الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

تحقيق ميداني: هل يقود اتفاق غزة إلى وقف إطلاق نار دائم وشامل في القطاع؟

/مصدر: شينخوا/   2025:10:10.08:55

غزة 9 أكتوبر 2025 (شينخوا) توصلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، برعاية الولايات المتحدة ومصر وقطر، في خطوة اعتُبرت المرحلة الأولى من خطة سلام متعددة المراحل أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط تساؤلات حول مدى قدرة هذا الاتفاق على الصمود وتحقيق وقف دائم للقتال بعد عامين من الحرب المدمّرة.

ورحبت حماس بالاتفاق معتبرة أنه نتيجة "تعاون مسؤول" مع خطة ترامب، لكنها حذرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من محاولة "وضع عراقيل" أمام تنفيذ البنود الخاصة بملف الأسرى أو المساعدات.

ويثير هذا التطور تساؤلات بشأن طبيعة الاتفاق الجديد، وعوامل استمراره، والتحديات التي قد تعترض طريقه.

-- ما هو اتفاق غزة؟

تم الإعلان رسميًا عن الاتفاق في مدينة شرم الشيخ المصرية، بعد ثلاثة أيام من المفاوضات غير المباشرة بين وفدي حماس وإسرائيل، بمشاركة وفود أمريكية ومصرية وقطرية.

ويشكل الاتفاق المرحلة الأولى من خطة ترامب متعددة المراحل لإنهاء الحرب في غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023. ويتضمن وقفا فوريا لإطلاق النار في جميع مناطق القطاع، وإطلاق سراح 48 رهينة إسرائيليا، من بينهم 20 يُعتقد أنهم أحياء، مقابل إفراج إسرائيل عن 1700 أسير فلسطيني، وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من نحو 50% من أراضي قطاع غزة، وإدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق تحت إشراف الأمم المتحدة ومصر وقطر.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي الفلسطيني غسان الخطيب أن الاتفاق "إيجابي في جوهره لأنه يوقف القتال ويحدّ من الخسائر"، مضيفا أن "ما يميّزه عن التفاهمات السابقة هو وجود إرادة دولية واضحة تدعمه".

ويضيف الخطيب أن "الفلسطينيين في غزة بحاجة ماسة إلى فترة استقرار تسمح بإعادة بناء المرافق الصحية والتعليمية وعودة الخدمات الأساسية"، مشيرا إلى أن "نجاح الاتفاق مرهون بالتزام إسرائيل بوقف شامل للعمليات العسكرية ورفع القيود المفروضة على الحركة والتجارة".

ويرى مراقبون أن توقيت الاتفاق يمنحه وزنا إضافيا، إذ يأتي بعد حرب استمرت أكثر من عامين تسببت في مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني ونزوح مئات الآلاف، إلى جانب خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة في الجانب الإسرائيلي.

ويعتبر بعض المراقبين أن الصفقة الإنسانية، المتمثلة في تبادل الأسرى وإيصال المساعدات، قد تمهد لمسار سياسي جديد يشمل بحث مستقبل إدارة غزة ودور السلطة الفلسطينية في إعادة الإعمار، وهو ملف أشار إليه الرئيس محمود عباس بقوله إن "أي اتفاق حقيقي يجب أن يعيد غزة إلى الحضن الفلسطيني الموحد".

-- ما هي عوامل صمود الاتفاق؟

يعتمد استمرار الاتفاق، بحسب محللين، على مدى التزام الطرفين ببنوده، وعلى وجود ضمانات دولية فعّالة تشرف على تنفيذه.

ويقول المحلل السياسي عصمت منصور إن الاتفاق يشكّل "المرحلة الأولى من خطة ترامب"، موضحا أنه يتضمن "ترتيبات أمنية وإنسانية تمهّد للانتقال إلى مراحل لاحقة تشمل إعادة الإعمار وعودة المؤسسات المدنية إلى العمل".

ويصف منصور الاتفاق بأنه "فترة اختبار حقيقية"، تعكس إرادة دولية لإنهاء الحرب وبدء مرحلة جديدة قد تفتح الباب أمام استقرار أوسع في المنطقة.

ويضيف أن "إسرائيل تدرك أن الحرب استنزفت قدراتها العسكرية والاقتصادية، فيما تسعى حماس إلى إعادة ترتيب أوراقها في ظل واقع جديد"، ما قد يجعل الطرفين أكثر ميلًا للتهدئة.

كما يرى أن تسوية ملف الأسرى، الذي كان أحد أسباب استمرار العمليات العسكرية، قد يفتح الطريق أمام تفاهمات أوسع لاحقا.

بدوره، يشير غسان الخطيب إلى أن "نجاح الاتفاق يتطلب وجود رقابة دولية واضحة، لمنع أي خرق".

غير أن بعض المحللين يبدون تفاؤلًا حذرًا، معتبرين أن مدة الهدنة لم تُحدَّد بشكل واضح، وأنها تكرّس "هدوءًا مؤقتًا" بدلًا من إنهاء كامل للحرب، ما يعيد إلى الأذهان فشل اتفاقات سابقة مثل هدنة يناير 2025 التي انهارت بعد شهرين فقط.

ويقول مصطفى إبراهيم، وهو محلل سياسي من غزة، إن "التفاصيل الدقيقة حول قوائم الأسرى ومصير جثث الرهائن لا تزال قيد النقاش، لكنها ليست عوائق مستعصية"، مشيرا إلى أن "العقبة الأكبر هي غياب ضمانات دولية حقيقية، إذ تعتمد الهدنة بشكل أساسي على التعهد الأمريكي، وهو ما لا يطمئن الجانب الفلسطيني".

ويحذر إبراهيم من أن "أي خرق ميداني، مثل تنفيذ ضربات محدودة أو اغتيالات، قد ينسف الاتفاق سريعا، كما حدث في اتفاقات سابقة"، مضيفا أن "ضبط الميدان سيكون العامل الحاسم في اختبار مصداقية الأطراف".

-- ما هي أبرز التحديات التي تواجه الاتفاق؟

رغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالإعلان، يواجه اتفاق غزة سلسلة من التحديات السياسية والميدانية التي قد تهدد استمراره.

أبرز هذه التحديات يتمثل في غياب اتفاق واضح بشأن مستقبل إدارة القطاع، إذ لا تزال إسرائيل تصر على الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية، بينما تطالب حماس بانسحاب كامل. كما لم تُحدَّد بعد آليات مشاركة السلطة الفلسطينية أو دور الأمم المتحدة في إدارة المساعدات وإعادة الإعمار.

ويقول المحلل مصطفى إبراهيم إن "المرحلة اللاحقة ستكون أكثر تعقيدا بعد إتمام صفقة الأسرى، لأن حماس ستفقد ورقة ضغط مهمة، بينما ستطرح إسرائيل مسألة سلاح الحركة على الطاولة، وهو ملف حساس جدًا".

كما يلفت إبراهيم إلى أن "التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية، التي تضم أحزابا يمينية متشددة، لا تمنح نتنياهو هامشا واسعا للمناورة السياسية، ما قد يعرقل تطبيق الاتفاق حتى نهايته".

ميدانيا .. أفادت مصادر فلسطينية بأن الجيش الإسرائيلي واصل عمليات القصف المحدودة اليوم رغم تراجع حدتها مقارنة بالفترة السابقة، ما أثار تساؤلات حول مدى التزامه بالهدنة.

وأشارت المصادر إلى أن "الحكومة الإسرائيلية ما زالت تصر على الاحتفاظ بوجود عسكري رمزي داخل بعض مناطق القطاع بحجة منع عودة المقاتلين".

ويرى مراقبون أن الاختبار الحقيقي للاتفاق سيكون في مدى التزام إسرائيل بإدخال المساعدات وفتح المعابر وبدء إعادة الإعمار خلال الأسابيع المقبلة، إذ إن أي تباطؤ في ذلك قد يؤدي إلى تآكل الثقة بين الأطراف وعودة التوتر.

-- ما الذي يعنيه الاتفاق للفلسطينيين وإسرائيل؟

بالنسبة للفلسطينيين، يوفر الاتفاق فرصة نادرة للراحة بعد حرب طويلة، إذ يعيش 2.3 مليون شخص في أوضاع إنسانية مأساوية منذ عامين.

ويأمل كثيرون أن يشكّل الاتفاق بداية لعودة الحياة الطبيعية وفتح المعابر وعودة الكهرباء والمياه.

ويقول محمود الديراوي، أحد سكان مدينة غزة، إن الإعلان عن الاتفاق "أعاد إلينا بعض الأمل بعد شهور من الخوف والدمار"، مضيفا أن "الناس يريدون فقط أن يعيشوا حياة عادية دون أصوات القصف".

ويضيف الديراوي، وهو أب لخمسة أطفال نزح من حي الشجاعية، أن "كل ما نريده الآن هو أن يثبت هذا الاتفاق لأننا تعبنا من البدء من الصفر بعد كل حرب"، مشيرا إلى أن كثيرا من العائلات ما زالت في مخيمات وملاجئ وتخشى أن تكون هذه الهدنة مثل سابقاتها.

أما بالنسبة لإسرائيل، فيحقق الاتفاق أحد أبرز أهدافها المتمثلة في استعادة الرهائن، كما يمنح الحكومة فرصة لتهدئة الاحتجاجات الداخلية وتحسين صورتها أمام الرأي العام، وسط وعود أمريكية بدعم اقتصادي وسياسي مقابل التزامها بخطة السلام.

ورغم ذلك، تبقى الشكوك قائمة حول مدى استعداد الطرفين للمضي في تنفيذ الاتفاق بالكامل، في ظل غياب ضمانات ملزمة على الأرض. وكما قال أحد المراقبين، فإن "الهدوء في غزة قد يكون بداية لمرحلة جديدة أو مجرد استراحة قصيرة في حرب لم تنته بعد".

صور ساخنة