بالنسبة للأشخاص المهتمين باتجاه الاقتصاد الصيني في العقد المقبل، لا يمكن تجاهل الإشارة القوية لتعميق إصلاح الهيكلة الاقتصادية التي أصدرها المؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني.
شهدت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تباطؤ النمو الاقتصادي في سبعة فصول متتالية. لكن الحزب الحاكم في الصين يظهر المزيد من الصبر أمام التباطؤ الاقتصادي ، فضلا عن الفهم الواضح للمشاكل عميقة الجذور في التنمية الاقتصادية وكذلك الإرادة الثابتة للتغلب على الصعوبات في إعادة الهيكلة الاقتصادية .
أوضح تقرير هو جين تاو في المؤتمر أن التعميق الشامل لإصلاح الهيكلة الاقتصادية هو أول بند للبناء الاقتصادي في المستقبل، مضيفا بأن تعميق الإصلاح هو المفتاح لتعجيل تحويل نمط النمو الاقتصادي.
مقارنة بالمؤتمر الوطني الـ17 للحزب الشيوعي الصيني، احتل المحتوى المتعلق بإصلاح الهيكلة الاقتصادية أهمية أكبر في التقرير الرئيسي.
قال جون سودورث، مراسل من هيئة الإذاعة البريطانية, إن قيادة الحزب الشيوعي الصيني قد اعترفت بأن عصر النمو مزدوج الرقم للاقتصاد الصيني قد ذهب بلا رجعة، اذ ان نمط التنمية الاقتصادية الماضي غير مستدام، " وتناقش القيادة تحويل نمط التنمية الاقتصادية ، ليعتمد النمو بصورة أكبر على الاستهلاك المحلي."
أشار لويس كويجس، اقتصادي من البنك الملكي الاسكتلندي ، إلى أنه من غير المرجح أن تنفذ الصين تدابير التحفيز الاقتصادي على نطاق واسع بعد المؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني، وترجع احد الأسباب إلى أن الحزب يظهر تسامحا أكبر مع تباطؤ النمو الاقتصادي .
"قد تضع القيادة الجديدة خطة إصلاح أكثر طموحا وشمولا في إعادة التوازن الاقتصادي وتعديل الهيكل الاقتصادي والتمدين الشامل،" قال لويس كويجس.
في ظل الأوضاع الدولية والمحلية الحالية، يعد تعميق إصلاح الهيكلة الاقتصادية أكثر إلحاحا بالنسبة للصين.
وقال ليو بي لين، باحث من مركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني، إن البيئة الاقتصادية الدولية قد تغيرت بشكل ملحوظ بعد الأزمة المالية, حيث أجريت إصلاحات هيكلية في البلدان المتقدمة، ما قد يؤدي إلى ثورة تكنولوجية جديدة. وفي الوقت نفسه، تواجه البشرية تغيرات المناخ وتعديل الهيكل الاقتصادي العالمي والعولمة وغيرها من التحديات الأخرى . الأمر الذي يتطلب تعميقا شاملا لإصلاح الهيكلة الاقتصادية في الصين.
محليا، وفقا للإحصاءات الرسمية الصينية، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للصين من 1135 دولارا أمريكيا في عام 2002 إلى 5432 دولارا أمريكيا في عام 2011، ما يعني أن الصين قد دخلت مرحلة تنموية من السهل أن تقع فيها البلاد في "فخ الدخل المتوسط"، حسبما وصف البنك الدولي. إذا لم تتمكن الصين من إيجاد حل فعال للتناقضات المتراكمة في عملية نمو الاقتصاد السريع وتحويل نمط النمو الاقتصادي وإيجاد محرك للنمو الجديد، سيقع الاقتصاد الصيني في الركود على المدى الطويل.
وقال لويس كويجس انه يجب على البلدان في نفس المرحلة التنموية أن تولي اهتماما أكبر حتى تتجنب الوقوع في "فخ الدخل المتوسط" وذلك عن طريق تعميق الإصلاح .
الجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي الصيني، وهو حزب حاكم في دولة تمر بمرحلة انتقالية، ظل يحمل لواء الإصلاح على مدى السنوات الـ 30 الماضية، لإعادة النظر بشكل مستمر وتعديل العلاقات بين الحكومة والسوق.
منذ المؤتمر الوطني الـ 16 للحزب الشيوعي الصيني، تقدمت إصلاحات الهيكلة الاقتصادية الصينية خطوات كبيرة في تسريع عملية إظهار دور السوق، حيث حققت الصين نتائج كبيرة في إعادة هيكلة البنوك الأربعة المملوكة للدولة، وإصلاح آلية تسعير المنتجات القائمة على الموارد، وإصلاح نظام سعر الصرف، بالإضافة إلى "كسر الجليد" لسوق سعر الفائدة في هذا العام.
وفي الوقت نفسه، حققت الحكومة تقدما كبيرا في سعيها وراء توسيع نسبة التغطية للتعليم المجاني وتعزيز الخدمات الصحية وتأمين التقاعد في المناطق الحضرية والريفية، وغيرها من مجالات الخدمات العامة.
وأشار التقرير للمؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني إلى أن القضية الأساسية لإصلاح الهيكلة الاقتصادية هي التعامل بشكل صحيح مع العلاقة بين الحكومة والسوق، اذ يجب أن تكون أكثر احتراما لقوانين السوق، لتلعب الحكومة دورا أفضل.
قال لويس كويجس إن التحديد بصورة أوضح لدور الحكومة والسوق هو جزء مهم في إصلاح الهيكلة الاقتصادية في الصين، لأنه كلما طال الوقت الذي يستغرقه ذلك، يواجه الإصلاح صعوبات أكبر.
وفي رأيه، لتجنب الوقوع في "فخ الدخل المتوسط"، يجب زيادة الإنتاجية وتشجيع الابتكار ورفع مستوى الصناعة ، بالإضافة إلى منع أصحاب المصالح الخاصة من فرض نفوذ غير ملائم على الحكومة والسياسات.
قال شوي منغ جيا، مندوب للمؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني وسكرتير الحزب لمدينة ياآن، إن الأسلوب الصحيح لمعالجة العلاقة بين الحكومة والسوق يتمثل في أن يلعب السوق دوره، حيث تحتاج الحكومة إلى القيام بتصحيح أوجه القصور في آلية السوق وعدم التدخل أكثر من اللازم .
"كان توزيع الموارد يعتمد على السلطة في عصر الاقتصاد المخطط، وهذا من السهل جدا أن يولد الفساد، والآن يجب أن يلعب السوق دورا أساسيا في توزيع الموارد. وفي مدينة ياآن، تم تحقيق المزاد والعطاء لكل الموارد مثل الأراضي والمعادن والمياه والكهرباء وغيرها ." قال شوي منغ جيا.
وقال جيانغ سي شيان، مندوب المؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني وسكرتير الحزب لمدينة سانيا، "إن التقرير يبرز الدور الأساسي للسوق في توزيع الموارد مرة أخرى، وأنا موافق على ذلك."
أشار جيانغ إلى أنه في السنوات الأخيرة حلت الصين بعض المشاكل التي من الصعب أن تحلها بعض الدول الرأسمالية الغربية، بفضل نظامها المتميز والتنسيق الحكومي، لكن أيضا تجدر الإشارة إلى أن التنسيق المفرط قد يترك بعض الأخطار الكامنة.
قال ليو بي لين إن التعامل مع العلاقة بين الحكومة والسوق ليس مشكلة فريدة من نوعها للصين، فقد حدثت الأزمة المالية العالمية بسبب فشل الدول المتقدمة في التعامل بشكل صحيح مع هذه العلاقة والتخفيف المفرط للتنظيمات المالية.
"التعامل مع مشكلة العلاقة بين الحكومة والسوق ليس أمرا بسيطا لإضعاف وظائف الحكومة وتعزيز أداء السوق، ولكنه إعادة تعريف بين الحكومة والسوق ليلعب السوق دورا أكبر أهمية في توزيع الموارد، بينما تبذل الحكومة جهودها في مجال الخدمات العامة الأساسية والرقابة على السوق والمجتمع." قال ليو بي لين.
/مصدر: شينخوا/
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn