بغداد 9 ديسمبر 2016 / تكتسب عملية استعادة الموصل والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي أهمية استراتيجية للحكومة العراقية لبسط سيادتها على كامل التراب الوطني، وتوحيد البلاد والقضاء على هذا التنظيم المتطرف الذي أصبح يهدد كل العالم.
لذلك يسعى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي جاهدا إلى تحقيق تعهده بأن يكون عام 2016 عام الانتصار النهائي وعام انهاء وجود التنظيم المتطرف على أرض العراق، وعام الهزيمة الكبرى والنهائية لهذا التنظيم.
وتعهد العبادي نهاية العام الماضي بتحرير الموصل كبرى مدن الشمال العراقي وطرد آخر عناصر التنظيم الارهابي من العراق خلال عام 2016 ، وايفاء بهذا التعهد أصدر العبادي أوامره للقوات العراقية لاستكمال استعادة تحرير مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار أكبرالمحافظات العراقية من حيث المساحة.
وبعد معارك عنيفة استمرت عدة أسابيع استعادت القوات العراقية مدينة الرمادي، والمناطق المحيطة بها، ومن ثم شنت في 23 مايو الماضي عملية عسكرية لاستعادة الفلوجة ثاني أكبر مدن الأنبار وبعد قتال عنيف استمر لأكثر من شهر رفعت القوات العراقية العلم فوق مباني الفلوجة لتعلن عودتها لأحضان الوطن.
وواصلت القوات العراقية عملياتها في محافظة الأنبار وتمكنت من استعادة مناطق وبلدات الخالدية والصقلاوية، ومن ثم جزيرة الخالدية وبلدات هيت وكبيسة والبغدادي وحيدثة والرطبة والعديد من القرى لتعود معظم محافظة الأنبار تحت سيطرة الحكومة.
وأعلن محافظ الأنبار صهيب الراوي قبل عدة أيام تحرير 85 بالمائة من المحافظة قائلا إن "القوات الأمنية تمكنت من تحرير 85 بالمائة من المحافظة، وتمكنت الحكومة المحلية من إعادة معظم ابناء الرمادي والفلوجة وهيت إلى منازلهم في مدة قصيرة".
وشهد عام 2016 تحقيق نجاحات للقوات العراقية في محافظة صلاح الدين، تمثلت بتحرير جزيرة سامراء الممتدة حدودها مع محافظة الأنبار، كما استعادت بلدة الصينية ومدينة الشرقاط أخر معقل للتنظيم الإرهابي بالمحافظة، واستعادت عدة قرى قريبة من قاعدة القيارة (50 كم) جنوب الموصل لتشكل نقطة مهمة لاستعادة الموصل.
وتعتبر الموصل، أحد مركزي الثقل للتنظيم الإرهابي، في العراق وسوريا، ومنها أعلن أبو بكر البغدادي ما يسمى بدولة الخلافة بعد السيطرة عليها مطلع يونيو 2014، فضلا عن احتلالها موقعا استراتيجيا مميزا فهي حلقة الوصل بين تركيا وسوريا والعراق.
وفي 17 من أكتوبر الماضي وخلال إعلانه انطلاق عملية تحرير الموصل قال العبادي " كما وعدناكم أن هذا العام، 2016 سيكون عام التحرير، نحن نوفي بهذا العهد الآن، وإنه واجبنا لتخليصكم من داعش وتحريركم من هذا الإرهاب وعودتكم جميعا إلى دياركم".
وشنت القوات العراقية المدعومة بطائرات التحالف الدولي ومشاركة قوات البيشمركة الكردية والحشد الشعبي عملياتها لاستعادة الموصل .
وبعد ثمانية أسابيع من القتال والتقدم تمكنت القوات العراقية والبيشمركة من استعادة أكثر من 300 منطقة وقرية وحي وبلدة ومدينة، من بينها أكثر من نصف أحياء الجانب الشرقي لمدينة الموصل، وهو مؤشر بأن العمليات العسكرية تسير بشكل جيد وأن المهمة ستنجز ويتحقق وعد رئيس الوزراء بالقضاء على التنظيم الارهابي.
لكن على أرض الواقع اختلفت الأمور بعض الشيء خاصة بعد دخول القوات العراقية للاحياء الشرقية للمدينة، فكثافة أعداد السكان، وعدم إمكانية إخلائهم لعدم توفر إمكانية لبناء مخيمات تكفيهم، جعل القوات العراقية تعيد بعض حساباتها كونها تقاتل عدو شرس، بوجود مدنيين في منازلهم.
وفي هذا الصدد قال ضابط برتبة عقيد بالجيش العراقي لوكالة أنباء (شينخوا) "إن قواتنا تخوض حرب شوارع في أحياء الموصل، وتنتقل من منزل إلى منزل، مع وجود المدنيين، الذين يشكلون العائق الأكبر أمام تقدم قواتنا، فمهمتنا هي تحرير الإنسان قبل الأرض، في حين أن التنظيم الإرهابي، يستخدم المدنيين كدروع بشرية".
وأوضح أن وجود المدنيين داخل الأحياء اثناء المعارك عقد مهمة القوات وجعلها أكثر صعوبة بحيث لا يمكن لها استخدام الاسلحة الثقيلة والمدافع والطائرات، مضيفا "لو لا وجود المدنيين وباعداد كبيرة اجتاحت قواتنا الاحياء ولاستعادتها في وقت قصير جدا".
وأشار العقيد إلى أن التنظيم الإرهابي يحتجز المدنيين ويستخدمهم كدروع بشرية، وفي بعض الأحيان يستخدمهم لاجبار القوات العراقية على وقف القتال عندما يسمح لهم بالمغادرة باتجاه القوات العراقية الأمر الذي يجبرالقوات على وقف القتال للسماح للمدنيين بالمرور بعد تفتيشهم والتأكد من هوياتهم، مبينا أن هذا الاجراء يحتاج إلى وقت ما يؤدي إلى تاخر القوات في عملياتها.
وأكد العقيد أن القوات العراقية حاليا تطوق الموصل من جميع الجهات وتمكنت من تحرير عشرت البلدات والقرى والمدن وأكثر من نصف أحياء الجانب الشرقي، ففي الجنوب باتت على مقربة من مطار الموصل ومعسكر الغزلاني، وفي الغرب استعادت مطار تلعفر وقطعت طرق الإمداد بين عناصر التنظيم داخل الموصل وسوريا، وفي الشمال باتت القوات على مشارف الأحياء السكنية بعد استعادة جميع القرى المحيطة بالموصل، .
من جانبه قال المحلل السياسي صباح الشيخ لـ (شينخوا) "مع دخول القوات العراقية للاحياء الشرقية المكتظة بالسكان، اضطرت هذه القوات إلى تغيير طرقها وأساليبها في عمليات تحرير الاحياء، لذلك تقوم بتحرير البيوت والشوارع واحدا بعد الأخر مع إبقاء الناس في منازلهم أو إخلاء بعضهم إلى الخلف حتى تكمل الحي وتتقدم إلى الحي الثاني لتعيد السكان إلى منازلهم".
وحسب البيانات الرسمية لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية فإن عدد النازحين من الموصل بلغ حتى الأن نحو 90 ألف نازح، يسكنون في مخيمات (الخازر ,وحسن شامي، غرب اربيل، والجدعة، ومدارس الحاج علي، والجدعة 2، والجدعة 3 في بلدة القيارة جنوب الموصل).
ووفقا لمسؤولي الوزارة فان لديهم القدرة على اغاثة 300 الف نازح فقط في حين أن الأمم المتحدة تتوقع نزوح أكثر من 700 الف شخص، وهذا سيؤدي إلى وقوع كارثة انسانية إذا لم يتعاون المجتمع الدولي والمنظمات الدولية مع العراق لانقاذ النازحين.
ويعيش سكان الأحياء المحررة حديثا في وضع إنساني مقلق، حيث لا تتوفر الخدمات وخاصة الماء والكهرباء، فضلا عن قلة المواد الغذائية ووقود التدفئة وعدم وجود مراكز صحية، بالاضافة إلى تعرض هذه الأحياء لقصف بقذائف الهاون من قبل التنظيم الإرهابي، لكن خطورة القصف تقل كلما تقدمت القوات العراقية باتجاه مركز المدينة.
وكان سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي قال خلال استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة "إن أوضاع النازحين خطيرة ومأساوية في ظل فصل الشتاء، في وقت ما تزال الامكانية الحكومية ضعيفة بسبب الأزمة المالية"، معربا عن قلقه من طول أمد معركة الموصل، لما لذلك من تأثير على حياة المدنيين وممتلكاتهم، وتدمير للبنى التحتية في المدينة.
ويتوقع الشيخ معارك ضارية غربي الموصل قائلا "إن المعركة الحقيقة ستكون في الجانب الغربي للموصل، حيث يتحصن التنظيم المتطرف في الاحياء القديمة للمدينة والتي لايمكن للآليات العسكرية الدخول إليها لضيق الطرقات، فضلا عن استخدام التنظيم الإرهابي للمدنيين كدروع بشرية وزراعته للعبوات الناسفة في الطرق الضيقة المؤدية إلى تلك الأحياء والأزقة، وحفره للانفاق، ما سيجعل المعارك تأخذ وقتا أطول مما هو مخطط له من قبل القوات العراقية".
وتابع الشيخ " أن المعارك تتعقد كلما تقدمت القوات العراقية داخل الاحياء السكنية، لأن الطيران الحربي لايمكن استخدامه بسبب وجود المدنيين وهذا ما دفع وزارة الدفاع العراقية لإجراء تعديلات على خططها العسكرية، حيث ستلجأ لاسلوب الانزالات الجوية لقوات خاصة مدربة ومزودة بقناصات واسلحة حديثة لارباك عناصر التنظيم الارهابي فضلا عن استخدام تكتيكات جديدة".
لا يمكن فصل السياسة عن أية عملية عسكرية حتى لو كانت بسيطة ومحدودة فكيف إذا تعلق الأمر بثاني مدينة عراقية من حيث الأهمية وعدد السكان فضلا عن امتلاكها مقومات اقتصادية كبيرة ووجود النفط فيها وتمتعها بموقع استراتيجي متميز.
وبهذا الشأن قال الشيخ " إن عملية استعادة الموصل تخضع للتوقيتات السياسية للاعبين الاساسيين، فهي لم تنطلق إلا بعد توافق سياسي بين السنة والحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان وبرعاية وضمانة أمريكية".
وأضاف الشيخ " كانت إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما تريد استعادة الموصل قبل انطلاق الانتخابات الأمريكية حتى تصب هذه العملية لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لكن الأن فان الإدارة المقبلة تسعى لتأخير استعادة المدينة إلى ما بعد استلام الرئيس الجديد دونالد ترامب منصبه في يناير المقبل".
وأوضح الشيخ أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر قبل عدة أيام عندما قال إن عملية استعادة الموصل ستكون صعبة إلا أنه من الممكن استكمالها قبل تنصيب الرئيس المنتخب ترامب، هي خير دليل على أن السياسية تلعب دورا كبيرا في توقيتات معارك الموصل.
وأفاد الشيخ بأن تنظيم داعش سيقضى عليه في العراق والمسألة مجرد وقت، لأن هذا التنظيم ارتكب ابشع الجرائم بحق العراقيين، ولم تعد هناك له حاضنة اجتماعية، داعيا الحكومة العراقية إلى فتح صفحة جديدة مع المحافظات السنية خاصة والعمل على تصحيح الأخطاء السابقة للحفاظ على وحدة البلاد، وبعكسه قد يذهب السنة إلى خيار الاقاليم ما يعني تقسيم البلاد.
وتوقع الشيخ زيادة أعداد القوات الأمريكية في العراق بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، مبينا أن تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين تؤكد ذلك بحجة منع تدفق المقاتلين الاجانب ومنعهم من إعادة التموضع والتشكيل من جديد بالعراق.
إلى ذلك قال المحلل السياسي ناظم علي الجبوري لـ (شينخوا) " إن المعارك مع تنظيم داعش الإرهابي هي معارك ذات أبعاد سياسية قبل أن تكون لها أبعادا عسكرية، فنرى أن بعض الدول تستفيد من التنظيم في الضغط على بعضها للحصول على مكاسب سياسية او تنازلات في بعض المواقف".
وأضاف " أن واشنطن استخدمت هذا التنظيم كسلاح فعال في إعادة ترتيب المنطقة حسب الرؤية الأمريكية، وها هي أغلب دول العالم تشارك في قتال الإرهاب وكأننا نخوض حربا عالمية ثالثة، الغاية منها إعادة تقسيم المنطقة لمائة عام مقبلة وحسب ما تقتضيه الأهداف المستقبلية الأمريكية".
وتابع الجبوري " بالنسبة لتركيا فإنها تشعر أن الموصل تشكل جزءا حيويا من أمنها القومي ولا يمكن أن تسمح لجهة خارجية منافسة أن تصل لحدودها، لذلك تعمل على جعل الموصل رأس حربة في وجه المشروع الكردي، لفصل أكراد سوريا عن أكراد العراق، ومنع تواصل حزب العمال الكردستاني المعارض لها مع أكراد العراق، خاصة أنه يمتلك شعبية واسعة داخل المجتمع الكردي في تركيا وله قواعد عسكرية وواجهات استثمارية في كل من سوريا والعراق.
وأكد الجبوري أن حكومة بغداد تريد استعادة الموصل لتكون في حاضنتها لكي تبعد النفوذ التركي من التوغل داخل العراق وكذلك لاستخدامها للضغط على الاكراد، فضلا عن كون المدينة تشكل موردا اقتصاديا هائلا للدولة العراقية إذا استغلتها بشكل مثالي.
وعن الدور الإيراني يقول الجبوري "إن إيران مارست الضغط على حليفها القوي (الحكومة العراقية)، لغرض بسط سيطرتها على المناطق الشمالية، وذلك للحد من النفوذ التركي القوي في تلك المناطق".
ومضى يقول "هناك اسباب تدفع إيران لهذا الفعل، منها التنافس الإيراني - التركي في دول المنطقة وخاصة الضغط الكبير الذي تقوم به تركيا على سوريا ودعمها للمعارضة السورية ضد حكومة بشار الاسد فهي تحاول أن تفتح جبهة لتركيا للحد من هذا الدعم واجبارها على الانسحاب من شمال سوريا أو على الاقل الخضوع للتسوية الايرانية في سوريا".
وأضاف " في الحقيقية إن الخلاف التركي - العراقي، تقف إيران خلفه وليس للعراق أية مصلحة في التصعيد مع تركيا لاسباب أمنية وسياسية واقتصادية لكن اللوبي الإيراني أقوى من التيار الوطني في العراق".
ويرى الجبوري "أن تحرير الموصل سيكون نقطة مفصلية في العراق بعد نهاية الحرب على داعش، وسيستعيد السنة توازنهم في المعادلة السياسية التي غابوا عنها منذ الاحتلال الامريكي عام 2003، كما ان مستقبل هذه المدينة سيلعب الدور الاكبر في ترتيب العلاقة وشكلها بين انقرة وبغداد واربيل".
أما الشيخ فيرى أن تحرير الموصل سيقود إلى أزمة بين الحكومة المركزية والاكراد، بشأن المناطق التي حررتها قوات البيشمركة الكردية، حيث يقول الأكراد وبشكل علني أنهم لن ينسحبوا من الأراضي التي حرروها بالدم.
وأشار إلى أن المبادرة التي اطلقها التحالف الشيعي لمرحلة ما بعد تنظيم داعش رفضها السنة فضلا عن عدم قبول بعض مكونات التحالف نفسه بها، الأمر الذي يعطي صورة ضبابية لمرحلة ما بعد تحرير الموصل.
وعن هذه المبادرة يقول أياد علاوي نائب الرئيس العراقي الذي يرفض هذه المبادرة "كونها لا تعكس حقيقة البلد ولا تقدم حلولا واقعية عدا عن أنها لاتمثل العديد من القوى السياسية وشرائح المجتمع العراقي، وتفتقر إلى التشخيص الموضوعي لطبيعة الأزمة السياسية" ، مشددا على أن المشاكل الراهنة ليست بين السنة والشيعة وانما بين النخب السياسية التي سيست المذاهب والاديان وعكست فرقتها وتنازعها على الشعب العراقي .
ويرى علاوي ضرورة تشكيل هيئة سياسية عليا ممثلة لكل الشرائح من ابناء الموصل لإدارة المدينة وتحقيق أمنها واستقرارها وإعادة النازحين بعد طرد تنظيم داعش منها وقيادة مرحلة انتقالية تمتد حتى إجراء انتخابات مجلس المحافظة والانتخابات النيابية.