الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

من التعاون إلى الإنجاز.. الصين والدول العربية ترسم مستقبل الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط

/مصدر: شينخوا/   2025:08:25.16:01

بكين 25 أغسطس 2025 (شينخوا) عند المرور بصحراء جوبي الشاسعة في هامي بمنطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم في الصين، يجذب الانتباه صف طويل من توربينات الرياح العملاقة المنتصبة على امتداد الطريق. تبدو هذه الأبراج التي يصل ارتفاعها الكلي إلى أكثر من 200 متر أشبه بحديقة ضخمة من التوربينات. ويولد كل توربين حوالي 5000 كيلوواط/ساعة من الكهرباء، وهو ما يكفي لتزويد 20 منزلا بالطاقة لمدة شهر كامل.

ومع الاتجاه شمالا، تظهر ألواح شمسية منتشرة على مساحات واسعة، وكأنها بحر ممتد من الطاقة المتجددة. وبفضل وفرة ضوء الشمس واستقرار هبوب الرياح، تتمتع منطقة شينجيانغ بميزة فريدة في مجال الطاقة المتجددة.

واليوم، بات بالإمكان رؤية مثل هذه المشاريع في الدول العربية. تمتد الدول العربية من غرب آسيا إلى شمال أفريقيا وتتميز بمساحات شاسعة ذات بيئة مشابهة لطبيعة شينجيانغ. وعلى وجه الخصوص، تشهد شبه الجزيرة العربية أكثر من 3400 ساعة من أشعة الشمس سنويا، ما يجعلها بيئة مثالية لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة.

وخلال السنوات الأخيرة، أحرزت الصين تقدما ملحوظا في التعاون الخاص بمجال الطاقة المتجددة مع دول الشرق الأوسط مثل مصر والإمارات والسعودية. ووفقا لإعلان أصدرته اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية عام 2024، فقد أنشأت الصين أكبر سلسلة لصناعة الطاقة الجديدة في العالم، وتوفر 70 بالمائة من وحدات الطاقة الكهروضوئية و60 بالمائة من معدات الطاقة الريحية عالميا. ومع انتشار هذه الخبرات والمعدات عبر مبادرة الحزام والطريق، تسهم الصين في تمكين الدول العربية، من تنويع مصادر طاقتها. فبعد أن كانت معروفة بمواردها من الطاقة التقليدية الموجودة تحت الأرض باتت اليوم أكثر قدرة على تحسين استغلال مواردها المتجددة فوق الأرض.

في أعماق صحراء أبوظبي، تبرز محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، التي شيدتها شركة صينية، كأكبر محطة مستقلة لإنتاج الكهرباء من موقع واحد باستخدام الطاقة الشمسية في العالم. ودخل المشروع رسميا مرحلة التشغيل التجاري في يونيو 2023، بطاقة إنتاجية سنوية تكفي لتلبية احتياجات 200 ألف منزل من الكهرباء، مع خفض انبعاثات الكربون بما يعادل 2.4 مليون طن سنويا.

ويؤكد عبد العزيز العبيدلي، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة "مصدر" بالإمارات، أن محطة الظفرة تمثل نموذجا لكيفية إسهام الشركات الصينية المصنعة لمعدات الطاقة الكهروضوئية في تحقيق هدف الحياد الكربوني العالمي.

وبالإضافة إلي ذلك، نفذ ائتلاف من عدة شركات من بينها "مصدر" المرحلة الرابعة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، وهو عبارة عن محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة إنتاجية تبلغ 950 ميجاواط، ويمتد المشروع على مساحة 44 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل مساحة أكثر من 6 آلاف ملعب كرة قدم قياسي.

ولا يشمل التعاون الصيني الإماراتي الطاقة الشمسية فقط، بل يتضمن أيضا تطوير واستكشاف طاقة الرياح. ففي مايو 2023، تم بنجاح إكمال أول مشروع تجريبي لطاقة الرياح على نطاق المرافق الخدمية في الإمارات والذي نفذته إحدى الشركات الصينية، ليشكل محطة جديدة في مسيرة تنويع مصادر الطاقة في الدولة.

وتتكرر مفاهيم مثل الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة والتحول الأخضر في "رؤى" وإستراتيجيات التنمية في دول الشرق الأوسط، حيث وجدت التكنولوجيا والخبرة الصينية أرضية خصبة للتكامل مع طموحات التحول في المنطقة.

ولطالما اعتمدت المملكة العربية السعودية لعقود على صادرات النفط كركيزة أساسية لاقتصادها، إذ تشكل صناعة النفط ما يقرب من نصف ناتجها المحلي الإجمالي. إلا أن تقلب أسعار النفط، وتراجع دور "أوبك" وتزايد الضغوط العالمية لمواجهة تغير المناخ، إلى جانب النمو المتسارع للطلب على الكهرباء من الصناعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، دفعت المملكة إلى البحث عن بدائل جديدة. وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة عن خطط لتطوير قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه، محطة الشُعيبة للطاقة الكهروضوئية، التي شيدتها شركة صينية في صحراء جنوب جدة، ثاني أكبر مدن المملكة، إذ من المتوقع أن تسهم في تقليل الانبعاثات بما يعادل زراعة 545 مليون شجرة على مدى 35 عاما، لتصبح نموذجا بارزا لدور المبادرات الصينية في دفع التعاون العالمي نحو التحول إلى الطاقة الخضراء.

وذكر مركز أبحاث الشرق الأوسط (جيوبول ريبورت) في تقرير له أن الصين لا تدعم فقط انتقال السعودية إلى الطاقة النظيفة، بل إن استثماراتها في مشاريع البنية التحتية للطاقة في 6 دول من مجلس التعاون الخليجي جعلت منها شريكا رئيسيا في مسيرة تحول الطاقة في المنطقة بما يتماشى مع مبادرة الحزام والطريق ويعزز تأثير الصين الإيجابي في الخليج العربي.

إلى جانب التعاون الإقليمي، تتجه دول الشرق الأوسط بشكل متزايد نحو الاستثمار في الصين نفسها. ففي وقت سابق من هذا العام، صرح محمد أبو نيان، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "أكوا باور"، إحدى أكبر شركات الطاقة المتجددة وتحلية المياه في العالم، والتي يملك صندوق الاستثمارات العامة السعودي الحصة الأكبر فيها، بأن التزام الصين بالابتكار، وضخامة سوقها، وانفتاح سياساتها، تمثل عوامل رئيسية لاستمرار الاستثمار والنمو في هذا القطاع.

وأضاف أن الشركة تخطط لانخراط أكبر في السوق الصينية، التي أصبحت "سوقا إستراتيجية ذات إمكانات هائلة على المدى الطويل"، مع التركيز على تطوير مشاريع الطاقة المتجددة.

لا يقتصر التعاون في مجال الطاقة على مشاريع توليد الطاقة فحسب، بل يمتد إلى التطبيقات العملية المرتبطة بها أيضا، وفي مقدمتها قطاع النقل. وذكر موقع ((36 كيه آر))، وهو منصة تجارية صينية، أن صادرات السيارات الصينية إلى الإمارات، التي تعد نقطة عبور رئيسية إلى أسواق الشرق الأوسط، ارتفعت بنسبة 61 في المائة على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام. كما يشهد الشرق الأوسط توسعا متزايدا لبرندات السيارات العاملة بالطاقة الجديدة نتيجة إيلاء شركات صناعة السيارات الصينية اهتماما متزايدا بسوق الشرق الأوسط وافتتاحها معارض ومتاجر رئيسية وعقدها مؤتمرات صحفية في المنطقة منذ العام الماضي.

وبحسب توقعات شركة ((برايس ووترهاوس كوبرز))، من المنتظر أن تشكل السيارات الكهربائية 15 في المائة من مبيعات السيارات الجديدة في الإمارات بحلول عام 2030، في حين حددت "رؤية 2030" للمملكة العربية السعودية هدفا أكثر طموحا يتمثل في وصول حصة هذه المركبات إلى 30 في المائة من إجمالي المبيعات بحلول عام 2030.

وخارج دول الخليج، تبرز مشاريع الطاقة المتجددة في مصر والمغرب وغيرها من الدول العربية كنماذج بارزة إضافية للتعاون الصيني العربي في هذا المجال. ومع مشاركة عدد متزايد من الشركات الصينية في هذه المشاريع، تتعزز فرص البناء المشترك وتقاسم موارد الطاقة الجديدة. وهكذا، تتكشف تدريجيا معالم مبادرة الحزام والطريق الخضراء بما يدفع مسار التحول نحو مستقبل طاقي أكثر استدامة في المنطقة.

صور ساخنة