قبل زيارته للصين يوم 2 يوليو الجاري، نشر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان اليوم مقالا موقعا في صحيفة "غلوبال تايمز" التابعة لصحيفة الشعب اليومية الصينية، بعنوان "تركيا والصين تشتركان في الرؤى المستقبلية"، وفيما يلي فحوى المقال: ـ
حافظت تركيا والصين على علاقات اقتصادية وثقافية وثيقة لعدة قرون على الرغم من المسافة الجغرافية بينهما. وخدم الشعبان الصيني والتركي، وكلاهما ممثلان للحضارات القديمة على طرفي القارة الآسيوية الإنسانية بشكل كبير من خلال تقاسم طريق الحرير وتعزيز التفاعل التجاري والثقافي.
واليوم، لا يزال التعاون بين الصين وتركيا مستمرا منذ قرون بفضل مبادرة "الحزام والطريق " التي اقترحها صديقي العزيز والرئيس الصيني شي جين بينغ. في الواقع، فإن تركيا مؤيد قوي لـ "الحزام والطريق"، وكانت من أوائل الدول التي دعمت المبادرة في وقت مبكر من عام 2013. ويسرنا أن نرى تحول مبادرة "الحزام والطريق" إلى أكبر مشروع تنموي في القرن الحادي والعشرين، بمشاركة أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية، وكل ذلك تمشياً مع رؤية الرئيس شي.
تقع مبادرة "الممر الأوسط" التركية في قلب " الحزام والطريق"، وهي جزء مهم جدا من مبادرة " الحزام والطريق"، يربط تركيا بجورجيا وأذربيجان عبر السكك الحديدية، ويعبر بحر قزوين ويصل إلى الصين عبر تركمانستان وكازاخستان.
وأطلقت تركيا مؤخرا مشروع خط سكة حديدة كارس ـ تبيليسي ـ باكو كجزء من مشروع "الممر الأوسط". بالإضافة الى ذلك، يتضمن " الممر الأوسط" العديد من المشاريع الاستثمارية الأخرى، بما في ذلك، جسر يافوز سلطان سليم عبر مضيق البوسفور ونفق أوراسيا ونفق مرمرة وجسر 1915 فوق الدردنيل، والطرق السريعة والسكك الحديدية عالية السرعة، والمراكز اللوجستية والبنية التحتية للاتصالات. وستساهم هذه المشاريع بشكل مباشر في هدف مبادرة " الحزام والطريق " بربط بكين ولندن.
سيقدم "الممر الأوسط" مساهمة قيمة لـ " الحزام والطريق" من خلال توفير الوقت وخدمة العالم على مدار العام. وفي هذا الصدد، سنواصل العمل مع أصدقائنا الصينيين لدمج المبادرتين.
لقد وصلت العلاقات بين تركيا والصين إلى مستوى علاقات الشراكة الاستراتيجية في عام 2010 بعد التطور المستمر الذي تشهده العلاقات بفضل الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهدفنا هو زيادة تحسين العلاقات المربحة للجانبين في ظل الرؤية المشتركة. وهذه هي الروح التي تمثلها مبادرة "الحزام والطريق".
بدأ تحديث تركيا والصين متأخرا نسبيا، وتسعى الدولتان الى سد الفجوة التنموية مع الدول الغربية في القرن الحادي والعشرين، وبعبارة أخرى، فإن "الحلم الصيني" هو تطلع الصين لإيجاد مكانتها على المسرح العالمي، تمامًا مثل "الحلم التركي" هو أن تسعى تركيا جاهدة من أجل موقعها على الساحة الدولية، فكما حددت الصين هدف المائتين سنة (الذكرى ال100 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 2021، والذكرى ال100 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 2049) ، كما حددت تركيا أيضًا سلسلة من الأهداف الى حدود الذكرى المائية لتأسيس الدولة (عام 2023) وعام 2053. وتلك الأهداف، التي تهدف إلى تحويل بلادنا إلى مجتمعات رفع رفاهية الشعب، هي من بين العديد من الامور المشتركة بين تركيا والصين.
تعميق العلاقات الثنائية يدفع بتعزيز تفاعل أوثق بين الشعبين، وتشجع تطوير التبادل السياحي أيضا. وفي عام 2018، احتفلت الصين بعام السياحة التركي، واستضافت العديد من الانشطة المتنوعة في جميع أنحاء البلاد، وتركيا سعيدة أن ترى زيادة ملحوظة في عدد السياح الصينيين. ونعمل لتحقيق هدفنا المتمثل في استضافة تركيا مليون سائح صيني، وهو هدف حددته مع الرئيس شي، ستتحسن العلاقات الثنائية بين بلدينا خلال التوجه اليه سويا.
ومن بين أهدافنا أيضا مضاعفة حجم التجارة الثنائية مع الصين إلى 50 مليار دولار، وبالتالي 100 مليار دولار على أساس أكثر توازنا واستدامة لخدمة مصالح الجانبين. وأدعو مجتمع الأعمال الصيني للاستثمار في تركيا، دولة تربط بآسيا وأوروبا، وقلب " الحزام والطريق".
دعونا نتذكر أن استثماراتكم في تركيا ستكون التزامًا لأكبر 16 اقتصادًا في العالم مع 82 مليون مواطن شاب وديناميكي بالإضافة إلى المناطق النائية الذي يبلغ عدد سكانه 1.6 مليار نسمة وناتج محلي إجمالي قيمته 24 تريليون دولار، وهو استثمار في تركيا و" الحزام والطريق" وحلمنا في بناء مستقبل معًا.
وفي مجال التعليم، يمكننا العمل بشكل أوثق من خلال اتخاذ خطوة أولية لإنشاء جامعات مشتركة، وفي مجال الدفاع، تُظهر تركيا والصين قدرات تقنيتهما التكنولوجية للعالم من خلال إطلاق مشاريع أصلية في السنوات الأخيرة، وأنا واثق من أن بلدينا يمكنهما التعاون في هذا المجال أيضًا.
يواجه العالم الآن تحديات خطيرة. ومع تعميق العولمة الاقتصادية، فإن تهديد نظام التجارة الحرة العالمي يعرض جميع الاقتصاديات للخطر، وأن هذا التهديد يقوض السلام والاستقرار العالميين، مما يشير إلى أنه لا يزال هناك أشخاص يعتقدون خطأً أننا ما زلنا نعيش في عالم أحادي القطب.
تقف تركيا والصين في نفس الموقف في تعزيز السلام العالمي، والحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين، وتعزيز تعددية الأطراف، ودعم مبدأ التجارة الحرة وغيرها. ومن الواضح جدا أن عالم اليوم يسعى إلى توازن جديد متعدد الأقطاب يتطلب نظاما دوليا جديدا يصب في مصلحة البشرية جمعاء. وباعتبارهما أقدم حضارتين في العالم، تقع على عاتق تركيا والصين مسؤولية المساهمة في تأسيس هذا النظام الجديد.