بقلم محمد الأمين النحاس
تعد مصر والصين من الدول التي لها ميراث حضاري ضارب في عمق التاريخ، وما من شك أن هناك تفاعلات نشأت بين الجانبين منذ قرون. أما في في العصور الحديثة خلال القرن العشرين فإن علاقة الصين مع مصر يُنظر إليها باعتبارها واحدة من أقدم العلاقات الدولية الصينية بحسبان أنها نشأت قبل أكثر من 58 عاماً.
والجدير بالإشارة في هذا المقام أن مصر وبحكم الانتماء الجغرافي تعتبر ضمن مجموعة الدول الأفريقية، أما من ناحية الانتماء الثقافي فتعتبر ضمن الدول العربية، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول الأخرى كالسودان والمغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا.
ولذلك فإن مصر وبحسب تقسيم وزارة الخارجية والوزارات الصينية الأخرى التي لها تبادلات ومصالح مع الدول العالم، تُصنف على أساس الانتمائين العروبي والأفريقي سواء بشكل مباشر في الإطار الثنائي أو غير مباشر في الإطار الجماعي متعدد الأطراف من خلال جامعة الدول العربية أو الاتحاد الأفريقي، وعلى هذا الأساس فإن لمصر أكثر من رابط يعزز علاقاتها ويمد جسور التواصل مع دولة الصين.
والشواهد الدالة على أهمية العلاقات الصينية المصرية كثيرة جداً، حيث أن لكل دولة منهما مميزات جاذبة تشجع على تطوير هذه العلاقات حتى ترقى لمرتبة العلاقات الاستراتيجية.
ونجد أن أهمية هذه العلاقة بالنسبة للصين تأتي من أن مصر تمثل قوة ذات تأثير سياسي كبير في منطقة الشرق الأوسط وفي محيطها الأفريقي أيضاً، وكذلك تتمتع مصر بموقع هام من الناحية الجيواستراتيجية فهي تقع شمال شرق أفريقيا، وتمتد آسيوياً من خلال شبه جزيرة سيناء، ويحدها من ناحية الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن ناحية الشرق يحدها البحر الأحمر ويحدها في الشمال الشرقي فلسطين المحتلة وقطاع غزة، كما يحدها من ناحية الجنوب دولة السودان ويحدها من الغرب ليبيا، وقد مكن هذا الوضع الجيوبوليتيكي الفريد دولة مصر من أن تلعب دوراً استراتيجياً في حفظ موازين القوى وتشكيل السياسات الإقليمية والتأثير في السياسة الدولية المتصلة بالمنطقة، وفضلاً عن ذلك فإن منافذها البحرية والبرية جعلتها ذات أهمية في انسياب التبادلات سواء القادمة إليها مباشرة أو التي تمر عبرها للدول الأخرى وهو ما يقود إلى تعزيز مكانتها التجارية. وبالإضافة إلى ذلك فمصر دولة ذات ثقل سكاني كبير بالمقارنة مع الدول الأخرى في محيطها الإقليمي (حوالي 90 مليون نسمة)، وهذا الأمر يجعلها دولة جاذبة من الناحية التجارية والاقتصادية وذلك على أساس كبر حجم الاستهلاك.
وفيما يتعلق بأهمية هذه العلاقة بالنسبة لدولة مصر نجد أن الصين التي تمتلك عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي ومن خلال ما يعرف في الأدب السياسي بظاهرة الصعود الصينى، أصبحت دولة الصين ضلعاً هاماً فى النظام الدولى من الناحية الاقتصادية والسياسية والعسكرية وذلك بفضل ما حققته من معدلات تنمية ظلت تتزايد بوتيرة سريعة منذ انتهاجها لسياسة الانفتاح والاصلاح التي طبقتها في العام 1978 والتي بفضلها صارت ثاني أكبر اقتصاد عالمي خلف الولايات المتحدة، فقد تخطت الاقتصاد الياباني في 2010، ومنذ ذلك الحين تسجل الصين معدلات نمو سنوي تصل نسبته من 7 إلى 9%. ومن بين الانجازات التي أسهمت في جعل الصين قوة مؤثرة نجاحها وبدرجة كبيرة في الاستفادة من حجم سكانها الذي يعد الأكبر على مستوى العالم (1,350 مليار نسمة) وهو ما حفز اقتصادها من خلال ضخامة الاستهلاك الناتج عن ضخامة حجم السكان، وهذا بدوره قاد إلى زيادة الانتاج المحلي الذي عزز النمو الاقتصادي. والأرقام تشير إلى أن الصين تمثل اليوم أكبر دولة تجارية وأكبر مُصدر وتأتي في المرتبة الثانية من حيث حجم السلع والبضائع المستوردة على مستوى العالم.
الجدير بالذكر أن هناك العديد من العناصر التي تزيد من أهمية الصين بالنسبة لمصر خاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تسعى فيها العديد من القوى الغربية لفرض سياساتها وتسعى لتكريس قيمها والركض خلف مصالحها الوطنية حتى ولو على حساب غيرها من الدول الأقل منها، وهذا الأمر يحتم على الدول التي تسعى لحماية قيمها الوطنية واستقالالها السياسي أن تسعى لتقوية علاقاتها مع دول أخرى ولا تظل تدور في فلك مجموعة من الدول لها نفس التوجهات، وذلك حتى لا تكون عرضة للمزايدات والمساومة أو الانصياع للهيمنة في سبيل كسب رضاء تلك القوى.
ومن المهم الإشارة إلى أن الصين حريصة جداً على فتح آفاق التعاون ليس مع مصر لوحدها بل حتى مع جميع الدول العربية، والشاهد في ذلك وعلى سبيل المثال خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي ألقاه في 5 يونيو 2014 في فاتحة أعمال الدورة السادسة للإجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني، فقد أكد أن بلاده تسعى إلى تحقيق تنمية مشتركة من خلال زيادة حجم التبادلات وقال إن الفرصة متاحة للدول العربية للإستفادة من الفرص المتوقعة والتي ستنشأ جراء اتجاه الصين في الخمس سنوات القادمة لاستهلاك سلع وبضائع بقيمة إجمالية تصل إلى 10 تريليون دولار.
وذكر أن الصين سيتوفر لديها أكثرمن 500 مليار دولار للاستثمار المباشر. وهذا يعني أن هناك امكانية لزيادة التعاون أمام مصر وحتى بقية الدول العربية الأخرى، لتستفيد من هذه الفرص لترفع قدراتها الاقتصادية وتزيد فرص التوظيف لدفع عمليات التنمية.
وبجانب الترحيب الصيني برفع حجم التبادل مع دول المنطقة العربية، تأتي مسألة حسن نوايا الصين كعنصر يشجع على زيادة حجم التبادل معها دون توجسات أو مخاوف أو شكوك في نواياها، حيث تمثل الصين شريكاً سياسياً ذا مصداقية ومحل ثقة يؤكدها سلوكها السياسي الذي تؤطره مبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتحقيق المنافع المتبادلة وعدم وضع إشتراطات سياسية مسبقة للتبادل وتقديم المساعدات والقروض.
ومن العناصر المشجعة للاتجاه نحو تعزيز التعاون مع الصين، تأتي مسألة موقفها المعروف والمعلن والذي يدعم المطالب العربية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ومساندتها لحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لحدود العام 1967، ومن المعروف أن الحقوق الفلسطينية تمثل قضية مفصلية بالنسبة للدول العربية.
آفاق التعاون والبحث عن المصالح:
يقوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية للصين يوم الإثنين 23 ديسمبر سيلتقي خلالها بالرئيس الصيني شي جين بينغ وكبار المسؤولين، إضافة إلى كبار المستثمرين والشركات، وذلك لمعرفة احتياجاتهم وتوفير الظروف المناسبة لتدفق الاستثمارات الصينية نحو مصر.
وتأتي أهمية زيارة الرئيس السيسي أمن نها تجئء عقب بداية هدوء الأوضاع في مصر التي تأثرت بالاحتقانات السياسية في الفترة الماضية منذ انطلاق الثورة الشعبية الداعية لرحيل الرئيس حسني مبارك في 25 يناير 2011، وقد تأثرت الأوضاع الاقتصادية خلال الثلاث سنوات الماضية بصورة سلبية تتجلى في العديد من المظاهر، من ذلك تراجع عائدات قطاع السياحة وزيادة نسبة البطالة ونسبة الفقر وزيادة نسبة التضخم.
إن ما يدعو للتفاؤل وبحسب ما ذكرته مصادر صحفية مصرية أن الزيارة ستركز على الجوانب الاقتصادية وتعزيز التبادل الاستثماري، وأكدت تلك المصادر أن وفد المقدمة الذي يضم وزراء الصناعة والتجارة والكهرباء والطاقة والنقل والتعاون الدولي إنخرط في التباحث مع المسؤولين الصينيين لتجهيز وإعداد الملفات التي ستركز عليها الزيارة ووضع مسودة الاتفاقات التي سيناقشها الرئيس المصري خلال زيارته.
وأشار السفير المصري بالصين إلى أن تنفيذ مشروع محور قناة السويس سيكون له النصيب الأكبر في المباحثات لاستقطاب الشركات الصينية، التي وبحسب قوله تعتبر من أكبر مستخدمي القناة.
إن التحدي الكبير أمام متخذي القرار في مصر خلال هذه المرحلة السعي لتضييق الفجوة في ميزان التبادل الذي يرجح كفة الصين وبفارق كبير. وفي هذا الصدد يقول الممثل التجاري بالسفارة الصينية بالقاهرة السيد هان بينغ، إن الميزان التجاري بين مصر والصين يعاني من خلل كبير يتمثل في زيادة نسبة الصادرات الصينية للأسواق المصرية في مقابل تراجع الصادرات المصرية إلى الصين.
لكن السيد بينغ بدى متفائلاً من أن مصر سوف تشهد انطلاقة اقتصادية في المرحلة القادمة من خلال البدء في المشاريع الكبرى والهامة ومنها مشروع تطوير محور قناة السويس ومشاريع الطاقة الجديدة والمتجددة. وأشار إلى أن الحكومة الصينية تعمل على زيادة التبادل التجاري مع مصر وأنها تشجع التجار المصريين والصينيين على زيادة حجم الصادرات إلى الصين.
هذا وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين في العام 2013 حوالي 10.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل خلال عام 2014 إلى 11 مليار دولار.
إن المتابع للشؤون السياسية في الصين يلاحظ أن زيارة الرئيس السيسي للصين تحظى بإهتمام بالغ على مختلف المستويات، وهذا الزعم تسنده التغطية الإعلامية الصينية الواسعة لهذه الزيارة.
وفي السياق يشير السفير الصينى بالقاهرة السيد سونج أيقوة إلى أن الصين ومصر يمكنهما إقامة مشاريع تفيد البلدين فى مجالات الكهرباء والسكك الحديدة والعلوم والمسائل اللوجستية، وهذا يعنى التركيز فى مجال الطاقة، والتعاون فى مشاريع البني التحتية والاقتصاد والاستمثار، والتعاون فى المجالات الحيوية مثل الطاقة النووية وعلوم الفضاء والتكنولوجيا.
وأضاف أن زيارة الرئيس السيسى خير دليل على عمق الصداقة بين البلدين. وشدد السيد أيقوة على ضرورة دفع العلاقات المصرية الصينية للأمام وتحقيق التكامل والتلاحم بين البلدين فى الفترة المقبلة.
وبالمقابل فإن مصر تولي هذه الزيارة أهمية مقدرة وعلى أعلى المستويات، فنجد أن الرئيس السيسي يقول إن زيارته المرتقبة إلى الصين تستهدف تطوير وتكثيف التعاون القائم بين البلدين، وستركز على الجوانب الاقتصادية والاستثمارية، وسيتم خلال الزيارة إطلاع الجانب الصيني على مجالات الاستثمار والفرص المتاحة في مصر.
وأكد الرئيس السيسي أن العلاقات الثنائية بين البلدين قوية ومستقرة منذ عهود طويلة، وأن الشعب المصري يكن تقديراً واحتراماً للشعب الصيني العظيم الذي نجح في تحقيق إنجازات اقتصادية ضخمة خلال فترة زمنية وجيزة.
وأبان أن هناك العديد من الفرص الاستثمارية في مصر مثل المشروعات التنموية ومشروع تطوير محور قناة السويس ومشاريع الطاقة والغزل والنسيج والحديد والصلب ومدينة التجارة العالمية وغيرها.
إن عملية تبادل المنافع تعد من الأهداف المشروعة في علاقات الدول مع بعضها البعض، لكن لابد أن تؤطرها مبادئ أخلاقية تنبع من قيم الشعوب. الشاهد أن العلاقات الدولية الصينية تسير وفق عدد من المبادئ الموجهة التي تعرف بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي. وهي كفيلة بتحقيق المصالح الصينية الوطنية دون تجاهل حق الآخرين في تحقيق مصالحهم. وعلى هذا الأساس من الممكن أن تكون العلاقات الصينية المصرية نموذجاً تسترشد به الدول العربية والأفريقية وهي تسعى لتحقيق التنمية في مختلف جوانبها وتطوير مجتمعاتها.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn