دخلت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والعديد من الدول الغربية منعطفا جديدا من التوتر الصعب في الآونة الأخيرة، من إصدار تحذيرات أمنية لبعضها البعض، إلى إغلاق العديد من القنصليات في تركيا، إلى استدعاء أنقرة سفراء تسع دول غربية.
لقد أشعل إحراق زعيم حزب “الخط المتشدد” الدنماركي راسموس بالودان نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم في 21 يناير هذا العام، فتيل هذه الجولة من الاضطرابات الدبلوماسية.
وفي هذا الصدد، أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً:" شهدت تركيا موقف السويد، لذلك يجب أن تكون الأخيرة على دراية بموقف تركيا. وإذا استمرت السويد في إيواء الإرهابيين ورفضت تسليمهم إلى تركيا، فلن توافق الأخيرة على طلب السويد الانضمام إلى الناتو أبدًا. "
بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، تقدمت فنلندا والسويد بطلب للانضمام إلى الناتو في مايو من العام الماضي لأسباب تتعلق بالأمن القومي. ووفقًا للوائح، يتعين على الناتو الحصول على موافقة بالإجماع من 30 دولة عضو لاستيعاب الأعضاء الجدد. لكن، تركيا عارضتها واتهمت فنلندا والسويد بدعم الجماعات التي وصفتها تركيا بـ "المنظمات الإرهابية".
قال قوه تشانغ تشانغ، مدير مركز الدراسات التركية بجامعة شانغهاي، ومدير معهد الدراسات التاريخية بأكاديمية شانغهاي للعلوم الاجتماعية:" قد يكون الموقف التركي من إثارة كراهية اليمين المتطرف في السويد، يليه حرق" القرآن"، الأمر الذي أثار بدوره خلافات دبلوماسية بين تركيا والغرب".
يعتقد لي شاوشيان، عميد الأكاديمية الصينية للدراسات العربية بجامعة نينغشيا، أن سبب "تعليق" تركيا مسألة انضمام السويد إلى المعاهدة، ليس بسبب فشل السويد في تلبية متطلبات تركيا لمكافحة الإرهاب فحسب، ولكن اعتبارات أخرى متعددة أيضًا. أولاً، ورقة ضغط على الولايات المتحدة لبيع مقاتلات من طراز F-16 إلى تركيا. ثانياً، ارسال تحذيرات إلى أوروبا من خلال معاقبة السويد، حيث أن الاخيرة هي الأكثر تمثيلا للدول الاوروبية غير راضية عن حكومة أردوغان وسياساتها. ثالثاً، إظهار تركيا أنها لا تمنع الناتو من التوسع شرقًا، لكن المشكلة تكمن في السويد. رابعاً، تقسيم فنلندا والسويد. خامساً، اعتبارات الانتخابات العامة.
واشار لي شاو شيان، إلى أن تركيا تدخل فترة غير عادية سياسياً مع اقتراب الانتخابات العامة في مايو المقبل. ويسعى أردوغان إلى إعادة انتخابه، وتحقيقا لهذه الغاية، فإنه سينتهز فرصة طلب السويد وفنلندا لدخول الناتو، ويسلط الضوء على التهديد الأمني الذي تشكله القضية الكردية لتركيا، ولا سيما الرد على المشاعر الداخلية في تركيا التي أثارها الاحتراق القرآن.
مضيفاً إلى أن أردوغان لن يقدم تنازلات أحادية الجانب بسهولة، ومن المتوقع أن يستمر الجمود الدبلوماسي بين الجانبين لبعض الوقت. ومع ذلك، لا يزال القتال دون كسر هو الوضع الأساسي للدراما الكبرى بين تركيا والغرب.
إن عدم استغناء الناتو عن تركيا، أمر واضح تماماً بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، حيث أن فقدان تركيا سيجعل خط الدفاع الشرقي لحلف الناتو شاغراً. وفي سياق الأزمة الأوكرانية على وجه الخصوص، أصبح دور تركيا أكثر بروزًا، فبمجرد أن تدفع الولايات المتحدة تركيا إلى روسيا، ستكون العواقب وخيمة. كما أنها مصدر جرأة تحدي أردوغان للغرب.
لكن، ستظل تركيا تميل إلى الغرب، حيث انه يتماشى مع اتجاه التنمية في المستقبل والمصالح الأساسية. وما يبدو على السطح من تقارب تركي روسي، ما هو إلا استراتيجية لتركيا لزيادة ثقلها لمواجهة التمييز ضدها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. ومن الناحية الأساسية، من المستحيل أن تسقط تركيا في حضن روسيا. بعبارات عامة، ستجلس تركيا بقرب من الغرب وحلف شمال الأطلسي وأوروبا، لكن يدها تمسك روسيا بإحكام، من أجل تعظيم فوائدها". قال لي شاو شيان، إن تركيا والغرب سوف يسعيان في النهاية إلى حل وسط.
ونظرًا لأن تركيا والدول الأخرى الأعضاء في الناتو لا تفتقر إلى المصالح المشتركة فحسب، ولكن ليس لديها أساس للهوية من حيث الثقافة أو القيم أيضًا، فإن الجمع بين الأطراف يكون لغرض الاستخدام المتبادل فقط. والأهم من ذلك، فإن الأمن الجماعي الذي ينادي به الناتو لا يمكن أن يغطي الأمن القومي لتركيا. لذلك، لم تعد مطالب تركيا الأمنية لحلف الناتو ملحة، وأصبحت رغبتها في الاستقلال الاستراتيجي قوية بشكل متزايد.
يعتقد قوه تشانغ تشانغ، أن سلسلة من الخلافات والنزاعات تكشف لنا أن تركيا لن تتعارض تمامًا مع الغرب في ظل عدم وجود ضمانات أمنية أخرى، ولكن على المدى الطويل، إذا لم يتمكن الطرفان من إيجاد توازن في المصالح، فإن الغرب سيتجاهل مصالح تركيا ومخاوفها الأمنية، ويفشل في الوفاء بوعوده، وتصبح تركيا والغرب، وخاصة حلف شمال الأطلسي، بعيدًا بشكل متزايد.