الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

مقالة : استقبال حياة جديدة في وسط النيران بغزة

/مصدر: شينخوا/   2025:10:13.10:02

غزة 12 أكتوبر 2025 (شينخوا) مع بزوغ خيوط الفجر الأولى، تتوجه الطبيبة سمية شومر، اختصاصية النساء والولادة، نحو مستشفى العودة الميداني في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. تمضي بخطوات سريعة، وقلبها مثقل بالهموم. فهي، إلى جانب مسؤوليتها كأم لثلاثة أطفال، تتحمل واجب استقبال حياة جديدة في منطقة تتوشح بالموت والدمار.

تقول شومر (34 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهي تدخل غرفة الفحص التي تحولت إلى ملجأ للنساء الحوامل "في مرات حملي السابقة كنت أستمتع بكل يوم وأسبوع وشهر، لكنني الآن أشعر أنني مثقلة بالمخاوف والهموم، بسبب الحمل ونقص الغذاء، وأيضًا بسبب الحرب."

وتضيف "قبل أن أصل إلى شهري التاسع من الحمل، كنت أعمل أكثر من 50 ساعة أسبوعيا، أما الآن فأغطي 35 ساعة فقط. كل يوم نستقبل أكثر من 200 حالة حمل، ومع النزوح ارتفع العدد بشكل غير مسبوق".

ورغم ساعات عملها الطويلة، تعيش شومر تحديات يومية مضاعفة مع الحمل. فهي تبدأ صباحها بتحضير وجبة بسيطة لعائلتها من الخبز وقليل من الخضار قبل أن تودع أطفالها الثلاثة وتغادر إلى عملها. وتقول "أشعر بالإرهاق بسرعة، ولا أستطيع تناول الأغذية التي تحتاجها الحامل مثل الحليب أو الفاكهة. غالبا أكتفي بوجبات قليلة لا تكفي لتغذية الجنين."

وعندما تعود في المساء إلى منزلها المؤقت، تحاول أن تمنح أطفالها شعورا بالاستقرار، رغم التعب الشديد. وتضيف "أحيانا أخلد إلى النوم وأنا ما زلت أرتدي ملابس العمل. حتى أبسط الأشياء، مثل النوم المتواصل أو كوب ماء نظيف، أصبحت رفاهية بالنسبة لي."

توضح شومر أن حملها الحالي يختلف كثيرا عن تجاربها السابقة، إذ لم تعد تشعر بفرحة انتظار المولود بقدر ما تعيشه من قلق دائم من أن تداهمها الولادة في ظل القصف أو نقص الإمكانيات الطبية.

وفي الممرات الضيقة للمستشفى، تتكدس النساء على المقاعد البلاستيكية، يختلط صوت بكاء الأطفال بصافرات سيارات الإسعاف القادمة من مناطق القصف. تقف شومر بجوار سرير معدني يفتقد إلى أبسط التجهيزات الطبية، تضع سماعتها على بطن إحدى السيدات وتبتسم رغم علامات الإرهاق على وجهها.

بجوارها تعمل ممرضات نازحات فقدن منازلهن أو أقاربهن، لكنهن واصلن أداء مهامهن. تقول هبة نصار، إحدى الممرضات: "الكثير من زملائنا قتلوا أو اضطروا للنزوح. نحن نعمل هنا بأقل الإمكانيات لنمنح النساء شعورا بالأمان."

وفي غرفة أخرى، تجلس سمية المدهون (35 عاما)، امرأة نازحة من حي الشيخ رضوان، على كرسي متهالك في انتظار دورها. تقول لـ((شينخوا)) "أنا في الشهر الخامس من الحمل. لا يوجد غذاء كافٍ ولا رعاية صحية مناسبة. بعض النساء لا يجدن حتى الفحوص الأولية."

فوجئت المدهون بحدوث الحمل بعد مقتل شقيقها أحمد في غارة إسرائيلية قبل خمسة أشهر. وتضيف "لم أفكر بالإنجاب في هذه الظروف، لكن يبدو أنه القدر. إذا رزقت بولد فسأسميه أحمد، ليبقى اسم أخي حاضرا."

داخل غرفة الفحص، وبينما تضع شومر جهاز السونار على بطن المدهون، يعتمد الفريق الطبي على مصباح صغير بسبب انقطاع الكهرباء. الصورة الضبابية على الشاشة تمنح الأم شعورا مؤقتا بالاطمئنان. وتقول "ما نطالب به فقط هو أبسط أشكال الرعاية الصحية."

وخارج الغرف، تصطف نساء حوامل أخريات، بعضهن يحملن أطفالا رضع. تمر ممرضة شابة لتوزع قوارير مياه محدودة قدمتها منظمة دولية، فيما يتبادل الطاقم الطبي التحية مع موظفي الإغاثة الذين يجلبون صناديق من الشاش والمعقمات.

تقول شومر إن التحدي الأصعب لا يكمن في غرف الفحص وإنما في بيتها "الصعب أن أترك أطفالي وحدهم. أنا طبيبة وزوجي أيضا طبيب، وأحيانا نكون معا في العمل بينما أطفالنا بلا والدين في المنزل. هذه المسؤولية مؤلمة أكثر من العمل نفسه."

في إحدى غرف الولادة، تتعالى أصوات الطاقم الطبي حول امرأة تئن من الألم. دقائق من الترقب تنتهي بصرخة طفل جديد، لحظة قصيرة من الفرح وسط ضجيج الحرب. تقول الممرضة نصار "مع كل ولادة نشعر أن الأمل ما زال ممكنا، وأن الحياة أقوى من الموت."

حين يحل المساء، يغادر بعض المرضى بعد ساعات من الانتظار، فيما يواصل الطاقم الطبي عمله حتى الليل على وقع أصوات الانفجارات. ومع كل ولادة جديدة، يضيء الأمل في قلوب الأمهات رغم قتامة المشهد.

وفي تقرير حديث، حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) من "نتائج كارثية" تهدد جيلا كاملا في غزة، مشيرة إلى أن المجاعة والضغط النفسي وانهيار النظام الصحي تسببوا في زيادة الولادات المبكرة وانخفاض أوزان المواليد.

ورغم ذلك، تظل أصوات بكاء المواليد في المستشفيات الميدانية رسائل صامتة بأن الحياة قادرة على شق طريقها وسط الركام. وتقول شومر "كل طفل يولد في غزة هو رسالة بأن هذا الشعب متمسك بالحياة رغم كل الصعاب."

صور ساخنة