صحيفة الشعب اليومية – الطبعة الخارجية- الصادرة يوم 4 يناير عام 2013- الصفحة رقم:01
بعد خلاف سقف الديون في عام 2011، توصل الحزبان المتنافسان في امريكا مرة أخرى وفي اللحظة الحاسمة إلى تنازل حول أزمة "الجرف المالي الأمريكي". وبعد أن قام الكونغرس بتمرير "مشروع تخفيض جباية الضرائب من الأمريكيين لعام 2012"، وقع الرئيس باراك أوبا على هذا المشروع، ماهدأ مؤقتا من مخاوف أسواق المال الدولية حيال مخاطر "الجرف المالي". لكن هذا الإتفاق كشف عن إزدواجية النظام الأمريكي والمشاكل الإقتصادية.
حصلت الإتفاقية على موافقة للتنفيذ على المدى القصير، وهو مايعكس النضج النسبي للمنظومة السياسية الأمريكية، ورغم الصراع المحتدم بين الطرفين، إلا أنه في النهاية بإمكانهما تحقيق توافق في المسائل الجوهرية. في حين عندما يحدث مثل هذا النزاع السياسي فى الدول والمناطق الآسيوية والامريكية اللاتينية والافريقية التي تمارس نظاما على النمط الأمريكي، من غير الأكيد أن تحقق الأطراف السياسية المتنافسة داخلها تنازلا متبادلا،بل هناك احتمالات كبيرة ان تقع الدولة برمتها فى الهاوية.
طبعا هذا الملف ترك بعض المشاكل التي لم تعالج بعد، وخاصة عدم معالجة مشكلة سقف الديون. حيث وصلت الحكومة الأمريكية رسميا إلى سقف الدين المحدد من الكونغرس بـ 16.4 تريليون دولار، غير أن "الإجراءات الإستثنائية" التي إتخذتها وزارة المالية الامريكية، هي التي حالت دون سقوط الحكومة في معضلة العجز عن سداد الديون. لكن إذا لم يرفع الكونغرس سقف الدين قبل موفى شهر فبراير وبداية شهر مارس، فإن "الإجراءات الإستثنائية" ستصل إلى طريق مسدود. ورغم أنه لامفر من أن يفتح الحزبين لعبة المساومة حول هذا الشأن، إلا أننا نثق أن الطرفين قادران على الوصول إلى توافق في هذه المرحلة.
لكن، إذا جمعنا مع ذلك بعض العوامل الأخرى، ونظرنا للأمر على المدى البعيد، فإن هذا الملف لايعني أن السياسة المالية الأمريكية قد وصلت إلى طريق المعالجة من الجذور. بالعكس، فمن المحتمل أن مرحلة جديدة من الحلقات المفراغة التي يتم فيها شرب السم لإرواء العطش. وبعد تجاوز "الجرف"، قد تكون يصل الأمر إلى "الهاوية".
لقد تجاوز مستوى الدين العام الأمريكي 100% من إجمالي قيمة الدين العام، حيث عملت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على "سداد الدين القديم بالجديد"، وهناك من يصف السياسة المالية الأمريكية على كونها "مخطط بونزي" على النمط الهرمي، وهناك وسائل إعلام أمريكية تجرأت على وصف ذلك بأنه إستعمال مخطط بونزي لنهب الفقراء.
رغم هذا الأثر الواضح لتآكل قوة الدولة، إلا أن أمريكا لم تتعرض لصدمة هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج كالتي شهدتها اليونان والبرتغال، بل أن رؤوس الأموال الدولية تستمر في الدخول إلى الولايات المتحدة. ومربط الفرس هنا هو أن أمريكا هي القوى العظمى الوحيدة في العالم، والهيمنة النقدية الأمريكية المبنية على الهيمنة السياسية والعسكرية. وبفضل هذه الهيمنة فقط، تستفيد أمريكا من منافع هروب رؤوس الأموال الدولية إلى "ملاذ" الدولار الأمريكي عند كل أزمة عالمية، مايمكن العم سام من رفع سقف الديون المرة تلو المرة، وزيادة إصدار كمية أوراق الدولار لإستبدالها بثروات أجنبية حقيقية.
وللمحافظة على هذه الهيمنة، لاتدخر أمريكا جهدا في المحافظة على نفقاتها العسكرية ذات الأرقام الفلكية. لذلك، فإنه بالتزامن مع التوصل إلى إتفاقية "الجرف المالي"، قام الرئيس أوباما بإمضاء مشروع نفقات مخصصة للأمن القومي تصل قيمتها 633 مليار دولار، وهو مايعكس بوضوح مرة أخرى هذا الخيار الأمريكي. غير أن الأرقام الفلكية للنفقات العسكرية لم تكن سببا في العجز والديون الأمريكية ذات الأرقام الخيالية فحسب، بل نظرا لكونها غير إنتاجية، فقد تسببت في إضافة أعباء لايمكن تحملها بالنسبة للإقتصاد الأمريكي.
بقطع النظر عن المخاطر التي تستنزف القوة الوطنية الأمريكية في الوقت الحالي، فإن التغير العميق الطارئ على البنية السكانية الأمريكية بصدد مضاعفة مخاطرها المنظوماتية. حيث تشهد البنية السكانية الإمريكية وستظل، تغيرات تاريخية كبرى، حيث سيشهد عدد البيض في المستقبل المنظور تراجعا غير مسبوق. وحين حدوث هذا التغير البنيوي المرتقب في البنية السكانية الأمريكية، فهل سيكون هناك طرفين سياسيين إثنين فقط حينما تواجه أمريكا مثل هكذا أزمات، وهل ستقوم الأطراف المتنافسة على الحكم بمثل هذه التنازلات، أم ستدخل مستنقع النزاعات الطائفية مثل مايحد في بعض دول العالم.
الإجابة القاسية التي يوفرها لنا التاريخ، هي أنه مهما أملت أمريكا في حماية الرب لها، فإنه لايمكنها الخروج على سنن التاريخ.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn