بقلم/نيو سونغ، باحث بمعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية
ترجمة: صحيفة الشعب اليومية اونلاين
رحبت اسرائيل رسميا يوم 9 ابريل الجاري بالانتخابات الحادية والعشرين للبرلمان، وكان من المقرر أصلاً أن يستمر البرلمان الحالي حتى نوفمبر من هذا العام، ولكن في نهاية عام 2018، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسمياً أنه سيجري انتخابات عامة قبل عدة أشهر. ولا تعتبر هذه الانتخابات المبكرة للبرلمان الاسرائيلي سابقة من نوعها، وأنما في عام 2015، بسبب تكثيف الخلافات السياسية، تم الاعلان عن الانتخابات البرلمانية العشرين قبل عامين، وبذلك أصبح البرلمان التاسع عشر ثاني أقصر برلمان في تاريخ إسرائيل. وقد اتخذ نتنياهو قرار الانتخابات المبكرة في مواجهة أزمة متعلقة بالفساد وتحديات داخل الائتلاف الحاكم.
ظروف دعوة نتنياهو للانتخابات البرلمانية المبكرة
في عام 2018، تم التحقيق مع نتنياهو عدة مرات بسبب الفساد، والتي تعتبر أكبر أزمة منذ 14 عامًا. وفي فبراير 2018، وبعد الانتهاء من التحقيق في القضية رقم 1000 والقضية رقم 2000، أوصت الشرطة الإسرائيلية في تل أبيب بمحاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشبهة الفساد والحصول على رشوة، وانتهاك ثقة الشعب. وفي 12 يونيو 2018، تلقى نتنياهو تحقيق الشرطة للمرة الأولى في القضية رقم 3000. وفي 2 ديسمبر2018، أوصت الشرطة الإسرائيلية بتوجيه تهمة الفساد والرشوة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وزوجته سارة في القضية المعروفة برقم 4000.
بالإضافة إلى ذلك، في نوفمبر 2018، اندلع صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وحماس استمر يومين، ولكن سرعان ما توقف إطلاق النار ما تسبب في استياء شديد من وزير الدفاع ليبرمان. وفي 14 نوفمبر 2018، أعلن ليبرمان استقالته، واعتقد أن الحكومة كانت تفتقر إلى اتخاذ إجراءات قوية ضد حماس، وكان قرار نتنياهو بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد مع حماس هو "الخضوع للأعمال الارهابية". ولان ليبرمان هو رئيس حزب " اسرائيل وطننا" فإن استقالته ادت الى خفض عدد المقاعد من 120 مقعدًا في الائتلاف الحاكم إلى 61 مقعدًا، واعتمد على مقعد واحد فقط للحفاظ على الأغلبية. وفي ظل هذه الظروف، أعلن نتنياهو رسمياً في 24 كانون الأول ديسمبر 2018 أن الانتخابات العامة ستجرى في 9 أبريل 2019.
وفي مارس 2019، عشية الانتخابات الإسرائيلية، خططت وزارة العدل الإسرائيلية لمقاضاة نتنياهو رسميًا بعد التحقيقات، بتهمة الرشوة وخيانة الثقة.
صعود حزب "أزرق أبيض" ذي خلفية عسكرية قوية
انطلاقًا من الوضع الانتخابي الحالي، يمكن اعتبار هذه الانتخابات "مباراة" بين حزب " أزرق أبيض" ومجموعة الليكود. ويعد الحزب الازرق الابيض ائتلافًا جديدًا يتمتع بخلفية عسكرية قوية بالمقارنة مع مجموعة الليكود القديمة. وفي نهاية عام 2018، أنشأ رئيس الأركان الإسرائيلي السابق بيني غانتز"حزب الصمود الإسرائيلي"، وفي فبراير من هذا العام، شكل حزب رئيس الأركان السابق في الجيش بيني غانتس “حصانة إسرائيل"، وحزب وزير المالية السابق يائير لابيد، "هناك مستقبل". وأعلن وزير الدفاع السابق يعالون ورئيس الأركان سابق آخر مشاركتهم في الحزب. ويمكن ملاحظة أنه بسبب دعم العديد من القوى السياسية الاسرائيلية وُلد الحزب الأزرق الأبيض عند نقطة انطلاق أعلى. ووفقا لآخر استطلاعات الرأي، يتقدم حزب الأزرق الأبيض بالفعل على حزب الليكود.
لكن حتى لو فاز الحزب الأزرق الأبيض بهذه الانتخابات، فسيظل يواجه مقاومة كبيرة في عملية تنظيم مجلس الوزراء، لأنه بالمقارنة بمجموعة الليكود، يفتقر الحزب الازرق والابيض الى الخبرة السياسية، وقد يكون أضعف من نتنياهو في التحالف السياسي، ومن الصعب الحصول على مقعد ثابت في الوقت المناسب، وحتى لو كانت هناك 61 مقعدًا، سيتم اختطافها بسهولة من قبل حزب صغير. وفيما يتعلق بمجموعة الليكود، هناك العديد من المتغيرات في حالة اتهام نتنياهو بالفساد خاصة في كيفية التأثير على انتخابه.
وفي الواقع، لا يوجد اختلاف كبير بين الحزب الأزرق الأبيض ومجموعة الليكود في العديد من السياسات، وخاصة السياسة الخارجية، وهذا يقسم إلى حد كبير أصوات الناخبين اليمينيين، مما يؤدي إلى حقيقة صعوبة " النصر الساحق" لأي حزب حتى ولو حقق فوزا.
وقد اجتذب نتنياهو لاهتمامات الاساسية للشعب الاسرائيلي من خلال التفاعل مع الرئيس الأمريكي ترامب حول قضية القدس، ومرتفعات الجولان والمستوطنات اليهودية، وهي لعب "أوراق السيادة" و "بطاقة أمان" لتقليل التأثير السلبي لقضية الفساد، ولضمان نجاحه هو ومجموعة الليكود في اجتياز الجولة الجديدة من الانتخابات البرلمانية بنجاح.
نتنياهو يلعب بـ"بطاقة السيادية" و"بطاقة أمان" بدعم الولايات المتحدة
قدم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، نفسه بديلا لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو" سيد الأمن" في الأيام القليلة الماضية، وناشد غانتش علنا:" نتنياهو، اناشدكم أن تتحملوا كل المسؤولية الدولة وأن تستقيل من منصبك، ويمكنك العودة الى السياسة عندما تثبت أنك برئ."
ورد نتنياهو على تويتر: " "إذا لم نسد الفجوة، فإن يائير لبيد وغانتس سيشكلان حكومة يسارية مع (الحزب اليساري) ميرتس، بدعم من الأحزاب العربية، يجب أن نصوّت فقط لليكود".
ومع ذلك، فإن الحقائق ليست بالضبط كما قال نتنياهو، فإذا حاول الحزب الأزرق الأبيض توحيد حزب ميرتس، فمن شبه المؤكد أنهم لن يتمكنوا من الحصول على أصوات اليهود الأرثوذكس المتطرفين الذي يعارضون بحزم الخدمة العسكرية الإلزامية في إسرائيل التي يدعوا اليها حزب ميرتس، ولا يوجد احتمال التوصل الى حد وسط.
ومن ناحية أخرى، فإن التعاون الحزب الازرق الابيض الذي يتمتع بخلفية عسكرية وموقف أشد صرامة اتجاه القضية الفلسطينية الاسرائيلية مع الاحزاب اليسارية وحتى العربية بحاجة الي التخلي عن بعض المواقف المتشددة التى أبداها خلال حملة الانتخاب، وهذا ليس سهل التحقيق.
وليس ذلك فحسب، فإن اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، واقتراح نتنياهو مؤخرًا خطة لضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية من أجل التنافس على الجناح اليميني. وخلال حملته الانتخابية، انتقد نتنياهو مرارًا وتكرارًا من قبل زعيم بينيت، حزب “اليمين الجديد” باعتباره "ضعيفًا جدًا"، لذا كانت هذه الخطوة تهدف إلى إظهار موقف واضح للناخبين اليمينيين بأنه لن يكون مرتاحًا أبدًا في هذا الوقت الحرج. ولمدة طويلة، تعتبر قضية المستوطنات اليهودية مجالًا رئيسيًا تضغط به الولايات المتحدة على اسرائيل، وقد تجرأ نتنياهو هذه المرة على اقتراح صراحة محاولة ضم المستوطنات اليهودية خلال ولاية رئيس الوزراء، مما يدل على أنه قادر تمامًا على الحصول على دعم الولايات المتحدة. وتعكس الثقة ايضا وصول "الحمى البيضاء" للحملة الإسرائيلية، ولم تدخر الولايات المتحدة أي جهد لاختراق إطار السياسة الأصلي وإبداء دعم قوي لنتنياهو والليكود.
وفقًا للنظام الانتخابي في إسرائيل، فإن قائد الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد لن يصبح بالضرورة رئيس وزراء، والحل السياسي بين الحزبين الأزرق الأبيض ومجموعة الليكود المتساوين، وموقف الرئيس الإسرائيلي سيحددان الاتجاه المستقبلي للوضع السياسي الإسرائيلي. وأن الأمر المؤكد هو أنه سواء كان من فاز بالانتخابات فإن موقف إسرائيل المشدد من القضية الفلسطينية الاسرائيلية سوف يستمر، ومسار تطبيع العلاقات مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سيستمر أيضًا في التقدم بشكل لا رجعة فيه.