تدمر ــ سوريا 5 مارس 2017 /" موسيقانا أقوى من رصاصهم " بهذه العبارة بدأ الشاب السوري عمار يونس قائد فرقة ((ميسان)) الموسيقية الذي وقف على مسرح مدينة تدمر الاثرية، الذي فجره تنظيم الدولة الإسلامية داعش بعد سيطرته على المدينة للمرة الثانية في ديسمبر الماضي.
وقال الشاب يونس البالغ من العمر (36 عاما)، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق التي زار فريقها مدينة تدمر الاثرية بعد ان استعاد الجيش السوري السيطرة عليها يوم (الخميس) الماضي، " وقفت وعزفت مع الفرقة السيمفونية أثناء إقامة الحفل الموسيقي الذي أقيم في مارس العام 2016، ونقل على الهواء مباشرة بحضور المقاتلين الروس، واليوم جئت مع فرقتي لأعزف نفس المعزوفة التي قدمتها في المرة الماضية لنقول إن عجلة الحياة لن تتوقف ".
وأضاف العازف السوري، وهو يحمل بيده آلة الكمان، ويقف على أحد الحجارة الكبيرة المنهارة على أرض المسرح بسبب التفجير الذي نفذه داعش بالمسرح الروماني " سنعزف ونغني اليوم لنوصل رسالة إلى العالم وللدول التي تدعم الإرهاب في بلادي، إن موسيقانا أقوى من رصاصهم، ومن أعمالهم الإرهابية "، مؤكدا أن هذا المسرح سيعود له الألق بالقريب العاجل، وسيقف على أرضه أهم الفرق الموسيقية والمغنيين العالميين.
وبعد ان عزف تلك المعزوفة الغربية قام أحد الضباط الروس بالصعود إلى المسرح وحيا هذا العازف بحرارة، كما صفق له بعض الجنود الروس الذي تزامن وجودهم في مسرح المدينة الاثري.
ولا حظ مراسل وكالة ((شينخوا)) بدمشق أن التيجان التي تشكل الواجهة الامامية للمسرح الروماني في مدينة تدمر سقطت على الأرض نتيجة التفجير الذي قام به مقاتلو تنظيم داعش وشكلت تلة صغيرة في أرض المسرح، إضافة لوجود بعض التصدعات في بعض الأعمدة الخلفية، دون سقوطها على الأرض، غير ان مدرج المسرح لم يلحق به أي أذى وبقي صامدا، وكذلك الأعمدة الكبيرة المحيطة بالمسرح لم يلحق بها أي اذى.
كما شوهدت آثار دماء على جدران المسرح، والتي تعود إلى تعليق بعض الرؤوس التي كانت تقطع من قبل مقاتلي داعش على هذا الجدار لبث الخوف والرعب في نفوس سكان المدينة التي خضعت لسيطرتهم في المرة الأولى في مارس 2015.
الدخول إلى هذا المكان يشعرك برهبة غريبة، ولا سيما وان هذا المكان كان فيما مضى، مقصدا سياحيا، وأقيم على مسرحه أهم الحفلات الموسيقية، وغنى عليه كبار المطربين، وكانت واحة جميلة، وعروسا في الصحراء، كما كان يطلق عليها.
وقالت غيداء النقري (28 عاما)، وهي رئيسة فرقة "شآم" في حمص، لـ((شينخوا)) بدمشق " اتينا لكي نبارك للجيش السوري بطرده للمرة الثانية هؤلاء الإرهابيين، من مدينة تدمر الاثرية، ونغني على هذا المسرح الذي أراد هؤلاء القتلى أن يجعلوه مكانا للقتل والإرهاب ".
وجلست غيداء على أحد التيجان المهدمة في أرض المسرح، وراحت تغني مع أعضاء فرقتها أغاني للمطربة اللبنانية فيروز، (راجعين ياهوى)، وقالت فيما بعد " جئنا كي نوصل رسالة بان الغناء والموسيقي هي لغة راقية نريدها ان تسود في هذه البلاد، وان تتوقف هذه الحرب وهذا الخراب وان يعم السلام ".
وأضافت تقول وعيناها اغرورقتا بالدموع " طبعا شيء محزن أن أرى واجهة هذا المسرح الروماني قد دمرت من قبل أعداء الفن والحضارة .. ولكن هذا المكان سيعاد له الألق قريبا " .
وبدوره، قال معن إبراهيم مدير ثقافة حمص ل((شينخوا)) بدمشق إن " ما حدث ليس قضية دمار حجر بقدر ما هو تدمير ارث حضاري في مدينة تدمر "، مؤكدا أن المسرح الروماني في مدينة تدمر الاثرية من أهم الاثار الموجودة بالإضافة إلى معبد ((بل)).
ولفت إبراهيم إلى أنه في الهجوم الأول تم تدمير معبد ((بل)) وفي الهجوم الثاني قاموا بتدمير المسرح وهذا دليل على ان الفكر المتطرف الذي يحمله هذا التنظيم ضد الحالات الحضارية والإنسانية، مؤكدا أن اليوم سنقوم بحصر الأضرار التي لحقت بالمدينة للبدء في ترميمها.
وأكد أن هؤلاء الشباب والشابات الذين جاؤوا إلى مسرح تدمر الاثري لعزف مجموعة من الالحان لايصال رسالة حضارية إلى العالم بقدرتنا على النهوض من جديد رغم الخراب والدمار.
وبدروه، قال طلال البرازي محافظ حمص لوكالة ((شينخوا)) بدمشق إن " تنظيم (داعش) يستهدف الاثار والحضارة الإنسانية، ودمر في الهجوم الثاني واجهة المسرح الروماني "، مؤكدا أن الاضرار التي لحقت بالمسرح الروماني هي "متوسطة" ويمكن العمل مع الجهات المعنية لإعادة الوضع إلى مكان عليه.
يشار إلى أن تنظيم داعش دمر، خلال سيطرته على تدمر سابقا، العديد من المعالم الأثرية بالمنطقة، حيث قام في شهر أغسطس من العام 2015 بتفجير المدافن التدمرية البرجية، ودمر أجزاء كبيرة من معبد ((بل)) الأثري الذى يعود إلى العام (32) الميلادي ومعبد ((بعل شمين)) داخل المدينة الأثرية، إضافة إلى تحطيم تمثال ((أسد اللات)) الشهير و 8 تماثيل وجدت في مدافن تدمرية.
وشددت منظمة "اليونيسكو"، أمس (السبت)، على أهمية حماية مدينة تدمر الاثرية، بعد انتزاعها من أيدي تنظيم داعش، معتبرة ان هذ القضية "تاريخية وتعد شرطا رئيسيا ليسود الأمن والسلام في البلد بأسره".
هذه الأغاني التي انشدت في المكان بددت الخوف والرعب اللذين سادا بالمكان قبل أشهر، وبثت حالة من الفرح والبهجة بالرغم من الخراب والدمار الذي لحق بالتحفة الفنية المسجلة على لائحة التراث العالمي.