تعليق: ما هو الهدف من مشاركة الصين في الاستعراض العسكري بالساحة الحمراء الروسية ؟

سيشارك الرئيس الصيني شي جين بينغ في الاحتفالات لإحياء الذكرى السبعين للانتصار في الحرب العالمية ضد الفاشية، والتي تنظم فعالياتها في موسكو من 8 الى 10 مايو الجاري. وبهذه المناسبة ايضا، ستشارك فرقة عسكرية لجيش التحرير الشعبي الصيني تتضمن 121 جندي في عرض عسكري بالساحة الحمراء الروسية يوم 9 مايو الجاري، ويعتبر فريق العرض الصيني الاكبر من حيث العدد مقارنة مع الفرق العشرة الاجنبية الاخرى المشاركة، وذات اهتمام استثنائي.

وخارج العرض العسكري، ستجري الصين وروسيا في منتصف مايو الجاري، مناوراتٍ بحريةٍ مشتركة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وستكون هذه المرة الاولى التي تنقل فيها "سفينة ليني"،"و سفينة يفانغ " و"سفينة يشان" الصينية من خليج عدن للمشاركة في مناورات عسكرية في البحر الابيض المتوسط. وبالرغم من ان التدريبات قد تم الاتفاق عليها في وقت مبكر من نهاية العام الماضي، وأعلن الجيش الصيني بوضوح أن هذه المناورات البحرية المشتركة ليست موجهة ضدَّ أي بلدٍ ثالثٍ، كما ليست لها أي علاقةٍ بالوضع المتوتر في ذلك الإقليم.ومع ذلك، لا يزال الرأي العام الدولي ينشر تعليقات متنوعة، منها من يرى أن المناورات العسكرية الصينية الروسية المشتركة هي تعبير البلدين عن استيائهما الشديد من المناورات العسكرية المشتركة بين أمريكا وحلف الناتو في الفناء الخلفي للبحر الابيض المتوسط، وتنفيذ امريكا استراتيجية " اعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ"، ومطاردة البحرية الامريكية المفسدين في آسيا والمحيط الهادئ، مما يدل على قدرة روسيا على التعامل مع امريكا دوليا. وذكر في تعليق اخر،أن الممارسة تظهر التعامل الصيني والروسي معا مع التهديدات والتحديات الجديدة،والعزم الراسخ والإرادة في الحفاظ على الاستقرار الاقليمي،ويظهر للعالم مستوى الثقة المتبادلة والشراكة الاستراتيجية الثنائية والتعاون الاستراتيجي الجديد بين البلدين.كما رأى البعض ان اعلان امريكا واليابان في واشنطن عن توقيع اتفاق التعاون العسكري لمواجهة التهديدات الامنية في آسيا والمحيط الهادئ في الآونة الاخيرة، يمكن يكون وراء المناورات العسكرية التي سوف تجريها الصين وروسيا في البحر الابيض المتوسط. وعلى الرغم من صغر حجم هذه المناورات العسكرية، إلا أن مشاركة البحرية الصينية في مناورات عسكرية في مياه غير محلية يعني ان الصين سوف تخرج من المياه الساحلية الى العالم من خلال قواتها البحرية ، الخ.

ان مشاركة الصين في المناورات العسكرية في البحر الابيض المتوسط وفي عرض عسكري في الساحة الحمراء بروسيا تدل على ترقية العلاقات الصينية ـ الروسية مجددا. وقررت المصالح الصينية والروسية المشتركة في المجال السياسي والاقتصادي والأمني على أساس التعاون العميق بين البلدين. وقد جلبت " الحرب الباردة الجديدة" بين امريكا وروسيا فرصة تاريخية لتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا. وقال الرئيس الامريكي باراك اوباما ان روسيا وفيروس ايبولا وتنظيم " الدولة الاسلامية" ثلاث تهديدات جديدة للعالم. ومن جانبه، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الغرب باستخدام استراتجية حرب باردة جديدة لاحتواء روسيا.وقال رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف، أن حرب باردة جديدة وشيكة بين روسيا وامريكا.وبالرغم من عدم اعتراف الجانبين بأسباب نشوب حرب باردة جديدة ، إلا أن الوضع في اوكرانيا ادى الى فرض امريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات ضد عدد من المؤسسات المالية والطاقة والعسكرية الروسية التي لا يؤثر فقط على الساحة السياسية في اوراسيا وإنما يؤثر ايضا على اعادة بناء النظام العالمي. كما تواجه الصين تهديدات وضغوطات امريكية في ما يخص تنفيذ استراتيجية اعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ، وفي هذا السياق، فإن ترقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة وبشكل كبير بين البلدين، هو شيء طبيعي جدا.

تعتبر العلاقات الروسية ـ الصينية واحدة من أهم العلاقات على المستوى الدولي، ووصلت العلاقات بين البلدين الى مستوى عالي في عام 2014، حيث حققت قفزة تنموية كبرى، والتقى شي جين بينغ وبوتين خمس مرات، وتوصل البلدين الى توافق في الآراء بشأن سلسلة من الصفقات الكبرى: مشروع التعاون في الغاز الطبيعي بقيمة 400 مليار دولار، اتفاقية لتبادل العملات بين الصين وروسيا بقيمة 150 مليار، حجم التبادل التجاري بين البلدين سيتجاوز 100 مليار دولار في عام 2015. بالاضافة الى ذلك، يتعاون الجانبان في استخدام السلمية للطاقة النووية، وتصنيع الطائرات الكبيرة، والملاحة الفضائية، ورحلات الفضاء البشرية وغيرها من المجالات ذات التقنية العالية. ويمكن القول أن التعاون بين الصين وروسيا اللتان تعتبران القوى الكبرى في اوراسيا يفضي الى السلام والأمن في شمال شرق آسيا والعالم اجمع، ويمكن تمديد فترة فرصة الاستراتيجية الصينية، وأيضا تساعد على تشجيع على العمل معا لبناء "الحزام والطريق" .

ستشهد علاقات الصداقة بين الصين وروسيا تطورا كبيرا في شهر مايو الجاري، ولدينا اسباب خاصة وراء الثقة الكبيرة في وجود فضاء واسع من شأنه أن يساهم في تعزيز وتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا.