بكين 17 ديسمبر 2020 (شينخوا) في الأساطير الصينية القديمة، طارت السيدة الخيالية تشانغ آه إلى القمر بمفردها، وأصبحت إلهة هناك ولم تعد أبدا إلى الوطن.
وفي الساعات الأولى من اليوم (الخميس)، هبط المسبار الصيني تشانغ آه-5 بنجاح في منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم بشمال الصين بعد أكثر من 20 يوما من استكشاف القمر الطبيعي الوحيد للأرض على بعد حوالي 400 ألف كيلومتر. وقد أعاد أول دفعة من العينات من سطح القمر منذ 44 عاما وتحديدا منذ المسبار السوفيتي لونا 24 في 1976.
ومع إكمال الصين أخيرا برنامجها المستمر منذ 16 عاما لاستكشاف القمر، وهو جزء من مشروع تشانغ آه، تكون البلاد قد حققت مجموعة كبيرة من الاختراقات التكنولوجية خلال الرحلة الفضائية التاريخية.
على سبيل المثال، مكّنت الصين مركبة فضائية (مسبار صاعد) من جمع عينات من التربة من القمر تلقائيا، انطلقت من جسم خارج كوكب الأرض والتحمت بمجموعة المركبة المدارية-العائد في المدار القمري قبل العودة إلى الأرض.
لقد كان عاما مزدهرا بالابتكار التكنولوجي الفضائي في الصين حيث شهد أيضا إكمال نشر استغرق 30 عاما لنظام بيدو-3 للملاحة عبر الأقمار الصناعية. ويقدم هذا النظام الآن خدماته مجانا للمستخدمين العالميين.
وتمثل مغامرة الصين القمرية أيضا خطوة جديدة جريئة للجنس البشري من أجل فهم أفضل للقمر وفك رموز الفضاء الخارجي.
وحتى الآن، أطلق العالم حوالي 130 مهمة مأهولة أو غير مأهولة إلى القمر. اتسم الاستكشاف المبكر في الستينيات والسبعينيات بسباق فضائي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. وبدأت الموجة الثانية من الاستكشاف في القرن الـ21 بعد أن اكتشف العلماء في التسعينيات أن الماء قد يكون موجودا على القمر.
لقد هبط المسبار تشانغ آه-5 في منطقة غير مستكشفة من القمر تسمى أوشيانس بروسيلروم باللاتينية أو محيط العواصف. هناك، عينات التربة والصخور التي استعادها المسبار الروبوتي الصيني هي أصغر بكثير من تلك التي جمعتها البلدان الأخرى في بعثاتها السابقة إلى القمر بمليارات السنين. وهذا يمكن أن يساعد البشرية على حل المزيد من ألغاز تاريخ القمر.
وعلى الرغم من أن قصة تشانغ آه الخيالية قد تم تناقلها جيلا بعد جيل في الصين لأكثر من ألف عام، إلا أن الصين هي دولة حديثة العهد في مغامرات الفضاء.
بيد أنها في السنوات الأخيرة لحقت بالركب بسرعة، وأصبحت رائدة في العديد من الجوانب. وفي هذا العام، بدأت الصين مسيرتها الجريئة إلى المريخ بإطلاق مسبارها المريخي "تيانون-1".
وبعد عدة أشهر من الطيران في أعماق الفضاء، قطع المسبار بالفعل أكثر من 100 مليون كيلومتر بعيدا عن الأرض، ومن المقرر أن يدخل مدار المريخ في فبراير من العام المقبل.
علاوة على ذلك، يمثل النجاح التاريخي لمهمة تشانغ آه-5 أيضا أحدث محاولة من جانب الصين للمساهمة في التعاون الفضائي الدولي.
وكما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ في المؤتمر الصحفي المنتظم مؤخرا، فإن الصين ملتزمة بالاستخدام السلمي للفضاء الخارجي وتجري التبادلات والتعاون في هذا الخصوص لتقاسم التقدم في مجال الفضاء مع الدول الأخرى.
وبعد الانتهاء من مهمة الالتقاء والالتحام، هبط صاعد تشانغ آه-5 على القمر حتى لا يتحول إلى حطام فضائي يمكن أن يعيق مسبارات متابعة استكشاف القمر مستقبلا.
وتتبنى الصين نهج الانفتاح والتعاون بشكل مسؤول لأنها تعتقد أن الفضاء الخارجي ليس مجالا لدولة واحدة فقط بل هو ملك للبشرية كلها.
وللأسف نرى أن بعض الدول الكبرى تدفع قدما اتفاقا مثيرا للجدل يسمح للموقّعين أو الشركات بإنشاء "مناطق سلامة" حصرية على سطح القمر، وتعتمد استراتيجيات لتسريع عسكرة الفضاء. ويتعين أن تُرفض مثل هذه الجهود الذاتية لمواصلة الهيمنة على الفضاء بحزم.
لطالما كان استكشاف أسرار الكون طموحا مشتركا للبشرية جمعاء منذ العصور القديمة عندما بدأ أسلاف البشر التحديق في السماء المضاءة بالنجوم ليلا.
وبينما يواصل الجنس البشري زحفه إلى الفضاء، سيكون القمر نقطة لتلك المغامرات المستقبلية. وفي تلك الرحلات الملحمية القادمة، تقف الصين على أهبة الاستعداد لأن تكون شريكا للجميع.