم توفر المعدات لإنقاذه".

ويشير نوفل إلى أن الوزارة تعمل بالتنسيق مع منظمات دولية لإدخال المعدات اللازمة، لكنه يؤكد أن "الإجراءات المعقدة والقيود المفروضة على المعابر تجعلنا في سباق مع الزمن لإنقاذ المصابين".

وفي محاولة لتقديم خدمات أكبر، تعمل مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية في غزة كأحد المراكز القليلة المتخصصة التي ما زالت تواصل عملها رغم الظروف الصعبة.

ويقول عطية الوادية، مدير دائرة العلاقات العامة في المستشفى، لـ((شينخوا)) إن "عدد حالات البتر الجديدة في غزة يتجاوز 5000 حالة، إلى جانب نحو 2000 حالة سابقة كانت تتلقى خدمات تركيب وصيانة قبل الحرب، أي ما يزيد عن 6500 حالة إجمالاً".

ويضيف أن المستشفى، الممول من صندوق قطر للتنمية، "قدم خدمات لأكثر من 40 ألف مريض منذ افتتاحه عام 2019، ويضم ثلاثة أقسام رئيسية: الأطراف الصناعية، والسمع والتوازن، والتأهيل الطبي".

لكن الأوضاع الحالية، كما يوضح الوادية، "بالغة الصعوبة"، إذ تضررت أجزاء من المستشفى بفعل القصف، فيما يجد المرضى صعوبة في الوصول إليه بسبب انعدام وسائل النقل والطرق الآمنة.

ويقول "تصلنا يوميا مناشدات من مبتوري الأطراف الذين يحتاجون إلى تركيب أطراف جديدة أو صيانة القديمة، وكثير منهم يعانون ضموراً في العضلات نتيجة سوء التغذية والمجاعة."

ويختم الوادية قائلا إن المستشفى "يواصل تقديم خدماته رغم نقص المواد الخام والكوادر، ويعمل بتنسيق دائم مع مركز بلدية غزة للأطراف الصناعية لضمان رعاية الحالات المعقدة بأفضل صورة ممكنة".

صور ساخنة