اسطنبول 29 ديسمبر 2019 (شينخوا) حذر محللون أتراك من أن تدخل الجيش التركي من شأنه صب الزيت على النار بدلا من تسهيل التسوية السياسية للحرب الأهلية في ليبيا، في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لإرسال قوات لدعم حكومة طرابلس، المعترف بها من الأمم المتحدة، وسط إشارات متباينة من طرابلس.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الخميس إن بلاده سترسل قوات استجابة لطلب الحكومة الليبية للمساعدة، حيث وقعت أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية نهاية الشهر الماضي على اتفاق التعاون الأمني والعسكري وكذلك مذكرة تفاهم مثيرة للجدل بشأن ترسيم الحدود البحرية.
وقال فاروق لوج أوغلو، دبلوماسي كبير سابق، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "تدخل الجيش التركي سيسهم فقط في إطالة أمد الصراع الداخلي، ما يضر بالسلام والاستقرار في ليبيا."
وأعاد الجيش الوطني الليبي، الذي يحارب حكومة الوفاق التي يقودها رئيس الوزراء فايز السراج، إطلاق هجوم أوائل هذا الشهر للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.
وحذر لوج أوغلو قائلا "مهما كانت نتائج الصراع في ليبيا، ستكون تركيا هي الخاسرة في النهاية."
وأوضح "حتى إذا فازت طرابلس في النهاية، ستكون تركيا قد فصلت شرائح كبيرة من الشعب الليبي عن بعضها البعض بسبب التحيز والوقوف مع طرف ضد آخر."
ووسط تقارير تفيد بوقوع قتال محتدم بالقرب من طرابلس، تخطط الحكومة التركية للحصول على تفويض لإرسال قوات إلى ليبيا من خلال موافقة البرلمان دون تأجيل، ومن الممكن الحصول عليها الأسبوع المقبل.
سيؤدي تدخل الجيش التركي بشكل مباشر إلى تصعيد القتال وليس دفع فرص التسوية السياسية، حسبما ذكر حسن كوني، محلل علاقات دولية.
وأخبر ((شينخوا)) أنه "في مثل هذه الحالة، سترد الدول الداعمة للجانب الآخر أيضا بزيادة دعمها العسكري."
وتدعم تركيا وقطر حكومة الوفاق في طرابلس، بينما تدعم روسيا ومصر وفرنسا ودول الخليج الجيش الوطني الليبي المتمركز شرقي ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر.
وبحسب تقارير صحفية صدرت في 19 ديسمبر، ستوفر مصر الدبابات الروسية من طراز (تي-72) وكذا ناقلات جنود مدرعة لقوات حفتر.
وقال خلدون سولماز تورك، جنرال سابق بالجيش التركي، إن تركيا لن تستفيد من تدخلها عسكريا في الصراع الليبي، ولكنها ستكون جزءا من الحرب الأهلية الليبية.
وأوضح لـ((شينخوا)) أن تدخل الجيش التركي في الصراع سيفاقم المشاعر السيئة تجاه تركيا، ليس فقط بين الليبيين ولكن أيضا في العالم العربي أجمع.
وهددت قوات حفتر في الفترة الماضية بأنها ستغرق السفن التركية التي تقترب من ليبيا.
وتؤمن أنقرة بأنه يجب بقاء حكومة السراج في السلطة وبالتالي يمكنها حماية الحقوق التركية في منطقة شرق المتوسط بشكل أفضل.
ووجدت تركيا نفسها معزولة في المنطقة في الوقت الذي حددت فيه إسرائيل واليونان وقبرص ومصر بشكل مشترك مناطقها الاقتصادية الخالصة بطريقة تصفها أنقرة بغير المقبولة.
وبالنسبة لأنقرة، يمثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وتعارضه اليونان ومصر والبرلمان الليبي المنتخب في طبرق، خطوة مضادة لحماية حقوقها في شرق المتوسط.
وقال عمر جيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، أمس السبت "لا يمكنك حماية مصالحك الوطنية بالانسحاب داخل حدودك، عليك حماية حلفائك."
وأوضح لوج أوغلو أنه "إذا فاز حفتر، تستطيع تركيا نسيان أمر ليبيا حتى حدوث تغيير في الحكومة في أنقرة."
وأشار إلى أن "القوات التركية بدعمها لحكومة طرابلس ستحقق فائدة فقط إذا فتحت أنقرة في الوقت ذاته قناة تواصل مع حفتر."
ومع ذلك، يشعر المحللون أن علاقات الحزب الحاكم التركي الوثيقة مع حكومة السراج الإسلامية لها علاقة بوجود تقارب أيديولوجي.
ويُعرف الحزب الحاكم برئاسة أردوغان بتعاطفه مع أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين وطالما تعرض للانتقاد من الداخل على اتباعه سياسة خارجية قائمة على الأيديولوجية ولا تتوافق مع المصالح الوطنية التركية.
وقال لوج أوغلو إنه بدلا من اتباع سياسة طائفية، يتعين على تركيا العمل تجاه اتفاق سلام تفاوضي بين الفصائل المتناحرة في ليبيا، مضيفا أن إرسال قوات إلى ليبيا سيدق إسفينا بين أنقرة وموسكو.
وأعربت موسكو يوم الخميس عن إدانتها لأي تدخل خارجي في الحرب الأهلية الليبية.
وقال أردوغان في اليوم نفسه إن روسيا حاضرة في الحرب الأهلية الليبية بـ2000 من المرتزقة يقال إنهم على صلة بشركة (واجنر) العسكرية الروسية. وانتقد أيضا موسكو وآخرين لدعمهم حفتر الذي وصفه أردوغان بأنه "أمير حرب".
وأشار كوني، محاضر في جامعة اسطنبول الثقافية، إلى أن روسيا من الممكن أن تجعل تركيا تدفع ثمن تدخلها عسكريا في ليبيا بشكل غير مباشر.
ويعتقد على نطاق واسع أن موسكو لن تنفصل تماما عن أنقرة حيث تواصلان مسار التقارب بينهما، في الوقت الذي توترت فيه العلاقات التركية-الأمريكية على خلفية شراء أنقرة نظام الدفاع الجوي الروسي (اس-400).
وفي الوقت الذي تعجل فيه أنقرة من خطوات إرسال القوات، تأتي رسائل متباينة من حكومة الوفاق بشأن إرسال القوات التركية إلى ليبيا.
وأوضحت تقارير صحفية ألمانية أمس السبت أن المتحدث باسم وزارة خارجية حكومة الوفاق الليبية محمد القبلاوي أعلن أن الحكومة تعارض نشر قوات أجنبية على الأراضي الليبية.
ويتناقض بيان القبلاوي ليس فقط مع تقرير صدر سابقا يوضح طلب حكومة طرابلس من أنقرة بشكل رسمي إرسال دعم عسكري "جوي وبري وبحري" ولكن أيضا مع تصريحات أنقرة الأخيرة المماثلة.
ومع ذلك، لا يستبعد بيان المتحدث باسم حكومة طرابلس الإمداد بالأسلحة، حيث تُعرف تركيا بإمداد أسلحة لحكومة طرابلس منذ مدة طويلة.
وذكرت تقارير أن القبلاوي حث برلين على التوسط لإنهاء الحرب الأهلية واقناع فرنسا بعدم دعم قوات حفتر التي تربطها علاقة ببرلمان طبرق.
جاءت دعوة القبلاوي في الوقت الذي اقترب فيه جيش حفتر من طرابلس، على الرغم من بعض التقارير التي تفيد بأن قوات حفتر تعاني من خسائر ضخمة في العمليات.
وانزلقت ليبيا في هذه الفوضى منذ مقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في عام 2011.
كما أجرى أردوغان يوم الأربعاء زيارة مفاجئة إلى تونس لبحث سبل التعاون الممكن في الصراع الليبي.
ومع ذلك، ذكر مكتب الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الخميس أن تونس لن تكون جزءا من أي تحالف في ليبيا.
وأوضح كوني أن التدخل العسكري التركي المباشر في ليبيا، الذي سيكون عبئا كبيرا على الاقتصاد التركي الضعيف، من الممكن أن يؤدي إلى مأزق عسكري في الحرب الأهلية.
ولا يعتقد سولماز تورك، الذي يرأس مناقشات إنجيك في المعهد التركي للقرن الـ21 ومقره أنقرة، أن الجيش التركي سيجري مثل هذه العملية واسعة النطاق من أجل تحقيق مأزق دون قاعدة تحت تصرفه في دولة مجاورة لليبيا.
وأوضح "من المحتمل أن أردوغان كان يأمل في الحصول على قاعدة عسكرية في تونس، ولكن لا أعتقد قبول تونس بهذا."