لم تهدأ مشاعر الغضب في أمريكا حتى بعد إنقضاء أسبوع على إحتجاجات فيرجينيا. ما دعى القناة الإخبارية الألمانية تصف هذه الإحتجاجات بـ"حرب أهلية".
إشتعل فتيل الإحتجاجات بعد أن قررت مدينة تشارلوت فيل من ولاية فيرجينيا إزالة تمثال القائد العسكري للأقاليم الجنوبية في الحرب الأهلية الأمريكية روبرت لي. وهو ما أثار حفيظة أوساط يمينية تدافع عن فوقية العرق الأبيض. ونتج عن ذلك في 12 اغسطس مواجهات بين المحتجين اليمينيين وبين الحشود الليبيرالية. أدى إلى مقتل 3 أشخاص وجرح أكثر من 30 شخصا.
وقالت وكالة الأسوشييتد برس أن هذه الإحتجاجات تعد التجمع الأكبر للعنصريين البيض خلال الـ 10 سنوات الأخيرة. في حين وصفت صحيفة "فوكس" الألمانية الأحداث بـ"الأزمة الإجتماعية العميقة"، وقالت أن أحداث العنف قد جعلت العالم يرى أمريكا ممزمة. وأضافت بأن العنصرية في أمريكا لم تنته رغم الجهود التي بذلت خلال أكثر من 100 سنة.
من جهة أخرى، أسهمت المواقف السلبية لترامب من الإحتجاجات في تأجيج الإحتجاجات واخراجها عن السيطرة.
لماذا وصلت أمريكا إلى هذه الأزمة
"لماذا وصلنا إلى هذا المأزق؟" هكذا تسائل والي فيرجينيا، وأيقظ بتساؤله المجتمع الأمريكي.
"هذا لم يعد مجرد خلاف بين البيض والسود، بل إنفجار لتناقضات ناجمة عن زيادة عدد المهاجرين من حركة العولمة في سبعينات القرن الماضي." يقول الباحث بمعهد التنمية والدراسات الإستراتيجية بجامعة الشعب لي واي. ويرى أن هذه الإحتجاجات لاتعبر على صراع عرقي بقدرما تعبر عن مشاكل ناجمة عن الهجرة.
على مدى عشرات السنوات، لم تتوقف موجات الهجرة إلى أمريكا. حيث إرتفع عدد الأقليات العرقية بنسبة كبيرة. في حين تراجع عدد البيض بشكل ملحوظ، نتيجة لشيخوخة البيض وتراجع عدد ولاداتهم.
"من جهة، هناك بعض الأقليات العرقية التي لم تندمج في التيار الرئيسي للمجتمع الأمريكي. ومن جهة ثانية، أصبح البيض أقلية في عدد من المناطق"، يقول لي واي. ويضيف، مع تغير البنية العرقية للمجتمع الأمريكي، لم تعد السياسات والقيم الأمريكية قادرة على إستيعاب مختلف التناقضات العرقية.
تركت الأزمة المالية لعام 2008، آثارا كبيرة على الإقتصاد الأمريكي. حيث تضرر دخل الأمريكيين وجودة معيشتهم، مادفع بالمشاكل المتعلقة بالمهاجرين بالطفو إلى السطح يوما بعد يوم.
"لم تفلح أمريكا في معالجة الإحتقان العرقي، كما أن الميز العنصري ظل متغلغلا في اللاوعي." يقول الباحث في مركز الدراسات الأمريكية بالأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية يوان تشنغ. ويضيف يوان بأن الإحتجاجات الأخيرة قد كشفت عن وجود إنقسام كبير داخل المجتمع الأمريكي، لا يتغذى من الخلافات العرقية القديمة فحسب، بل من الصراع السياسي بين الجناح الليبيرالي والجناح المحافظ. "بالمقارنة مع المحافظين، يعتبر الجناح الليبيرالي أكثر دفاعا عن التسامح والإندماج والإنفتاح، في حين لايرغب المدافعين عن علوية الإنسان الإبيض في دخول مزيدا من المهاجرين إلى أمريكا، بل يدعون إلى مجتمع أمريكي يلعب فيه البيض الدور الرئيسي." ويشير يوان تشنغ إلى أن تمسك كل طرف بإرائه وعدم إستعداده للتنازل يصعب من مهمة تحقيق التوافق، وهوما يغذي مزيدا من الإنقسام داخل المجتمع الأمريكي.
في ذات الصدد، يرى بعض المحللين أن التدابير التي فرضها ترامب منذ توليه السلطة، مثل حظر السفر إلى أمريكا على بعض الدول، وبناء جدار حدودي وتغيير سياسات الهجرة وغيرها من الخطوات، قد جلعت مشكلة الإنقسام المجتمعي في أمريكا أكثر بروزا.
ربما هي قمة جبل الجليد
حذر موقع "نيويوركر" الأمريكي من أن تكون إحتجاجات فيرجينيا مقدمة لأحداث أكثر مأساوية في المستقبل. وأضاف بأن تدهور الوضع قد يجعل أي حركة إحتجاج أخرى تسهم في إنقسام إجتماعي أكبر.
"مواقف ترامب المتذبذبة وتصريحاته المثيرة للجدل التي تلت أحداث فيرجينيا، لم تكتفي بعدم معالجة الأحداث فحسب، بل على العكس أسهمت في تأجيجها"، يشير يوان تشنغ. ويضيف يوان بأن الفجوة الكبيرة داخل المجتمع الأمريكي، ثمثل في حد ذاتها مصدر إزعاج خطير. في حين لم يتحلّ ترامب بالشجاعة والحكمة اللازامتين لمعالجة هذه المشاكل . وفي الحقيقة ، يمكن القول أن إنتخاب ترامب يعد في حد ذاته تجسيدا للإنقسام المتنامي داخل المجتمع الأمريكي، كما غذى وصوله إلى السلطة الإنقسام داخل المجتمع الأمريكي.
لكن جرس الإنذار لايقرع لأمريكا فقط.
وتعليقا على أحداث فيرجينيا ، نبهت المستشارة الألمانية أنجيكلا ميركل إلى ضرورة إتخاذ التدابير اللازمة لكبح جماح التطرف اليميني. وأشارت إلى أن ألمانيا تحتاج إيضا لإتخاذ تدابير مماثلة أيضا. في ذات السياق، أدانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الأحداث التي شهدتها فيرجينيا.
أثارت موجات الهجرة الكبيرة إلى أوروبا خلال السنوات الأخيرة جملة من القضايا الإجتماعية. وأسهمت في بروز اليمين المتطرف، ليصبح قوة سياسية لايمكن تجاهلها. "أوروبا تواجه وضعا خطيرا هي الأخرى. ويمكن القول أن المشاكل العرقية في الوقت الحالي قد أصبحت تحاديا تواجهه مختلف المجتمعات الأوروبية "، يقول لي واي.
في ذات السياق، يشير يوان تشنغ إلى أن أوروبا قد شهدت من قبل أحداثا مماثلة للتي شهدتها فيرجينيا. ويرى "أن قضية تمكين المهاجرين الجدد من الإندماج في المجتمعات الغربية، ليصبحوا أفرادا فاعلين فيها، وليس مصدرا لتغذية القضايا العرقية، يحتاج إلى جهود حكومية مشتركة على المستويين الأوروبي والدولي."