الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

رؤية شرق أوسطية: هل شاركت واشنطن في خداع حماس قبل العملية الإسرائيلية بالدوحة ؟

/مصدر: شينخوا/   2025:09:11.09:09
رؤية شرق أوسطية: هل شاركت واشنطن في خداع حماس قبل العملية الإسرائيلية بالدوحة ؟
صورة تظهر عربة إسعاف بالقرب من موقع تعرض لغارة جوية إسرائيلية في الدوحة بقطر في 9 سبتمبر 2025. (شينخوا)

القاهرة 10 سبتمبر 2025 (شينخوا) نفذ الجيش الإسرائيلي أمس (الثلاثاء) عملية عسكرية استهدفت وفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التفاوضي في العاصمة القطرية الدوحة، في خطوة أكد مراقبون أنها لم تكن لتتم بدون "ضوء أخضر" و"تآمر" من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي "مارست قدرا من الخداع" لتسهيل قصف قادة حماس.

وأوضح الخبراء أن إسرائيل لا يمكن أن تنفذ هجوما جويا بهذا الحجم في قطر، التي تتواجد بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، دون علم واشنطن وموافقتها.

وتم استهداف الوفد الحمساوي في وقت كان يناقش فيه مقترحا جديدا قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة ووقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.

وكان ترامب قال في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأحد الماضي، إن "الجميع يريد عودة الرهائن إلى ديارهم، الجميع يريد إنهاء هذه الحرب، لقد قبل الإسرائيليون شروطي، وحان الوقت لحماس أن تقبلها أيضا"، قبل أن يؤكد أن هذا سيكون "إنذاره الأخير".

-- رسائل العملية الإسرائيلية

ونجا وفد حماس التفاوضي من محاولة الاغتيال الإسرائيلية، التي راح ضحيتها خمسة من مرافقي الوفد، إضافة إلى أحد عناصر الأمن الداخلي القطري.

وتعد هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل قيادات لحماس في قطر، التي تتوسط مع مصر بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النار في غزة.

لكنها سبق أن نفذت عمليات مماثلة في بلدان أخرى، كان أبرزها اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في إيران في يوليو العام الماضي.

وقال الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، ومقره القاهرة، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة حماس في قطر هي عنوان لمرحلة جديدة، تحمل "رسالة الحسم"، حيث يتجه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى "الخيار العسكري لحسم الأمور، ولم يعد يهتم بملف المفاوضات، ولا حتى بالوساطة القطرية".

بدوره اعتبر الدكتور إسماعيل السهيلي الباحث بمركز المخا للدراسات الاستراتيجية باليمن ،أن الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر "جريمة حرب وجريمة عدوان على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة".

وأضاف السهيلي، لـ ((شينخوا))، أن قصف إسرائيل لوفد حماس في الدوحة انتهاك خطير للقانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، خاصة أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية واتفاقية البعثات الخاصة تمنح أعضاء الوفود التفاوضية الحصانة وعدم التعرض لهم.

وأشار إلى أن العملية الإسرائيلية تعكس "غطرسة إسرائيل ككيان منفلت من الالتزام بالقانون الدولي"، وتحمل رسالة تتعلق بتصريحات نتنياهو المتكررة بأنه "يغير وجه الشرق الأوسط".

وتابع السهيلي، أن "القصف ترجمة لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة التي تعكس نقمة على الدور القطري في المفاوضات، فأرادت إسرائيل إرباك وإضعاف دور قطر كوسيط، وربما تسعى إسرائيل لدفع القطريين للانسحاب من الوساطة".

وأردف أن "القصف يحمل رسالة أخرى مفادها بأن أمريكا تولي أهمية أكبر لتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل وتلبية مطالبها حتى العدوانية، على حساب أمن ومصالح حلفائها من الدول العربية".

في حين قال الباحث الفلسطيني تيسير عابد إن العملية الإسرائيلية في قطر "لم تكن مجرد ضربة عسكرية عابرة أو رسالة ضغط محدودة، بل تعكس قرارا استراتيجيا اتخذته إسرائيل بعد أن قدرت أن دور قادة حماس السياسي والعسكري قد وصل إلى نهايته، وأنهم باتوا عبئا أكثر منهم مكسبا، والتخلص منهم يفتح الباب أمام إعادة رسم مسار الحرب والمفاوضات".

وأشار إلى أن العملية الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى الضغط التفاوضي بل تغيير قواعد اللعبة، قبل أن يضيف "نحن أمام مرحلة جديدة عنوانها، أنه حتى أماكن اللجوء السياسي أو التفاوضي لم تعد محصنة أمام الطائرات الإسرائيلية".

بينما قال الكاتب السوري صلاح الدين إبراهيم إن الضربة الإسرائيلية تشكل تحولا كبيرا في مسار المفاوضات بشأن غزة، مشيرا إلى أن هذه الضربة تحمل أكثر من رسالة أهمها أن "شروط إسرائيل هي التي ستفرض على طاولة أي تسوية قادمة بشأن غزة، بمعنى التفاوض تحت النار، ومن منطق القوة وليس السياسة".

أما الباحث التونسي هشام الحاجي نائب رئيس المركز المغاربي للبحوث والدراسات، فرأى أن الضربة الإسرائيلية تتضمن رسائل من أھمھا، أن "نتنياهو يريد شطب دور حماس العسكري والسياسي، واستبعاد قطر، ولا يؤمن بالمفاوضات".

-- تواطؤ أمريكي

وأوضح مطاوع، أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت بالتأكيد على دراية بالضربة الإسرائيلية قبل تنفيذها، قبل أن يضيف أن واشنطن شاركت الخداع مع إسرائيل لتنفيذ هذه العملية، كما فعلت مع إيران عندما منحتها مهلة 60 يوما وتم ضربها بعد انتهائها بيوم.

وشدد على أنه "لا يمكن لإسرائيل أن تقوم بمثل هذه العملية بدون تنسيق مسبق (مع الولايات المتحدة) بسبب طول المسافة (بين إسرائيل وقطر) ووجود القاعدة الأمريكية في قطر، لذلك لا يمكن أن تحدث هذه الضربة بدون ضوء أخضر أمريكي".

وأرجع منح واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ هذه العملية إلى أن "أولا: هناك قناعة بأن قطر لا تضغط على حماس بالشكل الكافي، ثانيا: بسبب النفوذ الإيراني داخل حماس، وتنفيذ الضربة العسكرية كان مقررا أن يقضي على كل من له علاقة باتخاذ القرار في حماس ويرفض شروط إنهاء الحرب في غزة".

بدوره، قال السهيلي إنه "رغم نفي عدة مسؤولين أمريكيين أي موافقة مسبقة على العملية الإسرائيلية في قطر، إلا أن تحليل مواقف أمريكية سابقة مشابهة في لبنان وإيران، يجعل من السطحية تصديق الرواية الأمريكية".

وأضاف أن "تتابع الأحداث، بداية من إعلان إسرائيل الموافقة على العرض الأمريكي، ثم ممارسة الرئيس ترامب درجة عالية من التهديد لحماس والضغط بعواقب غير مسبوقة إن لم توافق على العرض، ثم تسهيل انتقال قادة حماس للدوحة للانضمام لوفد التفاوض، كل هذا يعطي انطباعا قويا بأن أمريكا مارست قدرا من الخداع والتضليل لتسهيل قصف إسرائيل لوفد قادة حماس المفاوض في الدوحة".

وأردف "يصعب جدا على إسرائيل، وهي في أشد الحاجة لاستمرار الدعم الأمريكي لها في الظرف الراهن، أن تقوم بالاعتداء على سيادة دولة حليفة للولايات المتحدة، تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، ما يجعل أي عمل عسكري إسرائيلي دون معرفة أو تنسيق أمريكي بمثابة مجازفة بخسران الدعم الأمريكي غير المشروط، لذلك يبدو أن إسرائيل قد حصلت مسبقا على ضوء أخضر أو على أقل تقدير غض طرف أمريكي، وربما يعود ذلك لشعور أمريكا بقدرتها على ضبط التداعيات المترتبة على ذلك".

بينما رأى عابد، أنه "لا يمكن القول إن واشنطن هي من خدعت حماس مباشرة، لكنها بالتأكيد ساهمت في وضعها داخل الفخ من خلال تسريع إيقاع العرض السياسي، ثم التزام الصمت وهي تدرك أن اجتماع قيادة حماس بات مكشوفاً أمام إسرائيل".

وأضاف أن "هذا السلوك يثبت أن أمريكا لاعب أساسي يضبط إيقاع الصراع وفقا لمصالحها، حتى لو كان ذلك على حساب حياة قيادات فلسطينية"، مشيرا إلى أن واشنطن "لم يكن لديها مانع استراتيجي" من تنفيذ العملية الإسرائيلية.

وأردف أنه "من الناحية العملية، لا يمكن لإسرائيل أن تنفذ هجوما جويا بهذا الحجم في قلب الدوحة، وعلى مقربة من قاعدة العديد الأمريكية، من دون علم واشنطن وموافقتها الضمنية على الأقل، فأي نشاط عسكري في هذه المنطقة شديدة الحساسية لا بد أن يمر عبر التنسيق الأمني والسياسي مع الولايات المتحدة، لذلك حتى لو اعترضت واشنطن شكليا على الأسلوب أو التوقيت، فإن مجرد عدم منع العملية يعني أنها منحت إسرائيل الضوء الأخضر".

في حين أكد صلاح الدين إبراهيم، أن هناك تآمرا أمريكيا ضد حماس، مضيفا " بدون أدنى شك، هناك ضوء أخضر أمريكي لهذه الضربة" الإسرائيلية.

أما الحاجي فقال إن "كل المعطيات تؤكد أن اسرائيل لا تتحرك دون ضوء أخضر أمريكي، والعدوان ضد قطر ھو نسخة طبق الأصل من العدوان ضد إيران".

-- مصير مفاوضات غزة

وقال السهيلي، إنه من المتوقع أن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة "ستتجمد مؤقتا"، مشيرا إلى أن "حماس ستتعامل بحذر شديد جدا مع أي عروض أمريكية لاحقة، وربما لن تقبل الدخول في المفاوضات إلا بتوفر ضمانات أمنية موثوقة من الوسطاء، وربما تطلب إشراك دول كبرى كدول ضامنة وفي إطار الأمم المتحدة".

في حين رأى مطاوع، أن الضغوط سوف تزيد على حماس من دول المنطقة، بعد العملية الإسرائيلية التي استهدفت قادة الحركة في قطر.

وأضاف أنه "لا أحد في المنطقة يريد أن يتورط ما دامت إسرائيل وضعت قادة حماس على قوائم الاغتيال، لذلك هناك احتمالية أنه إذا تم تحييد من يرفضون العرض الأمريكي، فاعتقد أن حماس سوف تقبل بالعرض".

لكن عابد قال إن " العملية الإسرائيلية ستزيد من شعور قيادة حماس بأن واشنطن متورطة في محاولة تصفيتها سياسيا وعسكريا، وهذا سيدفع الحركة نحو التشدد ورفض أي عرض أمريكي مطروح على الأقل في المدى المنظور".

ورأى أن "المفاوضات ستدخل مرحلة تجميد وربما انهيار، لأن الثقة التي كانت مهزوزة أصلا باتت اليوم منعدمة تماما".

إلا أن صلاح الدين إبراهيم، قال إن "مصير المفاوضات سينتهي كما تريد إسرائيل اذا ما أخذنا تصريحات ترامب بشأن غزة وسكانها على محمل الجد، أي ربما يكون هناك تهجير لسكان غزة".

في حين اعتبر الحاجي أن "المفاوضات عملية خداع تتواصل، منذ أكثر من عام وسط غموض حول آليات إدارتھا".

صور ساخنة