تعليق: لماذا هذا الفوز المفاجئ لحزب العدالة والتنمية في تركيا؟

بقلم/ تزن تاو ، استاذ مساعد في جامعة بكين

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا يوم 2 نوفمبر الجاري النتائج الانتخابية العامة للدورة البرلمانية الـ26، التي تعتبر واحدة من اكثر الانتخابات اهتماما في تاريخ الانتخابات في تركيا، حيث ان النتائج كانت ابعد من توقعات المراقبين، فبعد 5 أشهر دون برلمان في تركيا، يحصل حزب العدالة والتنمية في نهاية المطاف على نصف المقاعد ، ما يخول له تشكيل حكومة منفردا ودخول تركيا فترة من الاستقرار السياسي. ويتطلع الشعب التركي في الوقت الحاضر الى حكومة مستقرة تدفع بالتنمية الاقتصادية والسياسة الخارجية ، ومحاربة الارهاب.

وقبل ذلك، توقع معظم المحللين بما في ذلك كاتب هذا التعليق أن تكون نتائج الانتخابات لا تختلف كثيرا عن نتائج انتخابات يوم 7 يونيو. ومع ذلك، فإنه وفقا للاحصاءات غير الرسمية الحالية، فاز حزب العدالة والتنمية بـ49.47 في المائة من أصوات الناخبين، وحصل على 317 مقعدا من بين 550 مقعد في البرلمان، ومقارنة مع 258 مقعد في شهر يونيو ، فإن الزيادة ليست بسيطة.

لماذا هذا الفوز المفاجئ لحزب العدالة والتنمية في تركيا؟

إن الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية هي نفسها الأحزاب الأربعة المشاركة في انتخابات شهر يونيو. لكن الاختلاف يكمن في الانخفاض الكبير في عدد الأصوات التي فاز بها حزب الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، والتي تتجاوز 10% فقط، النسبة التي يحتاجها أي حزب سياسي حتى يحق له دخول البرلمان. و يمكن ان نرى من خلال التغيرات التي طرأت على هذه الأرقام، أن اصوات القوميين ذهبت الى حزب العدالة والتنمية. وينبغي القول ، أن العمليات العسكرية التي قامت بها الحكومة التركية المؤقتة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في شمالي سوريا قد تكون وراء تأييد العديد من القوميين.

تعتبر المسألة الكردية قضية دقيقة وحساسة في الشرق الاوسط. وقد اصبحت استراتيجية حزب الشعوب الديمقراطي التركي الموالي للأكراد ومقاتلي حزب العمال الكردستاني مختلفة بشكل متزايد وواضح، حيث تدعو الأولى الى السلام، والثانية الى الكفاح المسلح. وحاليا، اصبحت الهجمات المسلحة لحزب العمال الكردستاني المتكررة على نحو متزايد، وعملت الحكومة التركية بنشاط من اجل مكافحته على نحو متزايد ايضا.

من ناحية، فإن نوايا الحكومة التركية التي يشكلها حزب العدالة والتنمية الحسنة في محاربة النزعة الانفصالية الكردية والإرهاب اكسبه تأييد القوميين طبعا،و الحصول على اصوات أنصار حزب الحركة القومية، ما اضعف حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات. وقد اثبتت نتائج الانتخابات هذه النقطة ايضا.

اثرت العوامل المحلية والبيئية التي يشهدها الشرق الاوسط على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي غير المستقر في تركيا على مدى خمسة اشهر الماضية، حيث شهدت تركيا الركود الاقتصادي واللاجئين السوريين ، التدخل العسكري الروسي في سوريا ، هجمات ارهابية انقرة وهلم جرا، ما جعل الناس قلقين للغاية بشان مستقبل تركيا، وان الرغبة في تشكيل حكومة مستقرة هو التوافق العام في المجتمع.

حزب العدالة والتنمية باعتباره ممثلاً للإسلاميين المحافظين الذين يميلون الى الحداثة في الشرق الاوسط، فإن استعادته للسلطة في تركيا، سيشجع القوى الاسلامية الهامة في مصر وسوريا وشمال افريقيا،وسيستمر حزب العدالة والتنمية الحاكم دعمه لهذه القوى. ولن يفقد نموذج عقيدة أردوغانية في تركيا لجاذبيته.

ومن ناحية اخرى، فإن استقرار تركيا له تأثير ايجابي على منطقة الشرق الاوسط. وتلتزم حكومة حزب العدالة والتنمية بحل قضايا النمو الاقتصادي واللاجئين والارهاب. لكن ، حكومة حزب العدالة والتنمية لا يمكن ان تحل هذا الكم من القضايا والتركة الثقيلة على المدى القصير، ويتطلب المزيد من الاستراتيجيات وممارسات التكيف مع الاوضاع الاقليمية والبيئة الدولية، استراتيجيات القوى الكبرى ، الحظ وغيرها من العوامل المعقدة الاخرى.