الصفحة الرئيسية >> العالم

تعليق: ما هي آفاق الإنفاق الدفاعي الضخم لدول الاتحاد الأوروبي؟

شهد الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي ارتفاعا مستمرا على مدار العامين الماضيين، في ظل الأزمة الأوكرانية المطولة وتراجع التزام الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي. حيث أظهر تقرير جديد صادر عن وكالة الدفاع الأوروبية مؤخرًا، أن إجمالي الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي العام الماضي تجاوز التوقعات بمقدار 343 مليار يورو (402 مليار دولار أمريكي)، محققًا رقمًا قياسيًا جديدًا. وأشارت الوكالة إلى أنه من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الدفاعي إلى 381 مليار يورو بحلول عام 2025.

وكانت المفوضية الأوروبية قد أصدرت تقريرها "الاستعداد 2030" في مارس من هذا العام، بهدف ضمان امتلاك أوروبا قدرات دفاعية قوية بحلول عام 2030 من خلال تدابير مثل زيادة الاستثمار في صناعة الدفاع، وتشجيع المشتريات المشتركة، وتعزيز القدرة الإنتاجية العسكرية. ويتماشى هذا التقرير مع خطة "إعادة تسليح أوروبا" البالغة قيمتها 800 مليار يورو، والتي اقترحتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في الشهر نفسه، والتي تهدف إلى تعبئة موارد الاتحاد الأوروبي وتعزيز استقلالية الدفاع.

فما هي آفاق هذا الإنفاق العسكري الضخم؟ وهل سيحقق أمنًا حقيقيًا لأوروبا؟

يعتقد تسوي هونغ جيان، مدير مركز دراسات الاتحاد الأوروبي والتنمية الإقليمية بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، أن هدف الاتحاد الأوروبي لا يقتصر على معالجة مخاطر امتداد الأزمة الأوكرانية الحالية، و"التهديد الأمني" الذي تشكله روسيا، والضغوط الأميركية لتقليص الحماية العسكرية، بل يهدف أيضا إلى تحقيق تحول جيوسياسي طويل الأمد من خلال عمل أكثر استباقية من خلال الاستمرار في زيادة الإنفاق العسكري. مشيرًا إلى أن هناك عاملان رئيسيان خلف الزيادة الكبيرة في الانفاق الدفاعي للدول الاتحادي الاوروبي خلال العالمين الماضيين: أولاً، عززت الأزمة الأوكرانية تصور الاتحاد الأوروبي لـ"التهديد الأمني" الذي تُشكله روسيا، مما دفع العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد إلى زيادة إنفاقها الدفاعي. وتحديدًا، هناك تفاوتات إقليمية كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فالدول الأقرب إلى روسيا، مثل بولندا ودول البلطيق الثلاث، شهدت زيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي، بينما شهدت الدول الأبعد عن روسيا نموًا أقل، بل إن البرتغال وأيرلندا شهدتا انخفاضًا في ميزانيتيهما الدفاعيتين العام الماضي. ثانيًا، تريد الولايات المتحدة من حلفائها الأوروبيين تحمل مسؤولية أكبر في دفاعهم، وقد دعت دول الناتو مرارًا وتكرارًا إلى زيادة إنفاقها العسكري. وقد اعتمدت قمة الناتو التي عُقدت في لاهاي، هولندا، في يونيو "هدف الإنفاق العسكري بنسبة 5%"، والذي يُلزم الدول الأعضاء في الناتو بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي، هناك 21 دولة أعضاء في الناتو. وينعكس ارتفاع الإنفاق العسكري لأعضاء الناتو بشكل كبير في زيادة الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي.

ويرى تسوي هونغ جيان أن التوجهات الرئيسية للإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي تختلف في مراحل مختلفة. فعلى المدى القصير، سينصب التركيز على تجديد المخزون، وتحديدًا زيادة القدرة الإنتاجية للأسلحة القتالية الرئيسية، مثل الدبابات والطائرات، والطائرات المسيرة، وسيساهم ذلك في معالجة قيود الموارد الناجمة عن المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وضمان الأمن الدفاعي للاتحاد الأوروبي. وعلى المدى المتوسط، ستركز في البحث والتطوير، أي استجابة للوضع الميداني للأزمة الأوكرانية، ستزيد من البحث والتطوير في المعدات العسكرية مثل الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي وأسلحة الهجوم بعيدة المدى لتعويض أوجه القصور المكشوفة وتعزيز الفعالية القتالية. وعلى المدى البعيد، سيعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز تحول شامل ومنهجي في بنيته العسكرية. مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي كان يعتمد في السابق بشكل كبير على الضمانات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي المستقبل، ولتعزيز استقلاليته الدفاعية، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الانخراط في تطوير منهجي طويل الأمد لمكونات برمجية، مثل أنظمة القيادة، وأنظمة المعلومات، وأنظمة الاستخبارات، بالإضافة إلى تطوير وتصنيع الأسلحة والمعدات.

وحول إمكانية أن يحقق الإنفاق العسكري الضخم أمنًا حقيقيًا للاتحاد الأوروبي. يرى تسوي هونغ جيان أن لدى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالفعل قاعدة راسخة في مجال أبحاث وتطوير وتصنيع الأسلحة. لذلك، مع زيادة الإنفاق الدفاعي، ستُطرأ تحسينات كبيرة على الأسلحة، لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في المعدات، بل في البرمجيات. على سبيل المثال، كيف يُمكن بناء نظام دفاعي متكامل بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، ومعالجة أوجه القصور في القيادة والاستخبارات واللوجستيات، ومواكبة أحدث التطورات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي؟ كيف يُمكن تحسين جودة جيشه واكتساب خبرة قتالية عملية؟ وفي هذه القضايا، من غير المرجح أن تُترجم الاستثمارات الأولية إلى نتائج فعّالة. ويواجه الاتحاد الأوروبي تحديات كبيرة في ضمان فعالية استثماراته. علاوة على ذلك، لا تزال بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سواءً في الدوائر العامة أو السياسية، تُعارض الإنفاق العسكري المفرط. وإذا لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء، فقد تُسفر زيادة الإنفاق الدفاعي عن آثار جانبية، بل وعواقب عكسية.

خلص تسوي هونغ جيان، قائلاً، إن زيادة الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي وفر بعض الظروف الموضوعية لاستقلالية الدفاع في المستقبل، ولكن ما يفتقر إليه الاتحاد الأوروبي أكثر من غيره في الوقت الحاضر هو الظروف الذاتية: من ناحية، سوف تجد العديد من البلدان صعوبة في التخلص من اعتمادها الأمني ​​على الولايات المتحدة في الأمد القريب، ليس من حيث البناء المؤسسي فحسب، بل وأيضاً من حيث الاعتماد النفسي. ومن ناحية أخرى، مع كل هذه الأموال المستثمرة، من يستهدف تحديدًا؟ تُعدّ المخاوف الأمنية المتباينة ووجهات النظر المتباينة للتهديدات الأمنية بين دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين مشكلةً مُلحّةً داخل الاتحاد. وتُبدي دول البلطيق الثلاث قلقًا أكبر بشأن التهديدات الأمنية التقليدية القادمة من روسيا، بينما تُبدي دول جنوب أوروبا قلقًا أكبر بشأن التهديدات الأمنية غير التقليدية، كالإرهاب واللاجئين من الشرق الأوسط. ورغم وجود إجماعٍ أساسي داخل الاتحاد الأوروبي على أن روسيا تُمثل التهديد الرئيسي، إلا أن الغالبية العظمى من دوله غير مُستعدة لمواجهة طويلة الأمد أو حتى حرب مع روسيا. وينمو الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي بوتيرة متسارعة، ولكن إذا فشل في مساعدة الاتحاد على تجاوز تهديد روسيا وقيود الولايات المتحدة، فكيف يُمكن تقييم كفاءة وفعالية هذا الاستثمار؟ لذلك، بينما يبني الاتحاد الأوروبي قدراته بموضوعية، فإنه يفتقر إلى أهداف واضحة ومتسقة، وإرادة جماعية حقيقية، وتوافق متبادل بين الإرادة والقدرات.

صور ساخنة