بكين 23 ديسمبر 2024 (شينخوا) على مدار عام 2024، عملت الصين والدول العربية بنشاط على تنفيذ التوافقات التي توصل إليها قادة الجانبين، حيث حققت الشراكة الثنائية نتائج بارزة في المجالات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية والتجارة الخارجية، والمجالات الحديثة مثل تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة، فضلا عن تعزيز التبادلات الثقافية والتعليمية والسياحية، مما يساعد على تعميق التعاون العملي وتعزيز التبادل الشعبي بين الجانبين.
في 30 مايو عام 2024، عُقد الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي في العاصمة الصينية بكين، حيث قرر الجانبان بذل جهود مشتركة لتسريع بناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية نحو العصر الجديد، وبناء نموذج للعلاقات يستند إلى المنفعة المتبادلة والفوز المشترك والتعلم المتبادل والتقدم المشترك.
طرحت الصين أثناء الاجتماع "الأطر الخمسة للتعاون" لرسم مخطط تنمية العلاقات الصينية-العربية والتي تشتمل على إطار أكثر ديناميكية للابتكار، وإطار موسع للتعاون في الاستثمار والمالية، وإطار متعدد الأوجه للتعاون في مجال الطاقة، وإطار أكثر توازنا للعلاقات الاقتصادية والتجارية متبادلة المنفعة، وإطار أوسع للتبادلات الشعبية.
وفيما يتعلق بالاستثمار بين الصين والدولة العربية، تعد الشراكة بين الصين والمملكة العربية السعودية مثالا بارزا. ففي سبتمبر عام 2024، ذكر وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبدالعزيز الفالح أن هناك حوالي 750 مشروعا مشتركا أو شركة صينية تعمل حاليا في المملكة. كما تواصل التجارة بين الصين والسعودية تحقيق نمو سريع، حيث تجاوز حجم التجارة بين الجانبين العام الماضي 100 مليار دولار أمريكي، ويمتد هذا الاتجاه الصعودي إلى النصف الأول من عام 2024.
في عام 2024، شهد التعاون بين الصين والدول العربية في قطاع الطاقة تقدما ملحوظا نحو تكامل أكبر. وفي نوفمبر الماضي، انطلقت أعمال بناء المرحلة الثانية من مشروع "قولي" المتكامل للتكرير والبتروكيماويات في مجمع قولي للبتروكيماويات في مقاطعة فوجيان بجنوب شرقي الصين. ويعد المشروع نموذجا للتعاون الصيني-العربي في مجال الطاقة، باستثمارات إجمالية تقارب 71.1 مليار يوان (حوالي 9.73 مليار دولار أمريكي).
تشير التقديرات إلى أن قيمة الإنتاج السنوي للمشروع ستصل إلى نحو 80.8 مليار يوان. ومن المتوقع اكتمال بناء المشروع وبدء تشغيله بكامل طاقته بحلول نهاية عام 2030، حيث سيقدم 5 ملايين طن من المواد الخام لمجمع قولي سنويا، ما سيساعد على تحسين السلسلة الصناعية للمجمع ودفع تنمية الصناعة على نحو متطور وذكي وأخضر.
وفي أغسطس، تم الانتهاء من أعمال بناء منصة تجميع ونقل النفط والغاز لشركة أرامكو السعودية، والتي بنتها شركة هندسة النفط البحري (تشينغداو) المحدودة التابعة للشركة الوطنية الصينية للنفط البحري، وتم تسليمها في مدينة تشينغداو بمقاطعة شاندونغ شرقي الصين.
وتعد هذه المنصة من أكبر المنصات البحرية للنفط والغاز في العالم من حيث قدرات التجميع والنقل. وستستخدم المنصة بشكل أساسي لتجميع ونقل النفط والغاز المستخرج من البحر إلى الأرض لمعالجته. ويمكنها جمع ونقل 24 مليون طن من النفط الخام و7.4 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب كل عام.
وباعتبارها أول شركة صينية يتم إدراجها في القائمة المختصرة للاتفاقيات طويلة الأجل لتطوير المشاريع في قطاعي النفط والغاز البحريين لشركة أرامكو السعودية، فإن مشروع المنصة هو أول مشروع لشركة أرامكو السعودية تنفذه شركة هندسة النفط البحري المحدودة باعتبارها المقاول العام.
وفي عام 2024، شهدت الصين والدول العربية نتائج بارزة في التعاون الاستثماري والمالي. ففي أكتوبر أعلنت بورصة هونغ كونغ عن خططها لفتح مكتب خاص لها في العاصمة السعودية الرياض في عام 2025، بهدف تعزيز وجود البورصة في منطقة الشرق الأوسط وتعميق الروابط بين الصين ومنطقة الخليج وخلق فرص جديدة للزبائن والمصدرين العالميين.
وفي الشهر نفسه، تم طرح اثنين من صناديق التداول في السوق المالية السعودية (تداول)، حيث يعتبر ذلك علامة مهمة لارتباط سوقي رأس المال بين هونغ كونغ والسعودية. وأصبح صندوق البلاد "سي سوب إم إس سي آي" المتداول أول صندوق متداول في البورصة السعودية يتتبع سوق الأسهم في هونغ كونغ، كما أنه الأكبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأ تداوله بحجم أولي يتجاوز 1.2 مليار دولار أمريكي.
وعلى جانب آخر، شهد عام 2024 إنجازات في مجال التعاون الفضائي، حيث أحرز الجانبان إنجازات في مجالات تطوير وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، ومشاركة البيانات وتطبيقاتها، فضلا عن التبادل الفني وتدريب المختصين في علوم وتكنولوجيا الأقمار الصناعية.
وفي 11 نوفمبر الماضي، أطلقت الصين صاروخا حاملا على متنه 15 قمرا اصطناعيا، منها قمر اصطناعي للاستشعار عن بعد لسلطنة عمان. وسيستخدم هذا القمر الاصطناعي في عمليات المسوحات التفصيلية للأراضي والتخطيط العمراني ومسوحات الغابات ورصد الكوارث.
وفي ظل التعاون المستمر لمكافحة التصحر، أعربت الصين في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب-16) الذي اختتم مؤخرا في الرياض، عن دعمها لأهداف السعودية الطموحة التي تتمثل في خفض الأراضي المتصحرة إلى النصف بحلول عام 2040، وأعربت الصين عن استعدادها لتقديم الدعم التقني لتنفيذ "مبادرة السعودية الخضراء" ومبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" اللتان تهدفان إلى زراعة 10 مليارات شجرة في السعودية وزراعة 40 مليار شجرة إضافية في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود القادمة.
وبالنسبة إلى التعاون في مجال التعليم المهني، أنشأت الصين 17 ورشة لوبان في 15 دولة أفريقية من بينها جيبوتي ومصر والمغرب، تقدم تدريبات في 30 تخصصا تشمل تكامل الهندسة الميكانيكية والإلكترونية وتشغيل السكك الحديدية والطب الصيني التقليدي، بما يتناسب مع إستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية في تلك الدول لتنمية هذه القطاعات.
وفي عام 2024، اكتسب تعلم اللغة الصينية شعبية متزايدة بين الشباب في الدول العربية. وحسب بيانات رسمية، فتح ما يزيد عن 50 جامعة ومعهدا في الصين أقساما للغة العربية، كما أنشأت الصين 21 معهد كونفوشيوس ودورتي كونفوشيوس في 13 دولة عربية، وأدرجت الإمارات والسعودية ومصر وغيرها من الدول العربية تعليم اللغة الصينية ضمن برامجها التعليمية الوطنية.
وفي يوم 28 نوفمبر الماضي، وقعت سلطنة عمان مع الصين خطة تعاون في مجال تعليم اللغة الصينية، حيث سيطبق تعليم مادة اللغة الصينية اختياريا في أربع مدارس حكومية، مما يتيح مزيدا من فرص التنمية للشباب واليافعين في سلطنة عمان، ويضخ زخم نمو جديدا في العلاقات بين الصين والدول العربية عامة ودول الخليج خاصة.
وقد أدرجت السعودية اللغة الصينية ضمن دوراتها التعليمية كثاني لغة أجنبية رسمية لها. وفي سبتمبر الماضي، استقبلت جامعة اللغات والثقافة ببكين الدفعة الأولى من المعلمين السعوديين لتعليم اللغة الصينية لبدء دورة تدريبية لمدة عام واحد، التي تعد جزءا من برنامج تدريب معلمي اللغة الصينية المحليين في السعودية في إطار التعاون بين البلدين. وفي أغسطس السابق، توجه 175 معلما صينيا للغة الصينية بعد إتمامهم لدورة تدريبية، إلى السعودية لبدء عملهم هناك.
أما بالنسبة إلى الإمارات، استقطب مشروعه حول تدريس اللغة الصينية في مائتي مدرسة ما يزيد عن 70 ألف طالب وطالبة في 171 مدرسة بمختلف أنحاء الإمارات. وفي مقابلة حصرية أجرتها وكالة أنباء شينخوا مؤخرا مع سفير دولة الإمارات لدى الصين حسين بن إبراهيم الحمادي، قال السفير إن التبادل التعليمي والثقافي يعد أحد المرتكزات الرئيسية للعلاقات الثنائية بين البلدين. مضيفا أن برامج التبادل التعليمي والثقافي شكلت قوة دفع رئيسية عززت العلاقات الإماراتية-الصينية، وفتحت آفاقا جديدة للتعاون الأكاديمي والثقافي بين البلدين.
في هذا السياق، قال سون ده قانغ، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان في بلدية شانغهاي بشرقي الصين، إن مجالات الثقافة والسياحة والتكنولوجيا أصبحت نقاطا رئيسية لتنمية التعاون بين الصين والدول العربية، وحققت نتائج بارزة، بما يساعد على البناء المشترك عالي الجودة لـ"الحزام والطريق" ودفع التعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والعربية والتقارب بين الشعوب.
وفي مجال السياحة، وبفضل سياسات الإعفاء من التأشيرة للمواطنين الصينيين التي نفذتها العديد من الدول العربية بما فيها المغرب والإمارات وقطر وتونس، إلى جانب فتح خطوط جوية مباشرة بين مدن صينية وكل من الرياض والدوحة والدار البيضاء، يتطلع المزيد من السياح الصينيين لزيارة الدول العربية.
وكشف وزير السياحة السعودي أحمد بن عقيل الخطيب أثناء مهرجان ترويج السفر السعودي الذي أقيم في بكين في أكتوبر الماضي، أن عدد السياح الصينيين الذين زاروا السعودية شهد نموا بمقدار أكثر من 40 في المائة بين عامي 2023 و2024، معربا عن تطلع بلاده لاستقبال السياح الصينيين وتقديم تجربة سياحية ملهمة لهم.
إن الصداقة بين البُلدان تكمن في تقارب الشعوب، ويكمن التقارب بين الشعوب في ارتباط القلوب. تطلعا إلى عام 2025، ستواصل الصين والدول العربية تعميق التعاون العملي وبذل جهود مشتركة لتعزيز التبادلات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية الثنائية وتعميق الفهم المتبادل والصداقة بين شعبي الجانبين.