حتى بعد إضافة تعريفة بنسبة 25 ٪ فإن أجهزة PET-CT الطبية (أجهزة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والتصوير المقطعي المحوسب)، وهو جهاز طبي متطور مصنّع في الصين لا يزال شائع الاستعمال في السوق الأمريكية. حيث نجحت مجموعة "يونايتد ايماجين" في بداية شهر يونيو الجاري في ادخال اجهزتها إلى مستشفى "Southwest X-Ray" بولاية تكساس. وهذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها هذه المنتجات المطوّرة من قبل شركات صينية إلى أمريكا التي تعد موطن أجهزة PET-CT.
وهذا ما يحيلنا إلى سؤال عن مدى تأثير الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة على آداء الاقتصاد الصيني؟ وهل يستطيع الاقتصاد الصيني أن يصمد أمام هذه الضغوط؟
إن الحمائية التجارية هي "العدو اللدود للنمو". ورغم أن الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة كانت دائما نادرة عبر التاريخ. إلا أن هذا التأثير لا يزال محدودًا بالنسبة للاقتصاد الصيني الذي يتميز بإمكانيات واسعة وحجم كبير.
من منظور الاقتصاد الكلي، يمكن السيطرة بشكل عام على تأثيرات الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية على الاقتصاد الصيني، كما يمكن لسلسلة التدابير المستهدفة مواجهة الآثار الضارة بشكل فعال.
في هذا الصدد، يقدر قاو لينغ يون، الباحث بمعهد الاقتصاد والسياسة العالمية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بأن تتسبب التعريفات الأمريكية بنسبة 25 ٪ على ما قيمته 200 مليار دولار أمريكي من الصادرات الصينية في تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.3 نقطة مئوية. وفي صورة تعميم هذه التعريفة على ما تبقى من الصادرات الصينية إلى امريكا والبالغ حجمها 300 مليار دولار. فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين سيتراجع بنسبة 0.52%.
ومع ذلك، يبقى الاعتماد على الأرقام الثابتة في تقييم تأثيرات الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية على الاقتصاد الصيني غير كافيا، لأنه من الضروري أن نضع في الاعتبار بأن التنمية الاقتصادية لديها القدرة على التكيف بشكل ديناميكي. ومن بين هذه العوامل نجد التنظيم العفوي للسوق ودور التحكم المهم الذي تقوم به الدولة. خاصة وأن الصين تمتلك قدرات قوية على مستوى التحكم الكلي والسياسات والأدوات التنظيمية المناسبة. وهو مما سيضعف تأثير الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية على الاقتصاد بشكل كبير.
من المنظور الجزئي، تؤثر الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية على حياة السكان وإنتاج الشركات، ولكن هذه التأثيرات تبقى محدودة. فمنذ بداية العام الحالي، ظلت الأسعار مستقرة بشكل عام في الصين، حيث ارتفع سعر المستهلك الوطني من يناير إلى مايو، بنسبة 2.2٪ على أساس سنوي. "مقارنةً بالضغوط الشديدة والمتهورة التي تفرضها الولايات المتحدة، اتخذنا ترتيبات دقيقة على السلع الأمريكية الخاضعة للتعريفات، حيث فرضنا تعريفات بـ 5٪ و10٪ و20٪ و25٪ على قائمة من السلع بقيمة 60 مليار دولار أمريكي. وتم وضع تعريفات منخفضة على السلع التي يصعب استبدالها، مما يقلل من التأثير السلبي على البلاد".
وفي ذات الوقت، خفضت الصين أيضًا من تأثير التدابير المضادة على حياة السكان من خلال زيادة الواردات من البلدان الأخرى.
بالنسبة لبعض الشركات، رغم أن الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية قد تجلب بعض الصعوبات في الإنتاج والتشغيل إلا أن التأثير يبقى مؤقتًا وعلى مراحل.
واذا تناولنا المسألة من زاوية مغايرة، فإن استخدام آلية الاحتكاك الاقتصادي والتجاري بشكل جيد، قد تصبح فرصة لتعزيز التحول الاقتصادي في الصين. حيث سبق لليابان أن نجحت في استغلال الحرب التجارية مع الولايات المتحدة للقضاء على الصناعات المتخلفة، وظهر العديد من "الأبطال الخفيين" في مجال أشباه الموصلات. في الوقت الحالي، تجبر الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بعض مؤسسات التصدير الصينية منخفضة الجودة على "الفطام"، مما يجعل نموذج التنمية الاندفاعي غير قابل للاستمرار، في المقابل تتسارع خطى ترقية وتحسين الهيكل الاقتصادي.