بقلم دينغ لونغ، مدير وأستاذ بمركز أبحاث الخليج بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية
أعلن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو في 18 من الشهر الجاري بأن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة الغربية تنتهك القانون الدولي. إن هذا القرار بلا شك عمل تخريبي، مما يعني بأن الولايات المتحدة تقوم بتغيير سياستها بشأن هذه القضية منذ أكثر من 40 عاما. تتعلق قضية المستوطنات بالأراضي الفلسطينية، ودائما ما ينظر الفلسطينيون إليها على أنها قضية لا غنى عنها فيما يتعلق بمحادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وبالتالي فهي أيضا مسألة أساسية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فيما يتعلق بمبدأ "الأرض مقابل السلام". وبذلك تكون الولايات المتحدة قد تخطت الخط الأحمر بشأن هذا المبدأ الرئيسي، مما يعني بأنها قد ابتعدت تدريجيا عن "خطة حل الدولتين" وتتحرك باتجاه أبعد ما يكون عن القانون الدولي والأخلاق الدولية، مما يجعلها تفقد مؤهلاتها "كوسيط نزيه للسلام في الشرق الأوسط". لذلك باستثناء الترحيب الإسرائيلي، عارض المجتمع الدولي هذا القرار بالإجماع تقريبا.
بعد حرب الشرق الأوسط الثالثة في عام 1967، بدأت إسرائيل في بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. توجد مستوطنات يهودية في الضفة الغربية منذ أكثر من 40 عاما وبلغ عددها أكثر من 120 مستوطنة وتظم أكثر من 400 ألف مستوطن. كما يوجد أكثر من 200 ألف إسرائيلي يعيشون في القدس الشرقية.
ولكن الحقيقة شيء والفقه والأخلاق شيء آخر. رغم أن هناك مطالب في إسرائيل بضم هذه المستوطنات إلى الأراضي الإسرائيلية، إلا أنه بموجب القانون الدولي والقانون الداخلي الإسرائيلي هي لا تنتمي إلى الأراضي الإسرائيلية. كما ان العديد من قرارات الأمم المتحدة عارضت بناء إسرائيل للمستوطنات واعتبرتها موجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لذلك، فإن ما يسمى بـ "الوجود الفعلي" الذي تنتهك القانون الدولي وتوافق المجتمع الدولي، وبغض النظر عن حجمه أو طوله، فهو لا يزال "بناء غير مصرح به" ، ولا يمكن لأحد تغيير طبيعة "البناء غير القانوني" للمستوطنات اليهودية.
في البيان الذي ألقاه، قال بومبيو بأن "القانون الدولي لا يروج للسلام". "فيما يتعلق بمسألة القانون الدولي، فإن النقاش حول ما هو صواب وما هو خطأ لن يجلب السلام". يبدو أن التعبير عن "عدم الجدوى" في القانون الدولي عملي، والجوهر في هذا هو تقنين الوضع الراهن للظلم الواقع هناك وذلك على حساب الدولة الفلسطينية والأخلاق الدولية.
في الواقع لدى الولايات المتحدة موقف واضح باستمرار بشأن قضية المستوطنات. في عام 1978، أصدرت حكومة الولايات المتحدة فتوى قانونية وهي "مذكرة هانسل". وفقا لهذه المذكرة، فإن مستوطنات إسرائيل على الأراضي الفلسطينية تنتهك القانون الدولي. منذ ذلك الحين، تتمسك الولايات المتحدة بروح هذه الوثيقة وتعارض بناء إسرائيل للمستوطنات. لكن إدارة ترامب تعترف بإضفاء الشرعية على المستوطنات، وفي ذلك ليس انتهاك صارخ للقانون الدولي فقط، وإنما أيضا فيه تخريب للسياسة الأمريكية طويلة الأجل، مما يعني بأن واشنطن قد تخلت عن احترامها الأخير للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
بعد أن تولت إدارة ترامب السلطة، تبنت سياسة تجاه الشرق الأوسط اعتمدت فيها على معاداة إيران ومكافحة الإرهاب وذلك لضمان المصالح الإسرائيلية. وبتوجيه من هذه السياسة، وفيما يتعلق بـ "مبدأ حل الدولتين" عملت الولايات المتحدة تدريجيا على قضم هذه المبادئ ذات الصلة التي التزمت بها دائما الحكومات المتعاقبة هناك. لقد نقلت الولايات المتحدة سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وأغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة، وتوقفت عن تقديم المساعدة إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وأوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن العمل، والآن تعمل على الاعتراف بشرعية المستوطنات. إن إدارة الرئيس ترامب لا تستطيع حل القضية الفلسطينية فقط، وإنما أيضا "صفقة القرن" التي طال انتظارها والتي لا يمكنها الظهور للعلن أمام الناس يرجع لكونها غير عادلة وستعارضها معظم الدول.
وفقا للإشارات التي كشفت عنها ورشة المنامة، فإن المحتوى الرئيسي لـ "صفقة القرن" هو إعطاء الفلسطينيين نصيبا صغيرا، على حساب انخفاض حاد في معايير قيام الدولة الفلسطينية. يبدو أن هذا البرنامج يهدف إلى تحسين مستوى معيشة الشعب الفلسطيني، لكن في جوهره يهدف إلى سرقة الركائز الأساسية لهذه القضية، وجوهر القضية الفلسطينية الإسرائيلية هو الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهذه قضية سياسية. على الرغم من أن فلسطين تحتاج إلى تطوير اقتصادها وتحسين معيشة شعبها ، إلا أن هذا لا يعني أنه يمكن استبدال القضية الفلسطينية الجوهرية بالقضايا الإقتصادية أو التحكيمية الأخرى. إذا أضفت الولايات المتحدة على المستوطنات الصبغة الشرعية والقانونية، فإن إدخال ما يسمى "صفقة القرن" هو تخريب مبدأ "الأرض مقابل السلام" وإسقاط كل ما اجتمع عليه المجتمع الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي سيحرم فلسطين من حقها في إقامة دولتها وإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي في هذه الحالة سيكون من المستحيل الحديث عن محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
إن قضية المستوطنات قضية حساسة للغاية والإعتراف بشرعيتها هو اعتراف باحتلال إسرائيل القانوني للأراضي الفلسطينية. لذلك فإن هذه الخطوة الخطيرة قد نسفت "خطة حل الدولتين" ، ودفنت معها مصداقية وسمعة الولايات المتحدة. إن صورة "وسيط السلام في الشرق الأوسط" التي عملت الولايات المتحدة على بناءها على مدى العقود القليلة الماضية في اتجاهها نحو الانهيار، كما ستؤدي هذه الخطوة إلى تشجيع معادة أمريكا ومزيد من الأعمال المتطرفة العنيفة. وهذا ما يحسم بأن الولايات المتحدة محكوم عليها بالخسارة أكثر مما هي عليه الآن.