القاهرة 27 ديسمبر 2022 (شينخوا) طوال العام 2022 سعت الحكومة المصرية جاهدة للحد من موجة التضخم المتصاعدة الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالميا نتيجة الصراع بين روسيا وأوكرانيا واستمرار انتشار جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19).
وباعتبارها الدولة العربية الأكثر سكانا وأحد أكبر مستوردي القمح في العالم، فقد ألقت أزمة ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميا بظلالها على الاقتصاد المصري بشكل خاص منذ اندلاع الصراع الروسي - الأوكراني في فبراير 2022.
وفي ظل هذا الضغط قررت مصر في أكتوبر الماضي خفض قيمة عملتها المحلية بشكل كبير مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 18.7% في نوفمبر الماضي مقارنة بـ 16.2% في أكتوبر السابق عليه، مسجلا أعلى مستوى له في خمس سنوات تقريبا.
نقص الدولار
وقال الخبير الاقتصادي المصري رشاد عبده، "صحيح إن الوضع صعب بالنسبة لمصر، لكنه صعب على مستوى العالم كله"، مستشهدا بالاحتجاجات الأخيرة في بعض الدول الأوروبية بسبب ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
بالإضافة إلى ذلك، عانت السوق المالية المصرية من نقص في العملة الصعبة أدى إلى تراجع سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي.
وجاء ارتفاع معدل التضخم في مصر بعد خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي مرتين هذا العام، آخرهما في 27 أكتوبر عندما خفض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه بنحو 14.5 في المائة.
ولاحتواء التضخم المتصاعد أعلن البنك المركزي في 22 ديسمبر الجاري رفع سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس.
وقال عبده لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "هناك مشاكل لكن الحكومة تعمل جاهدة على التصدي لها"، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تتخذ إجراءات لضبط أسعار السلع في السوق وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي".
دعم صندوق النقد الدولي
ولاقت خطوة مصر لتخفيض قيمة العملة تأييدا من صندوق النقد الدولي الذي وافق الأسبوع الماضي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمصر على مدى 46 شهرا كحزمة دعم.
وقال عبده، وهو رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إن مصر تعتمد على قرض صندوق النقد الدولي وطرح سندات دولية "لتضييق الفجوة التمويلية من العملة الأجنبية".
وأضاف "لقد رفعت الحكومة جاهدة سعر الفائدة لامتصاص السيولة المتاحة في السوق، وحركت سعر صرف الدولار الأمريكي ليكون مرنا ويتوافق مع احتياجات السوق ومتطلبات صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرض بقيمة 3 مليارات دولار".
وكشف صندوق النقد الدولي أن الموافقة على القرض، الذي أتاح صرف نحو 347 مليون دولار لمصر بشكل فوري، من المتوقع أن تحفز على تمويل إضافي لمصر بنحو 14 مليار دولار من شركائها الدوليين والإقليميين.
وقال أستاذ الاقتصاد المصري ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) فخري الفقي، إن قرض الصندوق يعد "شهادة ثقة" للاقتصاد المصري.
وصرح الخبير الاقتصادي لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن "مجتمع الأعمال الدولي كان ينتظر شهادة الثقة هذه، حيث سيقوم صندوق النقد الدولي بتقييم ومراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي في مصر مراجعة نصف سنوية على مدار السنوات الأربع المقبلة".
وأوضح الفقي أن حزمة دعم صندوق النقد الدولي، إلى جانب 14 مليار دولار متوقعة من شركاء آخرين لدعم مصر، ستعوض خروج "الأموال الساخنة" من السوق المصرية التي أدت إلى نقص العملة الأجنبية، كما أنها ستؤدي إلى احتواء التضخم في النهاية، مؤكدا أن "أساسيات الاقتصاد المصري قوية".
برنامج الإصلاح الاقتصادي
وأوضح صندوق النقد الدولي أنه يقدم الدعم المالي لمصر مقابل برنامج إصلاح اقتصادي تقوم بتنفيذه الحكومة المصرية، والذي بموجبه توافق مصر على تقليص دور الدولة في بعض الأنشطة الاقتصادية وتسهيل النمو الذي يقوده القطاع الخاص وغير ذلك.
وفي تجربة مشابهة، نفذت مصر برنامجا للإصلاح الاقتصادي مدته ثلاث سنوات بدأ في أواخر عام 2016 من خلال دعم بقرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وبفضل التمويل الجديد من صندوق النقد الدولي، يتوقع أن تتمكن مصر من إنهاء الطلبات المتراكمة من المستوردين والشركات للحصول على العملة الصعبة.
وأوضح الفقي أن التدفق المتوقع للعملة الأجنبية سيمكن الحكومة المصرية تدريجيا من إنهاء قوائم الانتظار لفتح الاعتمادات للمستوردين وتقديم التسهيلات للموردين الأجانب، مما يساعد رجال الأعمال في مصر على استيراد مستلزمات الإنتاج لمصانعهم.
وقال الخبير الاقتصادي المصري إن قرض صندوق النقد الدولي وقرار البنك المركزي بزيادة سعر الفائدة سيساهمان في إبطاء معدل التضخم تدريجياً خلال السنوات الأربع المقبلة إلى 4 - 5% كما كان من قبل، وهو ما يستطيع تحمله المواطن المصري البسيط.
وأضاف أستاذ الاقتصاد لـ (شينخوا) أنه "عندما تتوفر العملات الأجنبية في البنوك المصرية لرجال الأعمال، فإنهم لن يلجأوا إلى السوق الموازية الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى استقرار سعر الصرف وكبح السوق الموازية".