عبد الكريم الجعدي في نزهة على الدراجة في ميدان تيان آن مون في عام 1980 |
د. فايزة كاب
18 ديسمبر 2018/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ أكد عبد الكريم الجعدي المستثمر الفلسطيني المقيم بالصين منذ 40 عاما أن سياسة الإصلاح والانفتاح أحدثت تغييرا جذريا على كافة الأصعدة في الصين، بما يضمن تحقيق حياة رغيدة مستقرة للشعب الصيني. حيث استطاعت الصين بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح قفز بالوضع الاقتصادي والمعيشي عدة مرات، وباتت معظم المدن الصينية خاصة الكبرى منها تشهد نموا سريعا، وأصبحت الفروقات بين المدن الكبرى شبه معدومة. وأن ما حققه الاقتصاد الصيني من المركز الثاني عالميا يصعب تجاهله.
قال عبد الكريم الجعدي الشاهد على عصر الإصلاح والانفتاح خلال اللقاء الصحفي الذي أجرى معه الموقع العربي لصحيفة الشعب اليومية أونلاين بمناسبة الذكرى الأربعين لتنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية هذا العام، انه من أوائل الطلبة العرب الذين جاءوا الى العاصمة الصينية بكين عام 1979 بهدف دراسة الادب الصيني وعلوم اللغة الصينية، وأنه لم تكن لديه أي خلفية عن الصين سوى بعض المقالات التي كان يقرأها هنا وهناك حول الصين ان ذاك، ووضع الصين بالنسبة له أن ذاك كان مبهما. مضيفا:" الحياة في بكين كانت بسيطة وفرق حضاري وعمراني بين بكين ودمشق التي جاء منها واضح في ذلك الوقت، ولم تكن المعالم الحضارية المدنية واضحة المعالم." وحول المدن الصينية الأخرى، قال:" كان صعب على الأجانب ان ذاك مغادرة بكين دون إذن من إدارة الامن العام الصيني، باستثناء المدن المفتوحة للأجانب هي بكين، تيانجين، شانغهاي، قوانغتشو."
رخصة للاستثمار الاجنبي عام 1993
واشار عبد الكريم الجعدي إلى أن الفترات الذهبية التي مرت بها الصين على مدى التاريخ مرتبطة بانفتاح الصين على العالم الخارجي ومحددة بثلاث: فترة عهد أسرة تانغ فترة ذروة للتطور الثقافي والاقتصادي في الصين، وفترة عهد أسرة مينغ، حيث بلغ اسطول البحارة الصيني تشينغ خه الى البلاد العربية الافريقية وعزز التواصل الثقافي والحضاري بين الصين وشعوب العالم. وفترة الإصلاح والانفتاح التي بلغت بالصين الى ثاني اقتصاد في العالم، ومجتمع رغيد الحياة، وهي الفكرة الاستراتيجية التي طرحها دنغ شياو بينغ مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات. مؤكدا أن عملية الإصلاح والانفتاح الناجحة لا رجعة عنها، وأن ما يعزز هذه السياسة هي مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، ودخول العصر الجديد.
وحول توجهه نحو التجارة والاستثمار في الصين، قال:" الحقيقة وجدت مع سياسة الانفتاح والإصلاح مع بداية 90 ان بوصلة الصينية التي وضع ركائزها دين شياو بينغ سياسة حكيمة، حيث تعتمد بشكل كبير على تحسين مستوى معيشة الفرد الصيني، ان كان فلاحا أو عاملا، وشاملة بدأت من الفلاحين وانتهت في المصانع الكبرى، وأن ما نشهده الان من تطور في وضع الفلاحين في الأرياف الصينية لا يستهان به، كما أن الوضع الاقتصادي الصيني بات نموذجا يحتذى به في العالم بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح اتبعها الحزب والدولة."
في مزارع البن في مقاطعة يونان جنوب غربي الصين
منوها الى أن بداية عمله في المجال التجاري شمل تجارة الحاسوب في الوقت الذي لم تعمم فيه شبكة الانترنت في الصين بعد، ليتحول بعد ذلك الى مستثمر في مجال صناعة البن) القهوة) دام22 سنة حتى اليوم. وحول فكرة الاستثمار في القهوة في "موطن الشاي"، قال:" لقد كانت مغامرة محسوبة، وكنت جازما بأن ثقافة القهوة ستلقى ترحيبا في الصين مع الانفتاح على العالم الخارجي. حيث أن الشاي ثقافة بريطانية مستوردة من الصين، وأن الاختلاط في الثقافات تشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن، لذلك كنت على يقين انه في يوم من الأيام صناعة القهوة ستجد مكانا في الصين، وبالطبع، حدث ما كنت اتوقعه."
علبة قهوة دارين من محمصة عبد الكريم الجعدي ــ دارين اسم جزيرة بالمملكة العربية السعودية
وقد رافقت مسيرة عبد الكريم الجعدي في مجال صناعة البن قصصا طريفة مستذكرًا عندما جاءه جاره الصيني يطلب القليل من البن ) القهوة ( حتى يستطيع إعادة نشاطه اليومي، حيث بات يشعر بنعاس وكسل منذ أيام. قال :" قدمت يوما نصف كيلو من البن لجار صيني لي لمساعدته على إعادة نشاطه اليومي، وبعد يومين عاد الجار الصيني ليشتكي من عدم النوم لمدة يومين متتاليين بسبب شربه للقهوة. وعندما سالته كم من فنجان شرب، قال انه شرب كل ما قدمته له ) نصف كيلو قهوة ( حضره في نصف لتر ماء ." مضيفا:" بعد 40 عاما خاصة المدن الكبرى، أصبحت القهوة أسلوب حياة وبالأخص عند الشباب ".
عبد الكريم الجعدي يتفقد عملية تحميص البن
ويرى عبد الكريم الجعدي أن تغيرات كبيرة طرأت على بيئة الأعمال في الصين خلال ال40 سنة، وأن الصين أصبحت من الدول المهمة جدا في العالم على مختلف الأصعدة، التجارية الصناعية الاقتصادية وغيرها، كما أن الاستثمارات تحولت بشكل خاص من الكمية الى نوعية، وأن استثمارات محددة تجد الترحيب في الأسواق الصينية. مضيفا، أن العملية الاقتصادية يجب ان تكون دائما على أساس المصالح المتبادلة بين عدة أطراف او طرفين. مؤكدا أن سوق الاستثمار الصيني قوي وواسع وذو تطلعات الى ما وراء البحار ويصعب للعالم تجاهله.
بيت عبد الكريم الجعدي في ضواحي بكين
وحول التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية، قال عبد الكريم الجعدي:" العلاقات بين الصين والدول العربية تضرب جذورها ا لي قديم الزمان، وقبل أكثر من 1400 سنة، ويدرك كل من العرب والصين جيدا أهمية هذه التبادلات سواء خلال طريق الحرير القديم أو " الحزام والطريق" الجديد. حيث اخذ العرب صناعة الورق والبارود والاحبار من الصين، وأخذت الصين من العرب منتجات زراعية وغيرها. واليوم، توجه التبادلات التجارية بين الصين والعرب يعتمد أساسا على الغاز ومنتجات النفط من العالم العربي، والأخير يستورد كل شيء تقريبا من الصين." مضيفا:" أتذكر في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، كنا نجد في الأسواق الصينية ملابس القطن المصرية ومصنوعات سورية، وفي نهاية 2000، دخلت المعلبات الغذائية العربية الى الأسواق الصينية بأسعار منافسة ونوعية جيدة."
وأخلص عبد الكريم الجعدي الى أن التجربة الصينية يمكن أن تكون نموذجا لتنمية في الدول العربية التي تعاني اليوم من مشاكل لا حصرى لها، حيث أن الصين مرت بفترات صعبة قبل ان تصل الى ما حققته اليوم، حيث عانت الكثير من الحروب الاهلية ومن الاستعمار الشبه المستعمرة وشبه الاقطاعي، ولكن ارجع عبد الكريم الجعدي السبب الرئيسي خلف نجاح التجربة الصينية هو الاعتماد على الذات وعدم التقيد بتحالفات واتجاهات معينة، مؤكدا أن استقلالية القرار الصيني هو الذي يبعث الحركة الديناميكية للاقتصاد الصيني. مضيفا، أن محاربة الفساد أيضا الذي يشدد عليه شي جين بينغ مهم جدا في عملية التنمية الاقتصادية، لان الفساء يدمر المجتمع.