راشيا الوادي، شرق لبنان 11 أكتوبر 2024 (شينخوا) وسط ساحة فسيحة عند معبر المصنع الحدودي شرق لبنان وفي محيطها يتجمع يوميا آلاف من اللبنانيين والسوريين لإنجاز معاملات عبور روتينية إلى سوريا فرارا من القتال المتصاعد بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
وينتظر هؤلاء لساعات في طوابير طويلة في جو مليء بالتوتر والقلق والتدافع قبل العبور إلى سوريا سيرا على الأقدام من معبر المصنع الحدودي ليجتازوا بعده حفرة خلفتها الغارات الجوية الإسرائيلية في الطريق الدولي بين البلدين، وهم يحملون ما أمكن من أغراضهم على أكتافهم وفوق رؤوسهم.
وقصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية في الرابع من أكتوبر الجاري الطريق الدولي بين لبنان وسوريا عند نقطة المصنع، بحجة أن حزب الله يستخدمها لإدخال أسلحة من سوريا إلى لبنان، ما أدى إلى قطعها ووقف حركة المرور بين البلدين في الاتجاهين.
وقالت الخمسينية نجلا أبو حميد، وهي من بلدة الريحانية الحدودية بجنوب لبنان لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لقد مللنا الانتظار في هذه الساحة، حيث نمضي الساعات الطوال بانتظار دورنا في العبور إلى سوريا".
وأضافت المرأة، التي بدت مرهقة حزينة وهي تحتضن أطفالها الثلاثة أصغرهم بعمر شهرين، أن "حركة العبور بطيئة ومرهقة ومزعجة ويزيدها حرجا أبواق السيارات والحافلات المختلطة مع بكاء الأطفال ونداءات الأسر على أفرادها".
وتابعت "كلها عوامل ترفع من توترنا وتزيدنا غضبا لنشعر عندها بعدم اكتراث الجهات المعنية بنا بعدما هدمت منازلنا واحترقت أرزاقنا وتخلينا عن كل شيء طلبا للنجاة فقط".
وأظهرت سجلات العبور الرسمية على معبر المصنع أن عدد العابرين من لبنان إلى سوريا حتى العاشر من أكتوبر الجاري تجاوز 196 ألف نازح سوري وحوالي 65 ألف لبناني.
فيما أعلنت وحدة إدارة مخاطر الكوارث الحكومية في لبنان قبل أيام أن أكثر من 400 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا في الفترة من 23 سبتمبر عندما كثفت إسرائيل غاراتها على لبنان وحتى 5 أكتوبر.
وشملت هذه الحصيلة 300 ألف و774 مواطنا سوريا و102 ألف و283 لبنانيا، وفق وحدة إدارة مخاطر الكوارث.
وقال مصدر مسؤول في الأمن العام اللبناني فضل عدم ذكر اسمه، "إنه من الصعب إحصاء عدد النازحين من لبنان إلى سوريا في هذه الفترة لأن نسبة كبيرة منهم اختاروا التوجه عبر مسالك جبلية وعرة غير شرعية بمساعدة مافيات عناصر مختلطة بين لبنانيين وسوريين".
وأضاف المصدر "أن العبور اليومي من نقطة المصنع إلى سوريا يتراوح ما بين 800 إلى 1000 نازح".
ويعد العبور من لبنان إلى سوريا "مرهقا" بالنسبة للبناني سامر حمادي النازح من إحدى قرى البقاع الغربي شرق لبنان.
وقال حمادي ل((شينخوا)) "إن إنجاز العبور إلى سوريا يمر بثلاث مراحل متعبة، الأولى تتمثل بإنجاز معاملات المرور الرسمية عبر نقطة المصنع في ظل تزاحم غير معهود".
أما المرحلة الثانية فتتمثل في صعوبة اجتياز الحفرة التي أحدثتها الغارات الإسرائيلية على الطريق الدولي بعمق يبلغ نحو خمسة أمتار وبطول حوالي 100 متر ثم قطع مسافة تمتد حوالي كيلومترين للوصول إلى معبر جديدة يابوس الحدودي السوري، وفق حمادي.
وأضاف "أن المرحلة الثالثة تتمثل في تحكم أصحاب سيارات النقل الخاص في الجانب السوري، الذين استغلوا الوضع السائد فعملوا على رفع بدل النقل 5 أضعاف من المعبر الحدودي السوري إلى داخل سوريا".
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد وجه خلال ترؤسه الاجتماع الأول للحكومة الجديدة في أواخر سبتمبر الماضي بالوقوف مع اللبنانيين من دون تردد.
وعلى غرار حمادي، أعربت الفتاة العشرينية رويدا الخطيب، وهي من إحدى قرى مرجعيون بجنوب لبنان "عن قلقها من رحلة النزوح الطويلة البعيدة ومجهولة المصير".
وقالت الخطيب لـ((شينخوا)) "قررت مرغمة التوجه إلى سوريا بعدما لم أجد مكانا يأويني ووالدي العاجزين، ناهيك عن وضعنا المادي الصعب".
وأضافت "استعنت بعناصر الصليب الأحمر اللبناني لمساعدة والدي في اجتياز حفرة المصنع".
وتابعت الفتاة "أن رحلة النزوح سيرا على الأقدام بين بوابة المصنع اللبنانية ومعبر جديدة يابوس في الطرف السوري المقابل مرهقة، حيث يتحرك النازحون بخطوات ثقيلة تجعل من كل خطوة عبئًا مضاعفًا يشعرهم بأن الطريق طويلة ولا نهاية لها".
وبدا الإرهاق واضحا على وجوه النازحين، خاصة الأطفال الذي نام بعضهم في أحضان أمهاتهم أو في جوانب الطرقات، فيما افتقد العديد من الأسر الماء ورغيف الخبز وسط قلق ينتابهم في رحلتهم الطويلة الشاقة، بحسب النازحة من النبطية بجنوب لبنان إلى سوريا دلال فحص.
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ 23 سبتمبر الماضي هجوما على لبنان أطلق عليه اسم "سهام الشمال"، في حين يشن حزب الله في المقابل هجمات صاروخية على قواعد ومواقع إسرائيلية في تصعيد خطير للقصف المتبادل بينهما منذ الثامن من أكتوبر 2023 على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة.
ومنذ مطلع أكتوبر الجاري ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات برية محددة ضد أهداف لحزب الله بالقرب من الحدود مع جنوب لبنان، وسط تكثيف غاراته الجوية وقصفه المدفعي، خاصة على ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب اللبناني.
وأمام هذا التصعيد لم يكن أمام آلاف اللبنانيين سوى النزوح نحو سوريا رغم العقبات والتحديات .
وقالت الفتاة العشرينية سلمى أبو داوود "لقد هالني حقا عذاب الناس في اجتياز حفرة أحدثتها الغارات الإسرائيلية، وقد أمضيت وقتا أتأمل إصرار كبار السن والعجزة على التسلق والتسلل بين الصخور والحجارة والشظايا المبعثرة، حيث يمد الرجال أيديهم للنساء وكبار السن، ويأخذون بيد الأطفال لحمايتهم من السقوط في هذه الحفرة اللعينة".
وتابعت "كان الغبار يتصاعد من حولهم مع كل خطوة، مما يزيد من صعوبة التنفس، بينما يلهث البعض من التعب الجسدي والنفسي، والعرق يتصبب من جباههم".
وبجانب تعب الرحلة والإرهاق، تنتظر النازحين تحديات أخرى داخل سوريا، وفق الخمسيني جمال الحاج، الذي دمر متجره الكبير في إحدى بلدات بنت جبيل جنوب لبنان جراء الغارات الإسرائيلية.
وقال الحاج لـ(شينخوا) "أعتقد أن النازحين اللبنانيين المتوجهين إلى سوريا سيواجهون تحديات كبرى تتعلق بتأمين السكن والمستلزمات الأساسية مثل الطعام والدواء".
وأضاف "سيجد هؤلاء أنفسهم بين مطرقة الحرب في لبنان وسندان الأوضاع الإقتصادية الصعبة في سوريا".
واستطرد قائلا "لكن مهما كانت الصعوبات والعقبات، فالهم الأول يبقى الهروب من قذائف العدو الإسرائيلي الحاقد التي لا تفرق بين البشر والحجر".