وليدعبدالله
مع نهاية عام 2018، بدأ العالم العد التنازلي لدخول عصر الجيل الخامس من شبكات الاتصال (5G)، التي من المتوقع أن تطرح للاستخدام التجاري بدءا من عام 2019. ويقول الخبراء أن الـ 5G لا يمثل مجرّد تحديث للجيل السابق 4G، بل تعدّ ثورة كبيرة في مجال الاتصالات. حيث ستكون أسرع بـ 100 مرة من الجيل الرابع المستعمّل حاليا، ما سيضمن سرعة قياسية في رفع وتحميل البيانات من الإنترنت، مثلا سيكون متاحا للمستخدمين تحميل فيلم كامل خلال ثوانٍ معدودة. غير أن تأثير الـ 5G لن يتوقف عند هذا الحدّ، بل سيتجاوزه إلى الثورة الصناعية الرابعة، مثل القيادة الآلية للسيارات، والتحكم الذكي في الأجهزة الكهربائية والروبوتات الصناعية والزراعية وتكنولوجيا الواقع الافتراضي وغيرها. كما ستقلّل استعمال الكابلات إلى الحد الأدنى في إيصال الإنترنت اعتمادا على الأبراج.
بعد أن قادت أوروبا الجيل الثاني والثالث، والولايات المتحدة الأمريكية الجيل الرابع من صناعة شبكات الاتصال، تتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى الصين، التي يرشحها العديد من الخبراء إلى قيادة الثورة القادمة في مجال الاتصالات من خلال تقنية الـ 5G. في هذا الصدد، نقلت صحيفة "تشاينا ديلي" عن لي تشن، كبير المحلّلين بمؤسسة "سي سي آي دي" للاستشارات، المتمركزة بهونغ كونغ قوله بأن السلسلة الصناعية الصينية للجيل الخامس من شبكة الاتصالات قد أصبحت شبه مكتملة. كما صرّح لي هوي دي، نائب الرئيس المدير العام لشركة الاتصالات الصينية تشاينا موبايل الشهر الماضي، بأن الصين ستبدأ الاستخدام التجاري التجريبي لشبكة الـ 5جي في عام 2019، على أن تدخل مرحلة الاستخدام التجاري الشامل بحلول عام 2020.
بالتزامن مع تطوير الجيل الرابع للّحاق بالدول المتقدمة في هذه الصناعة، ركزت الشركات الصينية خلال السنوات الأخيرة جهودا كبيرة على تطوير الجيل الخامس5G وتحقيق السبق العالمي. حيث أدرجت الصين تقنية الـ 5G ضمن الأهداف الرئيسية لاستراتيجية "صنع في الصين 2025 " و"مخطط الخمسية الثالثة عشر". في هذا الصدد، قالت مجلّة فوربس أن شركات الاتصالات الصينية، ممثلة خاصة في هواوي وزي تي إي، قد باتت تمتلك البنية التحتية الأكثر تطورا في منشأت الهوائيات والمحطّات القاعدية، مايعطي الشركات الصينية أفضلية ملحوظة في السباق العالمي نحو عصر الـ5G. كما أشارت فوربس إلى أن الصين قد استثمرت 24 مليار دولار منذ عام 2015، لبناء 350 ألف محطة قاعدية، بينما أنشأت الولايات المتحدة 30 ألف قاعدة فقط، ما يمثل أكثر من 10 أضعاف الرقم الأمريكي. في نفس السياق، ذكر تقرير مؤسسة ديلويت للاستشارات في أغسطس من العام الجاري، بأن حجم الاستثمارات الصينية في سوق الـ 5G سيتجاو 1 تريليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة. وأن كلفة بناء المحطّات القاعدية لـ 5G في الصين تعد أقل بـ 35% من الكلفة في أمريكا، وهو مايجعل أمريكا مطالبة بإنفاق مايزيد عن ضعفي الإستثمارات الصينية لمواكبة التقدم الصيني في تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس. وأضاف تقرير ديلويت بأن سرعة تقدم الصين في تطوير الـ5G ، بات من الصعب مواكبتها.
من جهة أخرى، أشار تقرير لمؤسسة "أي أش أس" البريطانية للاستشارات، إلى أن الـ 5G ستخلق اقتصادا بحجم 12.3 تريليون دولار بحلول عام 2035. وهو ما يجعل الجيل الخامس من شبكات الاتصال مجالا شديد المنافسة بين الشركات الدولية للحصول على أكبر حصة من السوق العالمية، خاصة وأن الطرف الذي سيسبق أولا إلى هذه الصناعة، سيكون باستطاعته التأثير على قواعد اللعبة، والاستفادة بشكل أكبر من الزخم التتابعي للقيمة المضافة التي ستخلقها الـ 5G. على هذا الأساس، يرى محللّون بأن العقوبات التي تفرضها الحكومة الأمريكية ودول غربية أخرى على هواوي وزي تي إي، عملاقي صناعة تكنولوجيات الاتصال في الصين، يأتي في سياق السباق المحتدم بين عمالقة تكنلوجيا الاتصالات العالميين نحو ريادة تقنية الـ 5G. لذلك، يرجّح محللّون بأن تكون العقوبات الأمريكية محاولة لإبطاء سرعة "هواوي" و"زي تي إي" في امتلاك تقنية الـ 5G. بما يتيح للشركات الأمريكية الوقت والفرصة لتدارك الفوارق الكبيرة التي باتت تفصلها عن نظيراتها الصينية. لكن رغم ذلك، يرى الخبراء بأن التأثير السلبي للعقوبات الأمريكية يبقى محدودا، وأن الصين من المرجّح أن تكون قد وصلت إلى الأمتار الأخيرة للفوز بسباق الـ5G، الصناعة التي يعتبرها العديد من المحلّلين مفتاحا هاما لامتلاك الريادة التكنولوجية في القرن الواحد والعشرين.