بقلم تيان ون لين
صحيفة الشعب اليومية – الصادرة يوم 16 مايو عام 2013
يعد التغير العميق الحاصل في العالم العربي احد التغيرات الكبرى التي لم يكن لها سابق في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة . وبعد حركة التحرر القومي التي عمّت الشرق الأوسط خلال خمسينات وستينات القرن الماضي؛ و في نهاية سبعينات القرن الماضي شهد الشرق الأوسط ظهور موجة حركة النهضة الإسلامية. وبعد إندلاع هذه التغيرات العميقة في الشرق الأوسط، أطلق عليها الغرب تسمية "الربيع العربي"، لتعريف موجة الدمقرطة السياسية في الشرق الأوسط. لكن بعد مرور أكثر من سنتين على هذه التغيرات، لم ينجح الوضع في التحزحزح، بل أصبح أكثر كارثية، حيث تغير المزاج الشعبي من التفاؤل إلى اليأس. وتغير "الربيع العربي" إلى "الخريف العربي" أو ربما "الشتاء العربي".
قبل هذه التغيرات العميقة في الشرق الأوسط، كان جزء من الدول العربية يعيش أزمات داخلية، وبعد صدمة الأزمة المالية لسنة 2008، وصلت هذه الدول إلى حدود "عجز الحكام على الحكم وفقا لنمطهم القديم، كما أصبحت الشعوب غير قادرة على مواصلة العيش وفقا لنمطا القديم." ماجعل الثورة الشعبية اتجاه محتوم. لذلك، كان إنتحار شاب تونسي كافيا لإشعال هذه الثورة، التي نجم عنها إضطرابات سياسية كبيرة في كامل العالم العربي.
لكن المشكلة أن هذه الدول العربية بصدد مواجهة مصاعب بنيوية: حيث أدارت الطبقة الحاكمة ظهرها للشعوب، وتنامت التبعية الإقتصادية والدبلوماسية لأمريكا. وبدت مسيرة معالجة هذه المصاعب طويلة وبطيئة. والأهم من ذلك أن مرحلة التنمية السياسية لم تكن سهلة، وبدى أن الإطاحة بالنظام القديم لايعني تأسيس نظام جديد. في حين أن الدول العربية في الوقت الحالي قد إكتسبت شروط الإطاحة بالنظام، ومازال ينقصها قوة قيادية متقدمة لتأسيس نظام جديد.
فمصر وبقية الدول العربية التي كانت تمارس حكما إستبداديا طويل المدى، لم تكن بها معارضة بالمعنى الحديث، وحدث ولاحرج عن الأحزاب اليسارية الإشتراكية، في حين ضمن الإخوان المسلمون بقائهم تحت ستار الدين. لذلك، فإن التحول السياسي في عهد "مابعد الثورة" في هذه الدول يواجه مأزقين منذ البداية: حيث أن السير على طريق الديمقراطية، سيستفيد منه الإخوان المسلمون الذين يتميزون بقوة التنظيم ووضوح طرحهم الإيديولوجي، وهو ماسيجعل الدمقرطة تتحول إلى أسلمة: أما العودة إلى طريق النظام العسكري الإستبدادي، فسيجعل العسكر المقرب من نظام مبارك وحتى أمريكا هي أكبر الرابحين، لكن من الصعب أن يظهر زعيما ملهما مثل عبد الناصر.
هناك سوء فهم كبير داخل إتجاه التطور السياسي في الدول العربية التي تشهد تغيرات. حيث هناك رأي عام يرى بأن "الدمقرطة" هي الحل الوحيد للخروج من المأزق. في حين أن الديمقراطية ليست إلا إحدى آليات إختيار القيادة والعمل السياسي. فالتصويت على الطريقة الغربية يبدو عادلا ومنصفا، لكن في الحقيقة ان المنافسات الإنتخابية ليست إلا تداخلا بين المال والسلطة، والفائز دائما يكون من الذين لديهم السلطة والنفوذ أو الشهرة الإجتماعية، ومن المستحيل أن يمثل مصالح الطبقة التحتية أو الطبقة العاملة. والأمل في معالجة الصعوبات من خلال وسائل ديمقراطية، في الحقيقة ليس إلا إستعمالا لوسائل بسيطة لمعالجة مشاكل معقدة، وهذا يعد طلبا للمستحيل وتناقضا كليا. في ذات الوقت، وفي ظل ضعف الأسس المادية الكافية والثقافة السياسية، فإن الديمقراطية لن تؤدي إلا إلى النزاع الحزبي، و"الديمقراطية الضارة" الناجمعة عن فقدان هيبة الدولة. وبذلك فإن الدمقرطة ستدفع هذه الدول إلى فقدان منفعة "حكم الشعب"، وفقدان منفعة الأمن الناجمة عن هيبة النظام.
من جهة أخرى فإن ميزان القوى الدولية ليس في صالح تطور التغيرات في الشرق الأوسط إلى الأمام. فبعد نهاية الحرب الباردة، إنفرد الغرب بقيادة أمريكا في قيادة النظام الدولي، لكن خلال السنوات الأخيرة وفي ظل تراجع قدرات التأثير الشاملة للدول الغربية، ظلت أمريكا وغيرها من الدول القوى الخارجية الأكثر تأثيرا. وعند إعادة النظر في سياسات الدول الغربية في منطقة الشرق الأوسط، فإنه سواء بالنسبة لبريطانيا وفرنسا سابقا أو أمريكا حاليا، كان العامل المشترك هو منع ظهور دولة إقليمية كبرى تتحدى النظام الغربي، وإضعاف وضرب كل الحركات السياسية التي تهدف إلى الإستقلال والسيادة. وفي مواجهة التغيرات العميقة التي يشهدها العالم العربي ومايمكن أن ينجم عنها من موجات نهوض للأمة العربية، فإن الدول الغربية ستعمل ما في وسعها إلى إستدراج هذه التيارات إلى التبعية، مثل: السكوت عن التدخل العسكري السعودي والإماراتي في البحرين، وتقديم طُعم القروض لمصر وغيرها من الدول التي تشهد تغيرات، واجبارها على قبول الليبرالية الجديدة كعلاج، ثم التدخل في ليبيا وسوريا وغيرها من الدول المعادية للغرب، وإعلان دعمها الصريح لتغيير النظام. وداخل ميزان الربح والخسارة يعد المواطن العادي الضحية الأكبر.
1. حافظوا على القوانين، والانظمة المعنية التى وضعتها جمهورية الصين الشعبية، وحافظوا على الاخلاق على الانترنت، وتحملوا كافة المسؤوليات القانونية الناتجة عن تصرفاتكم بصورة مباشرة وغير مباشرة.
2. لصحيفة الشعب اليومية اونلاين كافة الحقوق فى ادارة الاسماء المستعارة والرسائل المتروكة.
3. لصحيفة الشعب اليومية اونلاين الحق فى نقل واقتباس الكلمات التى تدلون بها على لوحة الرسائل المتروكة لصحيفة الشعب اليومية اونلاين داخل موقعها الالكترونى.
4. تفضلوا بابلاغ arabic@peopledaily.com.cn آراءكم فى اعمالنا الادارية اذا لزم الامر.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn