مسجد البازار الدولي في أورومتشي |
في شرقي القارة الأوراسية، بالركن الشمالي الغربي للصين تحتل منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم سُدس مساحة الدولة الصينية. كان طريق الحرير البري يقطع شينجانغ من أقصاها إلى أقصاها، مما جعلها همزة وصل هامة بين الشرق والغرب. قبل أكثر من ألفي سنة كان الصينيون يسمونها شييوي (المنطقة الغربية)، وفي زمن أسرتي مينغ وتشينغ(1368 – 1911م)، تحول الاسم إلى هويجيانغ (أرض هوي)، وقبل مائة سنة تقريبا أخذت اسم "شينجيانغ".
تؤكد وقائع التاريخ أن الإسلام دخل شينجيانغ مع وصول التجار المسلمين إليها، عندما راجت التجارة بين الصين وبلاد العرب في فترة أسرتي سوي وتانغ (581 – 907م). وقد جاء إلى الصين تجار مسلمون في أيام النبي محمد عليه الصلاة والسلام، إما عبر "طريق الحرير" البري الذي كان يصل إلى شينجيانغ ويمر بممالك شوله ويويتيان وقويتسي وقاوتشانغ حتى مدينة تشانغآن (شيآن الحالية) عاصمة الصين آنذاك، وإما عبر "طريق الحرير" البحري إلى مدينة قوانغتشو. لذا فإن أقدم مسجدين في الصين هما جامع هواجيوهشيانغ في شيآن ومسجد هوايشنغ (الحنين إلى النبي) في قوانغتشو. والأرجح أن الإسلام دخل شينجيانغ الصينية في ذلك الوقت، مع وصول تجار مسلمين إلى شينجيانغ وبقائهم فيها لمدة قصيرة أو طويلة، ولكن لا توجد كتابات تاريخية تثبت ذلك. وقد أشار كاتب عربي في القرن العاشر الميلادي إلى وجود عدد كبير من المسلمين في مملكة قاوتشانغ الويغورية التي يحكمها ملك يدين بالمانوية.
ارتبط دخول الإسلام إلى شينجيانغ باسم الملك ساتوك بوقرا خان لمملكة كاراخان، الذي مازال ضريحه قائما في آتوشهي (أرتوكس). ولكن حقيقة وجود "طريق الحرير" قبل مملكة كاراخان، ترجح أن الإسلام وصل إلى شينجيانغ قبل أن يهدي الله الملك بوقرا خان إلى الإسلام في مطلع القرن العاشر الميلادي. وبحلول القرن السادس عشر الميلادي، كان نور الإسلام يضيء معظم أرجاء منطقة شينجيانغ بفضل جهود الحكام المسلمين الذين تعاقبوا عليها.
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حظيت الحقوق المصالح والنشاطات الدينية الطبيعية لمسلمي شينجيانغ بالاحترام الكامل والضمان الكافي في ظل سياسة حرية العقيدة الدينية والدستور والقوانين المعنية للدولة. وقد حرص الجمُ الغفير من رجال الدين الإسلامي وجموع المسلمين في شينجيانغ، المحبون لوطنهم ودينهم، على صون التضامن بين القوميات والوحدة الوطنية، وساهموا بحكمتهم وقوتهم في بناء شينجيانغ وجعلها تتمتع بالاستقرار والازدهار.
المساجد
في قلب مدينة أورومتشي، حاضرة منطقة شينجيانغ، عدة مساجد أعيد بناؤها في السنوات الأخيرة، مثل مسجد تانغهانغ ذي المئذنة العالية، ومسجد شنشي الكبير المسقوف بالقراميد المزججة، ومسجد هان - تنغر. وفي الطريق إلى كاشغر وهوتان في جنوبي شينجيانغ، تتراءى لك المساجد على جانبي الطريق بين حين وآخر. وفي كل قرية بجنوبي شينجيانغ مسجد واحد على الأقل، مع وجود جامع كبير لصلاة الجمعة لكل عدة قرى. يبلغ عدد المساجد في شينجيانغ أكثر من 23900 مسجد، بمتوسط مسجد واحد لكل أربعمائة مسلم تقريبا، من بينها أكثر من ثمانية آلاف جامع كبير مناسب لأداء صلاة الجمعة، مثل الجامع الكبير في مدينة هوتان الذي أعيد بناؤه قبل فترة بتمويل حكومي، واحتفظ بالنمط الأصلي لعمارته. تنتشر في أنحاء شينجيانغ ما يسمى جوامع "عيد كاه" التي يقصدها المسلمون في الأعياد والمناسبات الدينية، حيث يتجمعون في ساحات أمامها يرقصون ويغنون بعد صلاة عيد الأضحى وعيد الفطر. وقد قامت حكومة مدينة كاشغر قبل عدة سنوات بإدخال تعديلات وتحسينات على ساحة جامع عيد كاه فصارت أكثر جمالا وروعة. كل المساجد في منطقة شينجيانغ مسجلة لدى الدوائر الحكومية المعنية ومحمية من قبل الدولة. وكل منها لديه ترخيص الانتفاع بالأرض وإجازة تملك العقار، ومن ثم فإن أملاكها تحت حماية القانون.
قدمت الحكومة الصينية المركزية وحكومة منطقة شينجيانغ الدعم المالي لترميم بعض المساجد الرئيسية أو ذات الأهمية الكبيرة نسبيا، فقد رصدت الحكومة المركزية 6ر7 ملايين يوان عام 1999 لترميم مسجد يانغهانغ في أورومتشي ومسجد بيت الله في مدينة يينينغ والجامع الكبير في مدينة هوتان.
المذاهب الدينية
يعيش في منطقة شينجيانغ أكثر من 11 مليون فرد ينتمون لعشر قوميات يعتنقون الإسلام، وهي تحديدا، الويغور والقازاق وهوي والقرغيز والطاجيك والأوزبك والتتار ودونغشيانغ وسالار وباوآن. معظم مسلمي شينجيانغ من أهل السنة، شأن الغالبية العظمى من مسلمي الصين، وهم يتبعون المذهب الحنفي، وإن كان القرغيز والأوزبك والتتار يتبعون ما يُسمي بالمذهب القديم، بينما يتبع المسلمون من قومية الطاجيك المذهب الشيعي للأئمة السبعة، ويتبع قليل من الويغور مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية. وينتشر بين المسلمين من قوميات هوي ودونغشيانغ وسالار وباوآن المذهب القديم ومذهب الإخوان رئيسيا، بالإضافة إلى طوائف الخفية والجهرية والقادرية. وكان للمذهب الصوفي أثر كبير على المسلمين في تاريخ شينجيانغ، لكن اتباعه الآن قليلون جدا. حاليا يتعايش مسملمو شينجيانغ من مختلف القوميات ومختلف المذاهب الإسلامية في وئام، كما يتعايش المسلمون وغير المسلمين معا في وفاق أيضا.
الشؤون الدينية
أنشئت الجمعية الإسلامية لمنطقة شينجيانغ الذاتية الحكم في عام 1958، وبعد تطبيق انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، تأسست قرابة 80 جمعية إسلامية على المستوي الإقليمي مثل الولاية والمدينة والمحافظة في كل أنحاء المنطقة. تعمل هذه المؤسسات الإسلامية على مساعدة الحكومات المحلية في تنفيذ سياسة حرية العقيدة الدينية، وإقامة مسابقات ترتيل القرآن ومسابقات الوعظ، وتأليف ونشر ((مجموعة المواعظ الجديدة))، وتنظيم رحلة الحج، وافتتاح المدارس الدينية الخ.
تقام المسابقة الوطنية لترتيل القرآن والمسابقة الوطنية لخطابة الوعظ تحت رعاية الجمعية الإسلامية الصينية مرة كل سنتين منذ سنة 1995. وقد احتل المتسابقون من منطقة شينجيانغ المراكز الأولى في هذه المسابقات عدة مرات. في المسابقة الوطنية الخامسة لخطابة الوعظ عام 2004، حصل 14 متسابقا من شينجيانغ على جوائز المركز الأول والثاني والثالث. وفي المسابقة الوطنية الخامسة لترتيل القرآن سنة 2005 حصل متسابق ومتسابقة من شينجيانغ على المركزين الأولي فكل من مجموعة الرجال والنساء.
بعثت الجمعية الإسلامية لمنطقة شينجيانغ الذاتية الحكم منذ عام 1988 أكثر من 20 رجل دين إلى المغرب وإيران والعراق والسعودية ومصر وباكستان والإمارات العربية المتحدة، للمشاركة في مسابقات ترتيل القرآن، ففازوا بجوائز من الدرجة الثالثة وجوائز تشجيعية. وفي سنة 1995، شارك خمسة علماء مسلمين من شينجيانغ في مؤتمرات إسلامية أقيمت في المغرب ومصر، وجدير بالذكر أن العالم الويغوري ماماتي سيلاي (محمد صالح) أدرج في قائمة "العشرة علماء مسلمين البارزين في العالم" في المؤتمر الإسلامي الدولي لتجديد الفكر الإسلامي بمصر.
في منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم، يلقى الخطيب أو الإمام في كل مسجد كبير خطبة الجمعة، ولهذا أقامت الجمعية الإسلامية الصينية الدورة الأولى للمسابقة الوطنية لخطابة الوعظ في بكين سنة 1996، ثم واصلت إقامتها مرة كل سنتين لتشجيع الأئمة على الخطابة وإلقاء المواعظ بما يتناسب مع تقدم العصر. وقد شارك كثير من الأئمة من منطقة شينجيانغ في كل هذه المسابقات وحققوا نتائج جيدة. في عام 1999 أصدرت الجمعية الإسلامية الصينية كتاب ((مجموعة المواعظ الجديدة)) باللغة الصينية، وأصدرت الجمعية الإسلامية لمنطقة شينجيانغ ((مختارات من المواعظ)) باللغتين الصينية والويغورية ووزعتها على كل الولايات التابعة للمنطقة ليستخدمها رجال الدين. في عام 2001، أنشأت الجمعية الإسلامية الصينية لجنة الإرشاد الإسلامية الصينية، ونال عضويتها خمسة أئمة نابهين من شينجيانغ. وتولت اللجنة أعمال تأليف وإصدار ((مجموعة المواعظ الجديدة)) ((المجلد الأول والمجلد الثاني)) باللغة الويغورية واللغة الصينية في عام 2001 وعام 2003، وأرسلتها إلى رجال الدين والمساجد المختلفة في عموم البلاد. ووقد طبع من هذا الكتاب 120 ألف نسخة منها مائة ألف نسخة باللغة الويغورية و20 ألف نسخة باللغة الصينية، وزعت على رجال الدين في منطقة شينجيانغ مما رفع مستواهم في الوعظ.
تمكنت الجمعيات الإسلامية في كل أنحاء منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم من تعميم أفكار الإسلام الداعية إلى السلام والتسامح والوحدة والتعاون وعدم التعصب والمساواة واحترام المعرفة وتشجيع الدراسة، ودعوة المسلمين إلى عمل الخير وخدمة المجتمع وحب الوطن والدين والسعي وراء السعادة في الدنيا والآخرة، وبر الوالدين واحترام النساء وذلك عن طريق الشرح الصحيح لأمهات الكتب الإسلامية في مواعظ الأئمة. ولم تتوقف هذه الجمعيات عند هذا الحد بل ركزت جهودها على الإيضاح الصحيح لفكر "الجهاد" الإسلامي حتى لا يُساء فهمه، ودحض ما تنشره العناصر الدينية المتطرفة من الأباطيل الكاذبة المتنوعة حول "الجهاد". وقد أتاح ذلك لجموع غفيرة من المسلمين أن يعرفوا حقائق العناصر المتطرفة التي تشوه الإسلام وتسيء إليه. وبهذا الأسلوب أمكن تقليص مجال نشاطات قوى التطرف الدينية والمساهمة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.
رجال الدين
بعد تأسيس الصين الجديدة في عام 1949، حظي الأئمة باحترام وعناية من الحكومة. وفي المناسبات والأعياد الهامة، يحرص قادة الحزب والحكومة على مختلف المستويات، على الذهاب إلى رجال الدين في المساجد والبيوت، محملين بالهدايا، لتهنئتهم وتجاذب أطراف الحديث معهم ومع جموع المسلمين وتناول الطعام معهم. ويحصل بعض الأئمة على معونات معيشية من الحكومة. وجدير بالذكر هنا أن الرفيق وانغ له تشيوان، أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني لمنطقة شينجيانغ الذاتية الحكم، يولي اهتماما خاصا بحياة رجال الدين، وقد اقترح مؤخرا زيادة المعونة المعيشية للأئمة. وقد قررت حكومة المنطقة الذاتية الحكم توسيع نطاق منح هذه المعونة لرجال الدين.
المكانة السياسية
لا تقتصر مهمة كثير من رجال الدين على تيسير الشؤون الدينية لعامة المسلمين فحسب، بل يشاركون أيضا في تسيير شؤون الدولة، كمناقشة تقرير أعمال الحكومة وانتخاب الهيئة القيادية، في مجالس نواب الشعب المحلية على مختلف المستويات، كما يشاركون بحماسة في النشاطات السياسة ويبدون آرائهم حول القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والقومية والدينية في إطار المؤتمرات الاستشارية السياسية المحلية على مختلف المستويات. حاليا، يوجد 1731 شخصا من الأوساط الإسلامية من منطقة شينجيانغ يتقلدون مناصب في مجالس نواب الشعب والمؤتمرات الاستشارية السياسية على المستوى الوطني المحلي، منهم نائب في اللجنة الوطنية لنواب الشعب، وثلاثة أعضاء في المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، و24 نائبا في مجلس نواب الشعب على مستوى المنطقة و25 عضوا في المؤتمر الاستشاري السياسي للمنطقة الذاتية الحكم، و59 نائبا في مجالس نواب الشعب على مستوى الولاية والمدينة و93 عضوا في المؤتمرات الاستشارية السياسية على مستوى الولاية والمدينة، و459 نائبا في مجالس نواب الشعب على مستوى المحافظة والبلدة و1069 عضوا في المؤتمرات الاستشارية السياسية على مستوى المحافظة والبلدة. وهم جميعا يتمتعون بكافة الضمانات لممارسة حقوقهم في المشاركة في شؤون الدولة السياسية بوصفهم ممثلين للأوساط الدينية. كما أن ما يسمى بفيالق الإنتاج والبناء في منطقة شينجيانغ لها 40 من رجال الدين أعضاء في مجالس نواب الشعب على المستويين الوطني والمحلي والمؤتمرات الاستشارية السياسية على المستويين الوطني والمحلي والمنظمات الدينية في شينجيانغ، منهم 2 على المستوى الوطني، و9 على مستوى منطقة الحكم الذاتي، و7 على مستوى الولاية، و21 على مستوى المحافظة والمدينة، وواحد على مستوى الناحية. من المعروف أن أبناء الأقليات العرقية والدينية ليس لهم تمثيل في العديد من برلمانات دول العالم. الأمر في الصين يختلف، حيث يمثل عدد كبير من الشخصيات الدينية المواطنين أصحاب العقائد الدينية، ويشاركون في وضع السياسة ومناقشتها وتقديم الآراء والاقتراحات حول شؤون الدولة، ويراقبون عمل الحكومة في تطبيق سياسة حرية العقيدة الدينية. هذه ميزة بارزة للنظام السياسي الصيني، ويستفيد منها أبناء الأقليات القومية وأتباع الأديان المختلفة استفادة كبيرة. في السنوات الأخيرة، قدم بعض رجال الدين الإسلامي في جلسات المجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني اقتراحات طالبوا فيها بزيادة عدد أفراد بعثات الحج الصينية الرسمية، فتحركت الحكومة ونسقت مع الجمعية الإسلامية الصينية وزادت تدريجيا عدد أفراد بعثات الحج التي تنظمها الجمعية الإسلامية الصينية تدريجيا، مع الأخذ بعين الاعتبار التنمية الاقتصادية المستمرة في مناطق المسلمين وازدياد عدد المسلمين القادرين على أداء فريضة الحج. لذلك ارتفع عدد الحجاج الصينيين من حوالي 2000 شخص في عام 2003 إلى ما يزيد على 8000 شخص في عام 2006.(الصين اليوم)
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn