تعليق: لماذا تحولت أوكرانيا إلى صراع دولي؟

بعد أن أفضت نتيجة الإستفتاء في القرم إلى إنضمام هذه الأخيرة إلى روسيا، برزت خلال الآونة الأخيرة سلسة من الإضطرابات في عدة مدن شرقي أوكرانيا، حيث لجأت القوى المقربة من روسيا إلى التظاهر في الشوارع، في محاولة لإتباع طريق القرم.

ووصفت الحكومة الأوكرانية المؤقتة الوضع بكونه "إرهاب"، واتهمت روسيا بالوقوف ورائه، وأعلنت عن إطلاق "تحرك لمحاربة الإرهاب"؛ في ذات السياق، إتهمت أمريكا وأوروبا روسيا بتحريك الوضع في شرق أوكرانيا، وحذرت روسيا من مغبة إستعمال القوة العسكرية مرة أخرى، وإلا فإنها ستواجه عقوبات جديدة؛ في حين عارضت روسيا الإتهامات الأمريكية والأوروبية، وطالبت أوكرانيا بعدم إستعمال العنف تجاه المتظاهرين.

وبالنظر من مواقف مختلف الأطراف حيال الأزمة الأوكرانية، يبدو الوضع في شرق أوكرانيا في إتجاه السيناريو القرمي.

اعتمدت الحكومة الأوكرانية المؤقتة على التظاهرات المعارضة، لكن ذلك أدى إلى مزيد من الإضطرابات، وتغذية النزعة الإنفصالية. وبذلك أصبحت الحكومة المؤقتة والمعارضة السبب الرئيسي وراء الإضطرابات والنزعة الإنفصالية في أوكرانيا. والوضع في الحقيقة لا يبدو بهذه البساطة. فمنذ إنهيار الإتحاد السوفياتي، وإستقلال أوكرانيا، لم تتوقف الصراعات السياسية والنزاعات الداخلية في أوكرانيا، وظلت الدولة تترنح بين القوى الحليفة لأمريكا وأوروبا من جهة والقوى الحليفة لروسيا من جهة أخرى. وإلى جانب إغتنام القوى الخارجية الوضع للتدخل، بادرت الأحزاب الرئيسية في أوكرانيا أيضا إلى طلب المساعدة الخارجية. وعند بروز أزمة القرم، لجأت الحكومة الأوكرانية المؤقتة لطلب المساعدة من أمريكا وأوروبا، لكنها إكتشفت لاحقا بأن أمريكا وأروبا لا تملكان القدرة والرغبة الكافيتان لمعاقبة روسيا.

أما بالنسبة لروسيا، فقد إتخذت من حماية حقوق الطائفة الروسية في أوكرانيا، ذريعة للتدخل بعمق وقوة في أوكرانيا، لكن ذلك يعود في الحقيقة إلى إدراكها الأهمية الجيوإستراتيجية الكبيرة لأوكرانيا.

بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، إتبعت روسيا سياسة مهادنة للغرب، وظنت أن تنفيذ النظام الديمقراطي سيجعلها تحصل على شهادة قبول من الغرب، لكن النتيجة كانت إستمرار توسع أمريكا وأوروبا في شرق أوروبا من خلال حلف الناتو والإتحاد الأوروبي، والمضي قدما في محاصرة المجال الروسي، وبدت روسيا دولة لا يمكنا إلا أن تكون دبا قطبيا محبوسا داخل قفص، وهذا هو الهدف الإستراتيجي لأمريكا وأوروبا. وقد تفطن يلتسين إلى ذلك في آخر فترة حكمه، وجاء بوتين بعده ليعيد بناء حلم الدولة الروسية العظمى، ومن خلال تحركاته في الشيشان وكرواتيا، وطريقة تعامله مع الغرب، نجح بوتين تدريجيا في أن يصنع لنفسة صورة "الرجل القوي". وإذا سلّمنا بأن روسيا ترى في إيران وسوريا مصالح الحزام الإستراتيجي، فإنها قد رأت في الأزمة الكرواتية والاوكرانية على كونهما تهديدا للمجال الإستراتيجي الضامن للبقاء، وهذا المجال على علاقة مباشرة مع المصالح الإستراتيجية المركزية. من جهة أخرى، كان التدخل الأمريكي الأوروبي في أوكرانيا في ما يسمى بالتغييرات "الملونة"، ومن قبل تدخلها في يوغسلافيا، ودعمها لإستفتاء كوسوفو، والتدخل في العراق وليبيا، ودعهما المعارضة في سوريا، كان هذه المرة حجة في يد روسيا ضد الغرب الذي إنتقد تدخلها في أوكرانيا، وإعتبار ذلك مثالا على التعامل الغربي بـ "إزدواجية المعايير" مع الشؤون الدولية.

تمارس كل من أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى تدخلا في الشأن الأوكراني، لكن في ظل التدخل الروسي القوي، يجد الغرب نفسه مضطرا إلى القيام برد فعل قوي، لكن ذلك قد يثير ردا قويا من روسيا أيضا. وفي ظل تكالب "القوى الإستعمارية"، تجد أوكرانيا نفسها غير قادرة على الحسم في شؤونها بنفسها، متحملة ألم فقدان القرام لوحدها.

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/