د. فايزة كاب، خبيرة في الشؤون الصينية والعلاقات الصينية ـ الدولية
أكدت الصين مؤخرا معارضتها بقوة قرار الحكومة البريطانية الأخير بشأن حظر المشاركة في بناء شبكات الجيل الخامس بالبلاد على الشركات الصينية. وأوضحت الصين أن بريطانيا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، تمارس تمييزا وإقصاءً ضد الشركات الصينية دون أي أدلة دامغة على وجود مخاطر. وشددت على أن هذا القرار سوف يضر بشدة بأساس الثقة المتبادلة في التعاون بين الصين وبريطانيا. ولفتت إلى أن الأمر لا يتعلق بشركة أو صناعة، وإنما بتسييس المملكة المتحدة للقضايا التجارية والتكنولوجية، مضيفة أن القرار يثير القلق بشأن ما إذا كان بوسع الصين أن تواصل ثقتها في انفتاح ونزاهة السوق البريطانية وعدم ممارستها التمييز.
تعد شركة هواوي العملاقة في مجال الاتصالات واحدة من أكثر الشركات الصينية نجاحا على نطاق العالم، ولكن الولايات المتحدة ترى أن لهواوي طموح الهيمنة على سوق الجيل الخامس لتقنية الهواتف المحمولة 5G، وأنها قد تساعد الحكومة الصينية لجمع المعلومات الخاصة بالمواطنين الغربيين والمنظمات والحكومات الغربية. كما تضغط الحكومة الأمريكية على حلفائها لاستثناء هواوي من المشاركة في شبكات الخامس فيها، مهددة بخفض مستوى تبادل المعلومات مع الدول التي تستخدم "شركات غير معتمد عليها" في خططها لاعتماد التقنية الجديدة.
لقد أدت الحرب الباردة في العالم إلى ظهور تسميات مختلفة تشير كلها إلى استعمال الأزمات لتمرير مشروعات كبرى وتقويض مشروعات أخرى فمن حرب المعلومات إلى حرب المياه إلى غير ذلك من أنواع الحروب الأخرى. وتعتبر حرب المعلومات تفهم وإدراك لتأثير التكنولوجيات الحديثة للمعلومات على ميدان المعركة وتأثير ذلك على القوات المشتركة، وتعني الحصول على المعلومات والمحافظة على السيادة المعلوماتية في مسرح العمليات، وفي نفس الوقت المحافظة على التفوق في البحر والجو والتعاون بين القوات لإحراز النصر في المعركة. وظهرت الأشكال الحديثة لحرب المعلومات من خلال الحرب الأهلية الأمريكية حيث كان أول استخدام تكتيكي للتلغراف في يونيوعام ( 1861م). وتطور استخدام حرب المعلومات خلال الحرب العالمية الثانية حيث ظهرت كتابة الرسائل بالشفرة واختراع الرادار، بالإضافة الي الاستخدام المكثف لوسائل الحرب النفسية متمثلة في الإذاعات الموجهة وحرب المنشورات لدرجة أن الألمان النازية خصصت وزارة للدعاية، بالإضافة لذلك فقد بداء استخدام الحرب الإلكترونية.
في السنوات الأخيرة، وسعت وثيقة الأمن القومي الأمريكي نطاق المصالح الاستراتيجية الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار الفضاء الإلكتروني والفضاء كبعد جديد لمصالحها الاستراتيجية في عصر المعلومات، كما تنتهج سياسة هجومية استباقية في فضاء المعلومات من أجل متابعة موقف مهيمن شامل. وقال خبير السياسة الخارجية ديفيد روثكوبف، إن تكنولوجيا المعلومات تغير وجه العالم، وباعتبارها القوة العظمى الوحيدة للمعلومات في العالم، يجب على الولايات المتحدة إتقان اتجاه تطوير البنية التحتية العالمية للمعلومات والتحكم في تدفق المعلومات. وإن التفاوت في القوة المعلوماتية بين الصين والولايات المتحدة يجعل التهديد الصيني الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة غير متكافئ مع الاخيرة.
منذ انشاء العلاقات الصينية ـ الامريكية لم يتم حل مشكلة انعدام الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وأشار كينيث ليبرثال، خبير في شؤون الصين بمعهد بروكينغز الى أن على الرغم من الحوارات المتكررة بين الصين والولايات المتحدة، فإن صناع السياسة في البلدين لا يزال لديهم شكوك أكبر حول بعضهم البعض. كما أن المخطط الاستراتيجي الامريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ميلًا لاحتواء الصين زاد من شدة الشكوك بين البلدين. وتخضع القواعد العسكرية الصينية لمراقبة صارمة من قبل الأقمار الصناعية الأمريكية، كما نال تطوير قدرات الشبكة الصينية اهتماما وثيقا من الولايات المتحدة.حيث تعتقد الأخيرة أن تمتعها بمزايا العسكرية التقليدية، قد يجعل الأعداء المحتملين في القرن الواحد والعشرين يميلون بشكل متزايد الى استخدام وسائل غير متكافئة ضد الولايات المتحدة.
إن سياسة الاحتكار التكنولوجي التي تنتهجه الولايات المتحدة لمنع تطوير القدرات المعلوماتية الصينية خلق فجوة تكنولوجية ضخمة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الفضاء الإلكتروني، والمعلوماتي، حيث أن قوة الجيش السيبراني الأمريكي واتقان التكنولوجيا العالية ليستا نفس قوة الصين. وإن القوة الفائقة والاستراتيجية الهجومية للولايات المتحدة مكنتها من أخذ زمام المبادرة في حرب المعلومات المحتملة بين البلدين في المستقبل. وإن الصين في وضع سلبي بشكل عام، وستعاني من خسائر أكبر في هذه الحرب، حيث يمكن للولايات المتحدة استخدام بتوجيه من استراتيجية وقائية، قوتها الفائقة لاستباق نظام المعلومات الصيني.
لقد كانت الصين دائما محط اهتمام الولايات المتحدة في استراتيجيتها في الأمن العالمي. لكن، تقييم الولايات المتحدة لقدرات الصين هو التركيز أكثر على "الاحتمال" بدلاً من " الاستنتاج" الذي تم استخلاصه من خلال البحث القوي، فهو يحتوي على الكثير من التخمينات الذاتية.
كما أن الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، تتفوق بإمتياز في الفضاء التقليدي، والفضاء إلكتروني، والمعلوماتي، وهدفها لتوسيع الفجوة مع المنافسين المحتملين في مجال التكنولوجيا العالية والحفاظ على الفجوة واضح للغاية، وتنص (الرؤية المشتركة عام 2020) الصادرة عن هيئة الأركان المشتركة في وزارة الدفاع الأمريكية عام 2000، على أن القوات الأمريكية تكون قادرة بمفردها أو بمشاركة من الحلفاء على ايقاع الهزيمة بالخصوم والسيطرة على سائر السيناريوهات العسكرية الممكنة.
أعتقد أن فضاء المعلومات الذي يتمحور حول الفضاء الإلكتروني والفضاء هو الثروة المشتركة للبشرية جمعاء، والكثير من أصحاب البصيرة يطالبون بتعميق التعاون في هذه المجالات لبناء نظام جيد في مجتمع المعلومات العالمي، وإن التعاون بين الصين والولايات المتحدة في هذه المجالات باعتبارهما أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم سيعزز الحوكمة العالمية لمساحة المعلومات والقضاء على المخاطر الامنية التي يواجهها العالم.