بقلم ثريا لوه
بكين 11 ديسمبر 2012/ أصدر الرئيس المصري محمد مرسي يوم السبت الماضي إعلانا دستوريا جديدا، نص على إلغاء الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر المنصرم والذي أثار كثيرا من الجدل والاحتقان في البلد العربي. ولكن الإعلان الجديد أكد في الوقت نفسه على إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور في موعده المحددة في 15 ديسمبر الجاري.
وفي هذا السياق، قال محللون صينيون إن مرسي قدم بالفعل تنازلا من خلال إلغاء الإعلان الدستوري السابق، وباتت الكرة في ملعب المعارضة حاليا - ظاهريا على الأقل - وإن ظل مرسي ممسكا بزمام الأمور جوهريا، لاسيما فيما يتعلق بمسار مشروع الدستور الجديد.
وهذا الصراع المحتدم بين النخبة السياسية في مصر يضع البلد الواقع في الشرق الأوسط أمام مستقبل غامض وربما يؤثر، إلى حد ما، على المنطقة بأسرها، حسبما يرى محللون.
مرسي يتبع "إستراتيجية محددة" ويلقي الكرة في ملعب المعارضة:
يرى محللون صينيون أن التطورات الأخيرة في مصر جاءت نتيجة طبيعية لـ"إستراتيجية محددة" يتبعها مرسي، ولحالة الشد والجذب بين السلطة والمعارضة التي تترقب أية غلطة يرتكبها الرئيس المصري لتحقيق مكاسب سياسية قبل أن ينقشع غبار الاضطراب السياسي، لاسيما وأن قوى المعارضة لا ترضى بسقوط "ثمار الثورة" في أيدي القوى السياسية الإسلامية .
وفي هذا السياق، قال المحلل لي شاو شيان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الدراسات الدولية المعاصرة في الصين، إن توسيع الصلاحيات وإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور والإعلان الدستوري الجديد، "ما هي إلا خطوات متتالية ضمن إستراتيجية مرسي التي تهدف في نهاية المطاف إلى التحكم في عملية صياغة الدستور".
وقال الخبير إن مرسي أصدر الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر الماضي، والذي حصل بموجبه على صلاحيات واسعة تحصن قراراته من أية مراجعة قضائية، "بهدف أخذ زمام المبادرة لتعجيل وتيرة صياغة الدستور والسيطرة على عملية الصياغة، خشية أن تحل المحكمة الدستورية العليا الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وبالتالي يصبح اكتمال عملية الصياغة بعيد المنال وخارج السيطرة، فضلا عن أن إلغاء الإعلان الدستوري في حد ذاته لن يلحق أي ضرر بحكومة مرسي".
وأشار لي شاو شيان أيضا إلى أن مرسي لبى بالفعل بعض مطالب المعارضة حين ألغى الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر، و"ألقى الكرة في ملعب المعارضة التي إذا واصلت رفضها للاستفتاء على مشروع الدستور فقد يعتبر الشعب المصري أنها تعرقل عملية صياغة الدستور الجديد والإصلاح الاجتماعي بدافع مصالحها الخاصة".
الدستور يسير على طريق يفضله مرسي وسط تفاقم الخلافات مع المعارضة:
وفقا للإعلان الدستوري الأخير، فمن المقرر أن يتم الاستفتاء على مشروع الدستور في 15 ديسمبر الجاري، وإذا رفضت غالبية الشعب المصري الدستور الجديد، فسيتعين تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لوضع الدستور في غضون ثلاثة أشهر على أن تكمل عملها في مدة لا تتجاوز ستة أشهر.
وفي هذا الصدد، قال الخبير لي شاو شيان "إن مرسي مستعد على الأرجح لسيناريوهين أحدهما يتمثل في تمرير الإعلان الدستوري الجديد في الاستفتاء ، والآخر يتعلق برفض مشروع الدستور الجديد، إذ ستسير عملية صياغة الدستور على كل حال وفقا لطريق رسمه مرسي".
وبما أن هناك كثيرا من المؤيدين لمرسي وجماعة الأخوان المسلمين في مصر، يعد تمرير مشروع الدستور أمرا مرجحا، غير أنه إذا تم تمرير المشروع بالفعل، فقد تشهد البلاد احتجاجات واضطرابات مستمرة، حسبما قال محللون.
وحذر الخبير لي وي جيان، رئيس مركز دراسات غرب آسيا أفريقيا بمعهد الدراسات الدولية بشانغهاي، حذر من أن الاستفتاء قد يؤدي إلى انقسام عميق بين مختلف فئات المجتمع المصري، مضيفا أنه "في حال إجراء الاستفتاء في موعده، فقد يشارك فيه أنصار مرسي فقط، وربما لا تعترف المعارضة بالنتائج".
وأضاف الخبير أن "الليبراليين واليساريين رفضوا الإعلان الدستوري الجديد بالأساس، ولم يتوقعوا أن يرفض مرسي تقديم تنازلات بشأن إجراء الاستفتاء ويصر على إجرائه في الموعد المحدد دون مشاورات كافية معهم، ليحمل الاستفتاء طبيعة إجبارية"، ما زاد من الخلافات بين السلطة والمعارضة.
مستقبل غامض قد يؤثر على المنطقة:
لا تنحصر الخلافات السياسية في مصر بين السلطة والمعارضة فقط، فقد دخلت جهات أخرى على خط الأزمة السياسية ومن بينها القضاء، حيث رفضت بعض الهيئات القضائية الإشراف على الاستفتاء المقرر على مشروع الدستور الجديد، بعدما رفضت الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر.
ويرى المحلل ين قانغ، الباحث في معهد دراسة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، يرى أن هناك "علامات إيجابية على أن بعض القضاة في مصر قد يحتفظون بضبط النفس ويتعاونون في الاستفتاء على مشروع الدستور. وإذا تحول تركيز القضاء بشكل عام صوب الاستفتاء والدستور في حد ذاته، فقد يقع الوضع تحت السيطرة إذا التزم الجيش الحيدة وتمسكت الشرطة بضبط النفس. ولكنه إذا واصل المعارضون استهداف مرسي سياسيا، فلن يقبل الأخير ذلك بكل تأكيد".
وأعربت خه ون بينغ، مديرة قسم الدراسات الأفريقية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، عن عدم تفاؤلها إزاء الوضع في مصر مستقبلا، وقالت إن "المواجهة الخطيرة بين الإسلاميين والليبراليين لا يمكن تسويتها على الأمد القصير، وربما تستمر الاضطرابات لمدة طويلة".
وحذر الخبير لي وي جيان من أن "الاضطرابات الطويلة في مصر لن تصب في مصلحة البلد الواقع بالشرق الأوسط ، وقد تؤثر على استقرار المنطقة إلى حد ما".
ولفت الخبير إلى أن تأثير الأزمة السياسية الجارية في مصر على المنطقة يتركز على جانبين الأول يتمثل في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ومن المعروف أن وساطة مصر الأخيرة بين الطرفين أسهمت بصورة مباشرة في إنجاح التوصل إلى هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال النزاع العسكري الأخير. ولكن التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما يزال قائما لاسيما بعد أن ارتقت مكانة فلسطين وأصبحت دولة مراقبة في الأمم المتحدة، وهو أمر رفضته إسرائيل بشدة.
وأضاف لي وي جيان أن إزالة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحتاج إلى تدخل دولي إيجابي بسبب تفاوت القوة بين الجانبين، موضحا أن بإمكان مصر التأثير على فلسطين في إطار أية تدخلات دولية. ومن المرجح أن تتأثر محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين إذا انشغلت مصر بشؤونها الخاصة وسط غياب الاستقرار في الداخل.
وذكر لي وي جيان أن الجانب الآخر الذي قد يتأثر بالصراع السياسي الجاري في مصر يكمن في أن "يغير الغرب موقفه بعدما اعتبر مصر نموذجا ناجحا لحركة الربيع العربي، إذ تنحى الرئيس المصري السابق حسني مبارك طواعية عن السلطة، ولم تحدث في مصر اضطرابات شديدة وحرب كالتي شهدتها ليبيا، على سبيل المثال. وإذا استمرت الاضطرابات في مصر، فستشك دول العالم في النموذج المصري وتعتبره غير ناجح، ناهيك عن نموذج تغيير النظام ككل".
/مصدر: شينخوا/
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn