"تحولت حرية التجارة والأنشطة الاقتصادية إلى تعامل مع العدو بالنسبة للولايات المتحدة"، هكذا علّق مارتن وولف، كبير المعلقين الاقتصاديين بصحيفة "الفاينانشال تايمز"، ليكشف السلوك العشوائي الذي يتبعه بعض الساسة الأمريكيين على مستوى السياسة الخارجية. فمنذ فترة، أظهر بعض الساسة الأمريكيين عدم مسؤولية تجاه قضايا التعاون الدولي، وخاصة في معالجة علاقات بلدهم مع القوى الكبرى، والتي اتسمت بانعدام المسؤولية وانعدام الأخلاق. حيث ظل هؤلاء الساسة يبثون رسائل المواجهة، متخيلين أن الولايات المتحدة يمكنها الفوز بسهولة في لعبة محصلتها صفر.
تعد طبيعة العلاقات بين القوى العظمى مسألة حيوية بالنسبة للسلام والاستقرار العالميين، وتتحمل القوى العظمى مسؤوليات استثنائية في الحفاظ على ذلك. في هذا الصدد، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء محادثة هاتفية مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب: "يتعين على الصين والولايات المتحدة، باعتبارهما أكبر اقتصادين عالميين، أن يلعبا دوراً رائداً في انجاح قمة أوساكا لمجموعة العشرين، من أجل تحقيق نتائج إيجابية للسوق العالمية." وقد عبّرت كلمات الرئيس شي جين بينغ عن أهمية تعزيز العلاقات بين الصين والولايات المتحدة على أساس التنسيق والتعاون والاستقرار في العالم في ظل الوضع الاقتصادي الدولي الحالي. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد هذه الدعوة، شهدت الثقة في السوق العالمية تحسنا ملحوظا، مما يعكس رغبة المجتمع الدولي في التطلع إلى علاقات تعاون أفضل بين الدول العظمى.
أثناء حديثه عن العلاقات الصينية الأمريكية، قال هنري كيسنجر "إذا نجحت الولايات المتحدة والصين في العمل معًا لبناء العالم، بدلا من الصدام، سيكون ذلك انجازا عظيما!" لكن لسوء الحظ، لا يؤمن بعض الساسة الأمريكيين بالتعاون في "بناء العالم"، ولا يعتزون بنتائج التعاون الثنائي التي تم تحقيقها خلال الأربعين عامًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، على العكس لجؤا مرارا إلى فرض تعريفات قاسية وعمدوا إلى استفزاز الصين بشكل متكرر. وتجاهلوا تأثير العلاقات بين القوى العظمى على النظام الدولي، والمخاوف العالمية المتزايدة بشأن النزاعات الصينية -الأمريكية. في هذا الصدد، رأى مقال نشر مؤخرا في مجلة "ذي اتلانتيك" الأمريكية أن أمريكا إذا واصلت مناهضة الصين بشكل عشوائي، فعلى الأرجح لن يحظى الموقف الأمريكي بدعم أوروبي. الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى توتير العلاقات الأمريكية الأوروبية. ومنذ وقت ليس ببعيد، أشار رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ ووزير الخارجية وي وين في مناسبات مختلفة إلى أن نظرة واشنطن للصين على أنها منافسا يجب احتواءه تعد رؤية غير قابلة للنجاح، داعيان إلى منافسة بناءة بين القوى العظمى، كما حثّا الولايات المتحدة على إعطاء الصين صوتاً أكبر في صياغة القواعد الدولية، وتجنب الصراع الطويل وإجبار الدول الصغيرة على الاختيار بين أكبر اقتصادين في العالم.
"كل إنجاز عظيم، قبل أن يتحول إلى حقيقة يبدأ برؤية طويلة." ولقد أكدت الصين دائمًا على المنظور طويل الأمد في التعامل مع العلاقات الخارجية، ودعت إلى مبادئ الاستقلالية والتفاهم المتبادل والرؤية التطلعية والمنفعة المتبادلة، واعتبرت هذه المبادئ أرضية مشتركة للتعاون بين الدول الكبرى. ومن جانبها، تأمل الصين في أن يسير الجانب الأمريكي جنبًا إلى جنب مع الصين، في ادارة الخلافات وتوسيع التعاون، وتوفير المزيد من الاستقرار والقدرة على التنبؤ للعالم.
يمثل التعاون الاتجاه العريض الذي يجب أن يسلكه العالم. وفي مواجهة التحديات الرئيسية الأربعة المتمثلة في نقائص الحكم، نقص الثقة، نقص السلام، ونقص التنمية، يتعين على الصين والولايات المتحدة أن يسعيا للتعاون لحل المشاكل الدولية وتعزيز الحوكمة العالمية. وقد سبق للرئيس شي جين بينغ أن أشار في قمة بوينس آيرس لقادة مجموعة العشرين في العام الماضي، إلى أن الثقة المتبادلة هي أهم قيمة لمجموعة العشرين وأنه يجب الحفاظ على الفائض والقيمة المضافة في الثقة المتبادلة بين دول المجموعة. وأكد على أن الثقة المتبادلة بين الدول الكبرى تحتاج إلى زراعة متواصلة وعناية فائقة، وأنها يمكن أن تكون مفيدة للطرفين، وأن المنفعة المتبادلة تجلب وضعا مربحا للجميع.
يتطلع الجميع إلى قمة مجموعة العشرين المقبلة في أوساكا اليابانية، ويتوقع المجتمع الدولي أن تلعب الدول الكبرى دورًا بناءً في تعزيز التعاون الدولي، وأن تحقق القمة إنجازات اقتصادية وتجارية إيجابية وعملية، وأن تكون القمة قوة جديدة في دفع العولمة الاقتصادية نحو افاقا أكثر انفتاحًا وتعددية وتوازنا وربحا لجميع الأطراف، ما سيضخ زخما قويا في نمو الاقتصاد العالمي.