شهدت السنوات الأخيرة تقدما مطردا في عملية التكامل الاقتصادي في إفريقيا. ففي فبراير من هذا العام وخلال الدورة الـ37 لقمة الاتحاد الأفريقي، تم الإعلان عن إطلاق خطة تنفيذ العقد الثاني لـ "جدول أعمال عام 2063". وأعرب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس موريتانيا والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي عن التزام الاتحاد بتحريك إمكانات القارة الإفريقية، وتعزيز التكامل الاقتصادي والترابط بين الهياكل الأساسية، وتعزيز القدرة الإنتاجية الزراعية، والمضي قدما في تنفيذ خطة العقد الثاني بنجاح.
تأسست منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية رسميا في يوليو 2019 وبدأت عملياتها في يناير 2021. تهدف هذه المنطقة إلى خفض التعريفات الجمركية وإزالة الحواجز التجارية وتعزيز تنمية التجارة والاستثمار داخل المنطقة، وتحقيق التدفق الحر للسلع والخدمات ورأس المال في القارة الإفريقية وتشكيل سوق كبير يغطي 1.3 مليار شخص وذي حجم معاملات تجارية تقدر بـ 2.3 تريليون دولار أمريكي.
وفقا لتقرير التنمية الاقتصادية الإفريقية 2023 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية العام الماضي، توفر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية مزايا من خلال تسهيل الوصول إلى الأسواق الإقليمية وتعزيز سلاسل الإنتاج في جميع أنحاء القارة، مما يساعد القطاعات الصناعية في البلدان الإفريقية على الاستعداد بشكل أفضل للمنافسة العالمية.
والصين بوصفها أكبر شريك تجاري لإفريقيا، تدعم بنشاط عملية التكامل الاقتصادي الإفريقي وبناء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وقد شهدت السنوات الأخيرة توسعا في حجم ونوعية التجارة بين الصين والقارة السمراء. ووفقا لمؤشر التجارة الصيني الإفريقي الذي صدر لأول مرة في عام 2023، ارتفعت قيمة واردات وصادرات الصين إلى إفريقيا من أقل من 100 مليار يوان في عام 2000 إلى 1.88 تريليون يوان في عام 2022، بزيادة تراكمية بأكثر من 20 مرة. أما في عام 2023 فقد بلغ حجم التجارة بين الصين وهذه القارة مستوى قياسيا بلغ 282.1 مليار دولار أمريكي بزيادة سنوية قدرها 1.5٪. كما زادت واردات الصين من المكسرات والخضروات والزهور والفواكه من إفريقيا بنسبة 130٪ و 32٪ و 14٪ و 7٪ على التوالي على أساس سنوي. بينما ارتفعت الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتجات الكهروضوئية إلى هذه القارة بنسبة 291٪ و 109٪ و 57٪ على التوالي على أساس سنوي، مما يدعم بقوة التحول الأخضر في إفريقيا.
وشكلت الصين والأمانة العامة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية فريق خبراء معنيا بالتعاون الاقتصادي لتعميق تبادل السياسات والخبرات بشأن تيسير التجارة والاستثمار بين الجانبين. ويتواصل تعزيز التعاون بين الصين والقارة السمراء في مجالات بناء الهياكل الأساسية والتمويل التجاري والاستثمار الصناعي وتنمية المواهب، وبناء القدرات من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي في إفريقيا.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، قدمت الصين للقارة الإفريقية كل ما في وسعها من دعم إنمائي، وشاركت في بناء أكثر من 6 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وأكثر من 6 آلاف كيلومتر من الطرق، وأكثر من 80 مشروعا رئيسيا للمرافق الكهربائية. ومن بين هذه المشاريع، شاركت شركة تشاينا موبايل الدولية في الاستثمار وبناء مشروع كابل الألياف البصرية البحري 2Africa، الذي يحيط بهذه القارة بطول إجمالي يزيد عن 45 ألف كيلومتر، وسيصبح أطول كابل بحري في العالم بعد اكتماله. وسيلبي مشروع الكابلات البحرية بشكل أفضل طلب القارة الإفريقية على السعة العالية والموثوقية للإنترنت وسيعزز بشكل فعال التحول الرقمي للرعاية الصحية والتعليم والتمويل وسيوفر الدعم الرقمي للتكامل الاقتصادي للقارة.
في حوار قادة الصين وإفريقيا الذي عقد في أغسطس 2023، اقترحت الصين إطلاق "مبادرة دعم التصنيع في إفريقيا" ، وتنفيذ "خطة دعم الصين للتحديث الزراعي في إفريقيا" و "خطة التعاون في تدريب المواهب بين الصين وإفريقيا" من أجل تسريع عملية التكامل والتحديث في هذه القارة.
ووفقا للمقال الذي نشرته مجلة "القيادة الإفريقية" البريطانية، فإن المشاريع الاستثمارية الصينية في إفريقيا تشمل البنية التحتية واسعة النطاق مثل الطرق والموانئ ومحطات الطاقة، وتدعم النمو الاقتصادي للقارة وتنمية التكامل الإقليمي من خلال حل مشاكل البنية التحتية.
وقال جيمس موانغي الرئيس التنفيذي لمجموعة الأسهم الكينية بأن الصين هي مستثمر مهم في إفريقيا وأكبر سوق لصادراتها أيضا، وهو ما يدعم بقوة الدول الإفريقية في المشاركة في التجارة العالمية. كما ترحب إفريقيا بأدوات الدفع المالية المتقدمة والناضجة للصين لدخول أسواقها، الأمر الذي لن يساعد القارة على تحقيق التكامل المالي فحسب، بل سيضخ أيضا زخما جديدا في الترابط بين البنية التحتية المالية العالمية.