اسطنبول 15 يونيو 2020 (شينخوا) قال محللون إن تأجيل زيارة روسية رفيعة المستوى إلى تركيا في اللحظة الأخيرة يوم الأحد، يسلط الضوء على الخلافات بشأن الصراع الليبي، حيث تولت الدولتان دورا قياديا في الجهود الرامية إلى إيجاد حل للأزمة التي تعيشها الدولة الغنية بالنفط على مدى عقد من الزمان.
وأعلنت وزارة الخارجية التركية أمس الأحد أن الاجتماعات مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو التي كان من المقرر عقدها في اسطنبول، ستُعقد "في المستقبل"، وذلك بعد يوم من إعلان الخارجية التركية عن المحادثات.
وقالت وزارة الخارجية الروسية بشكل منفصل إن الجانبين "يعملان بنشاط لدعم التوصل إلى تسوية في ليبيا"، دون ذكر أي سبب لإلغاء هذا الاجتماع الذي كان من المفترض أن تكون فيه ليبيا محور التركيز الرئيسي.
ويعتقد الخبراء أن المكاسب الأخيرة التي حققتها القوات المدعومة من تركيا في ليبيا، تأتي في صميم التوترات وسط تصريحات من الأمم المتحدة بأن الأطراف المتحاربة بدأت محادثات سلام جديدة.
وفي حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا))، قال أويتون أورهان، المنسق لدى مركز دراسات الشرق الأوسط في أنقرة، إن "هذا الإلغاء الذي جاء في اللحظات الأخيرة إشارة إلى مشكلات في ليبيا، حيث زادت تركيا من مكاسبها بعد تحقيقها أخيرا انتصارات في المعارك على الأرض هناك. يبدو أن يد تركيا بدت أقوى من ذي قبل مقارنة بروسيا".
إن أنقرة وموسكو تدعمان طرفين متعارضين في الحربين الأهليتين في سوريا وليبيا، حيث قدم أنقرة الدعم العسكري والدبلوماسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا، في حين تدعم روسيا القائد العسكري خليفة حفتر.
وفي سوريا، تهدف الحكومة المدعومة من روسيا إلى استعادة محافظة إدلب الشمالية من أيدي المقاتلين الإسلاميين، في حين تعهدت تركيا بعدم السماح بذلك عبر إرسال آلاف الجنود هناك لحماية مصالحها الوطنية وتجنب تدفق جديد للاجئين على أراضيها.
وأشار أورهان إلى أن "تركيا لا تبدو مستعدة لتقديم أي تنازلات في ليبيا بعد أن أصبح لها يد أقوى الآن مع تحقيق مكاسب على أرض المعركة حول مدينة سرت الاستراتيجية".
وشدد أورهان على أن روسيا، من ناحية أخرى، تحاول إجبار أنقرة على التوصل إلى حل وسط في ليبيا باستخدام بطاقة إدلب، حيث تنظم غارات جوية ضد مواقع القوات المدعومة من تركيا شمالي سوريا.
وأوضح الخبير قائلا "هناك صراع مستمر بين روسيا وتركيا في سوريا وليبيا"، مستبعدا تطور هذه التوترات ووصولها إلى حد المواجهة المباشرة بين الجانبين.
وفي الأشهر الأخيرة، اتخذت روسيا وتركيا زمام المبادرة في الجهود المبذولة لإيجاد حل للأزمة الليبية، على أمل أن تفضي هذه العملية إلى استحواذ الدولتين على مناطق نفوذ لهما في ليبيا.
إن الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني سمح للحكومة بتحويل مسار المعركة وصد هجوم استمر عاما من جانب القائد حفتر المدعوم من جانب روسيا والإمارات ومصر.
وكان من المفترض أن تتوسط محادثات اسطنبول المؤجلة في التوصل إلى اتفاق يمهد الطريق لوقف إطلاق نار في ليبيا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي حاولت فيها روسيا وتركيا التوسط في وقف لإطلاق النار في ليبيا، ولكن هذه المرة أبدت الولايات المتحدة اهتماما بدعم تركيا، حليفتها في الناتو، في الدولة الغنية بالنفط.
وفي يناير الماضي، توجه رئيس وزراء حكومة الوفاق فايز السراج، وحفتر، إلى موسكو في زيارة في إطار الجهود الروسية-التركية لضمان وقف دائم لإطلاق النار. ومع ذلك، رفض حفتر، مدعوما بنجاحاته في ساحة القتال في ذلك الوقت، التوقيع على الاتفاقية.
وأعقب اجتماع موسكو بعد ذلك بأسبوع قمة منفصلة استضافتها ألمانيا هذه المرة.
كانت الدوافع الرئيسية لتركيا للدخول في الحرب في ليبيا هي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل التي وقعتها مع حكومة الوفاق الوطني والتي وسعت منطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط الغني بالموارد.
وعارضت عدة دول أوروبية طموحات تركيا في ليبيا. وصعدت فرنسا خلال نهاية الأسبوع موقفها تجاه أنقرة في ليبيا، قائلة إنها "تتصرف بطريقة غير مقبولة باستخدام الناتو، ولا يمكن لفرنسا أن تتسامح مع ذلك".
ويعتقد المراقبون أنه يتعين على كل من أنقرة وموسكو تقديم تنازلات في مراحل أخرى في ليبيا لتأمين مكاسبهما، ومنع تصاعد التوترات التي من شأنها الإضرار بالجانبين.
وقال المعلق السياسي سيركان ديمرداش لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لقد تغيرت الظروف بشكل جذري في المسرح الليبي منذ يناير، ومن الواضح للغاية أنه ينبغي على تركيا وروسيا الدخول في جولة جديدة من المحادثات إذا كانتا تعتزمان تجديد التزامهما المشترك بالسلام والاستقرار في ليبيا".
وأشار هذا الخبير إلى أن حكومة الوفاق الليبية، بدعم من الجيش التركي والطائرات التركية بدون طيار، تواصل تقدمها للسيطرة على سرت وقاعدة الجفرة الجوية. إنها تريد توسيع سيطرتها على طول الساحل وحول الهلال النفطي لتعزيز مكاسبها العسكرية. ولن تتوقف على الأرجح حتى تحقق هذه الأهداف.
ومع ذلك، أصر الخبير على أن الحوار السياسي التركي-الروسي المتجدد يبدو أنه أفضل حل للتوصل إلى السلام في ليبيا.
وأضاف "تماما كما هو الحال في سوريا، لا يوجد حل عسكري للقضية الليبية أيضا".