خبراء صينيون:الولايات المتحدة في "حيرة بالغة" بشأن توجيه ضربة عسكرية لسوريا

بقلم: شيماء خه وجميلة لين

بكين 4 سبتمبر 2013 /خلال فترة عطلة الكونغرس الأمريكي التي ستستمر حتى 8 سبتمبر الجاري، يبدو أن وتيرة الأنباء عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا بدأت تخفت قليلا ، ولكن أذهان الجميع انشغلت مجددا بالضربة المحتملة مع إطلاق صاروخين باليستيين من البحر المتوسط يوم الثلاثاء في إطار اختبار إسرائيلي أمريكي مشترك لنظام دفاع صاروخي.

وعلى هذا الصعيد، قال خبراء صينيون إن الولايات المتحدة تقع الآن في "حيرة بالغة"، نظرا للأضرار التي يمكن أن تلحقها عملية عسكرية كهذه ليس بوضع المنطقة فحسب، وإنما بالاقتصاد الأمريكي والعالمي.

-لا تراجع، فالأصابع الأمريكية على الزناد

قال ضابط سوري رفيع طلب عدم ذكر إسمه لصحفية ((غلوبال تايمز)) الصينية إن إسرائيل ترمي من خلال اختبار نظام الدفاع الصاروخي إلى تحقيق ثلاثة أهداف، أولا اظهار "عزمها العسكري" على القيام بعملية انتقامية ضد الأراضي السورية إذا ما شن الجيش النظامي السوري حربا عليها؛ ثانيا فرض "ضغط نفسي" على حكومة الأسد في ظل التعاون الوثيق بين الجيشين الإسرائيلي والأمريكي؛ ثالثا وأهمها "التحفيز على تشغيل رادارات نظام الدفاع الجوي" الخاصة بالجيش السوري والأسطول الروسي لرصد إشاراتها وضربها في حال ما إذا تم شن عمل عسكري ضد سوريا.

ورغم أن العملية العسكرية ضد سوريا ما زالت قيد المناقشة في الكونغرس الأمريكي وداخل فرنسا، إلا أن الغرب يعكف الآن على القيام باستعدادات للحرب فيما تعمل أجهزته الإعلامية على قدم وساق لشن حملة لحشد تأييد الرأى العام لهذه الحرب.

وفي هذا الصدد، قالت خه ون بينغ، الباحثة في مركز غرب آسيا وأفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إن الهدف الاستراتيجي الذي يضعه الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة نصب عينيه منذ وقت طويل هو اسقاط نظام الأسد ، وهو ما لم يتحقق خلال العامين ونصف الماضيين في ضوء قوة الحكومة وضعف المعارضة داخل سوريا. ولكن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في هذا البلد العربي والمزمع عقدها في 2014، وتراجع المعارضة في ميادين القتال وتزايد حدة المواجهة بين واشنطن وموسكو بسبب حادث سنودن، ركبت الولايات المتحدة عربة حربية ووضعت أصابعها على الزناد "دون تراجع".

وشاطرها الرأي هوا لي مينغ، الباحث الخاص بمعهد الصين للدراسات الدولية وسفير الصين السابق لدى إيران، مدللا على ذلك بتصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن "عدم اتخاذ إجراء عسكري سيكون له بالغ الأثر على مصداقية الولايات المتحدة".

وأضاف هوا أن الهدف النهائي لإدارة أوباما من شن عملية عسكرية ضد سوريا هو إيران، وشرح قائلا إن سوريا، حليفة إيران، هى الجسر الوحيد الذي يربط إيران بالعالم العربي، ويكمن هدف واشنطن من اسقاط نظام الأسد في إضعاف إيران.

--الولايات المتحدة في حيرة من أمرها

وبدوره، قال وانغ جينغ ليه، مدير مكتب الشرق الأوسط بمعهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، إن حزب البعث السوري الحاكم حزب علماني قوي يعمل على حفظ استقرار سوريا منذ وقت طويل، وإذا ما تم اسقاطه، سيتقدم التيار الإسلامي ، وبالتالي سيشهد الوضع السوري الداخلي اضطرابات كبيرة لن يكون في مقدور أحد تهدأتها خلال فترة قصيرة، مشيرا إلى أنه نظرا للموقع الاستراتيجي لسوريا في الشرق الأوسط، فإنه إذا ما اُسقط نظام الأسد ، سيزيد الوضع السوري الوضع العراقي اضطرابا.

ولفتت خه ون بينغ إلى إن النتيجة المترتبة على الضربة العسكري لسوريا ستكون "بالغة الخطورة". فإذا ما كانت الضربة موسعة، فسيكون انتقام سوريا شديدا، وسيصبح في مقدور الجيش السوري مد فتيل الحرب إلى حلفاء واشنطن في المنطقة مثل إسرائيل والأردن وتركيا، وستتلقى سوريا دعما من إيران وحزب الله اللبناني. ورغم قدرة الولايات المتحدة على شن هجوم بصواريخ بعيدة المدى، إلا أن الضباط والجنود الأمريكيين المرابطين في الأردن سيظلوا في مرمي الصواريخ السورية. علاوة على ذلك، فإن التيار المتطرف المتسلل إلى سوريا مثل تنظيم القاعدة سيزيد الوضع خطورة.

وأضافت قائلة "أما إذا وجهت الولايات المتحدة لسوريا ضربة محدودة، فلن يتسنى لها تحقيق هدفها الاستراتيجي وهو اسقاط نظام الأسد ، وأقصى ما ستجنيه من ورائها هو إيقاع عقوبة رمزية بسوريا تعطى إدارة أوباما "السلم" لتهبط منه بسلام بعدما أعلنت أن استخدام الكيماوي يمثل "خطا أحمر".

وهكذا، أصبحت كيفية توجيه ضربة لسوريا معضلة تواجه نظام أوباما.

-- تداعيات على اقتصاد آخذ في الانتعاش

ثمة أسباب اقتصادية توقع أوباما في حيرة من أمره بشأن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا. فمنذ أن أعلنت واشنطن عزمها توجيه هذه الضربة في أواخر الشهر الماضي، شهدت أسواق الأوراق المالية وسوق النفط الدولي تقلبات مستمرة.

ويرى المحللون الاقتصاديون الصينيون أن الضربة العسكرية الأمريكية المحتملة ضد سوريا ستحمل في طياتها تداعيات لن تطال الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل ستطال أيضا مسيرة الانتعاش الاقتصادي العالمي.

وقالت تشانغ يويه يان، مديرة مركز الدراسات السياسية والاقتصادية العالمية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، إن التأثير المباشر للضربة المحتملة سيكون زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري الأمريكي في وقت تجاوز فيه العجز المالي الأمريكي تريليون دولار لأربع سنوات متتالية وبدأ تطبيق خفض الإنفاق العسكري تلقائيا في أول مارس الماضي.

ومع أن أوباما أعرب مرارا عن ثقته في أن القوات الأمريكية ستؤدى مهمتها العسكرية بدقة كما لو كانت تجري "عملية جراحية" تنتهى في وقت قصير و"دون تكرار سيناريوهات العراق وأفغانستان"، إلا أن الخبيرة تشانغ ترى أن هناك احتمال في أن تتورط القوات الأمريكية في معارك مستمرة في سوريا، مضيفة أن نظام أوباما "سيكابد صعوبات التكاليف الباهظة التي ستتحملها ميزانية دولته".

ويدل التاريخ على أن التداعيات الاقتصادية السيئة الناتجة عن الحرب لا تقتصر على الدول التى تخوض غمارها فحسب، بل تتوسع لتشمل الاقتصاد العالمي بأسره وخاصة في زمن العولمة الحديث، وخير دليل على ذلك انخفاض "مؤشر داو" يوم 29 أغسطس بواقع 1.14% بعدما سلم أوباما طلب التفويض إلى مجلس الشيوخ، ما أدى إلى سلسلة انخفاضات في أسواق الأوراق المالية بأوروبا واليابان والفلبين وهونغ كونغ.

وأضافت تشانغ أن الحرب الجديدة في منطقة الشرق الأوسط ، التي تعد مخزن النفط للعالم، قد تدفع باتجاه تذبذب سعر النفط لتجد الدول المستوردة للنفط بما فيها الولايات المتحدة نفسها أمام ضغوط اقتصادية هائلة، محذرة من أن نشوب حرب جديدة في المنطقة سيعرقل انتعاش الاقتصاد العالمي وسيلحق الضرر بزخم نمو الاقتصادات الناشئة.

/مصدر: شينخوا/