عقدت قمة مجلس التعاون الخليجي الثانية والأربعون في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية في 14 ديسمبر الجاري. وقبل ذلك، قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارة خمس دول خليجية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يزور قادة تركيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في الشرق الأوسط أيضًا دولًا في المنطقة بشكل متكرر.
يعتقد المحللون أن التفاعل المكثف لدول الشرق الأوسط في نهاية العام مدفوع بشكل أساسي بعاملين.الأول، الانتعاش الاقتصادي في "فترة ما بعد الوباء"، والثاني، الاستقرار الإقليمي في "حقبة ما بعد أمريكا". وتحرص جميع الدول على تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال التعاون وحل القضايا الإقليمية من خلال الاتصالات الدبلوماسية.
وشددت جميع الأطراف في قمة دول مجلس التعاون الخليجي على ضرورة استكمال بناء السوق الخليجية المشتركة في أسرع وقت ممكن وتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي بحلول عام 2025 في الموعد المحدد. وتضمن البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماع قضايا الوقاية من الوباء، ومكافحة الإرهاب، والصراع الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وقضية اليمن. كما صرح الجانب السعودي بأنه يأمل في إيجاد طريقة فعالة لحل الملف النووي الإيراني، وتطبيع العلاقات مع إيران.
كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل القمة، قد زار للتو دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى. وقد توصلت السعودية إلى عدد من اتفاقيات التعاون مع هذه الدول، كما اتفقت جميع الأطراف على التعامل مع الملف النووي الإيراني بما يساهم في الأمن والاستقرار الإقليميين.
بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين دول الخليج، فقد تفاعلت دول أخرى في الشرق الأوسط بشكل متكرر في الآونة الأخيرة. حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 12 إلى 13 ديسمبر، وأجرى محادثات مع ولي عهد أبو ظبي. وتعد هذه أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الإمارات، أعرب خلالها الجانبان عن رغبتهما في زيادة تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري.
زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قطر في 7 ديسمبر، وأجرى محادثات مع أمير قطر، تعهد خلالها الجانبان بتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون المالي، كما وقع الطرفان 15 اتفاقية.
زار مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان إيران في 6 ديسمبر، وكانت هذه الزيارة الأولى لمسؤول إماراتي رفيع إلى إيران منذ عام 2016. كما زار ولي عهد أبو ظبي تركيا في 24 نوفمبر، وكان هذا أول اجتماع رفيع المستوى بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا في السنوات الأخيرة. وقد وقع الطرفان 10 اتفاقيات تعاون.
يعتقد بعض المحللين أن نمط الشرق الأوسط يشهد سرعة في إعادة التنظيم في العامين الماضيين. وإن تفاعل مكثف لدول الشرق الأوسط في نهاية العام، من ناحية، يمكن اعتباره صورة مصغرة لإعادة التنظيم، ومن ناحية أخرى، يُظهر أيضًا أن التناقضات الثلاثة التي تم ترسيخها نسبيًا في الشرق الأوسط تميل إلى الضعف أو الذوبان.
أولاً، الصراع بين قطر والدول الأعضاء الأخرى داخل مجلس التعاون الخليجي
ظهرت الأزمة الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى مع قطر في يونيو 2017. وفي وقت لاحق، تم الحصار على قطر من قبل دول الخليج، لكن قطر لقيت الدعم من قبل تركيا. وبعد القمة الـ41 لدول مجلس التعاون الخليجي في يناير من هذا العام، شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول أخرى مع قطر ذوبان جليد بشكل تدريجي، كما تحسنت العلاقات بين تركيا والإمارات والسعودية.
ثانياً، الصراع بين الدول العربية وإسرائيل
أعلنت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وشهدت العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تطوراً سريعاً منذ بداية العام الجاري، كما زار وزير الخارجية الإسرائيلي مصر في أوائل ديسمبر الجاري. وأعرب بينيت خلال زيارته للإمارات عن أمله في أن تكون العلاقة بين البلدين مثالا يحتذى به في المنطقة بأسرها.
ثالثاً، الصراع بين السعودية وغيرها من الحلفاء الآخرين للولايات المتحدة وإيران
اتبعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى الولايات المتحدة في مواجهة إيران، وقطعت المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2016. ومع ذلك، منذ أبريل من هذا العام، أجرت السعودية وإيران أربع جولات من الحوار لتأسيس علاقة "جيدة" و "وثيقة". كما شارك خبراء سعوديون وإيرانيون في 13 ديسمبر في الحوار الأمني في العاصمة الأردنية عمان.
وأشار المحللون إلى أن التغييرات المذكورة أعلاه في نمط الشرق الأوسط مدفوعة بشكل أساسي بعاملين.
أولاً، ضرب الوباء اقتصادات بلدان المنطقة، وأصبح تحقيق الانتعاش الاقتصادي في أسرع وقت ممكن أولوية قصوى لجميع البلدان. وسواء كان تعزيز التعاون بين الدول العربية أو تحسين العلاقات بين الدول العربية وإيران وإسرائيل وتركيا، فإن أحد الأهداف الرئيسية هو توسيع مساحة التعاون الاقتصادي، بما في ذلك جذب الاستثمار، وتعزيز التعاون في التعليم والتكنولوجيا والطاقة، السياحة وغيرها من المجالات.
ثانياً، بعد أن تولى بايدن منصبه، بدأت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تتكيف واستؤنفت الاتصالات مع إيران، كما غيرت المملكة العربية السعودية ودول أخرى سياساتها تجاه إيران. كما بدأت دول الشرق الأوسط تشعر بالقلق بعد سحبت الولايات المتحدة قواتها على عجل من أفغانستان، حيث بات لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة، ويجب الاعتماد على قوة النفس في السعي لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
ومع ذلك، لا تزال هذه التغييرات في الشرق الأوسط مرحلية في الوقت الحاضر، ولا تزال بعض التناقضات الأساسية التي تؤثر على الوضع الإقليمي قائمة، ويبقى أن نرى إلى أين سيتجه الوضع في الشرق الأوسط في المستقبل.