تعليق: جون كيري في المملكة العربية السعودية لرأب الصدع الذي يشوب العلاقات بين البلدين

عقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم 4 نوفمبر الحالي مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في الرياض بعد محادثات مع الملك عبد الله. وتعتبر زيارة كيري للمملكة الأولى من نوعها بعد فترة ليست طويلة من التصدع الذي أصاب العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقال فريدريك ويري باحث أول في برنامج الشرق الأوسط بمؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي، أن رفض السعودية تسلم مقعد العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي جاء لتعرب عن استيائها من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن رد فعل واشنطن جاء سريعا للغاية، وزيارة كيري إلى المملكة العربية السعودية هي لمحاولة إصلاح العلاقات بينهما.

وينعكس عدم رضا السعودية عن الولايات المتحدة بشكل رئيسي في أربعة جوانب: أولا، عجز الولايات المتحدة عن تحقيق أي تقدم في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، واستمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ثانيا، إخفاق الولايات المتحدة بوفائها بالتزاماتها في حل الأزمة السورية، والمملكة العربية السعودية لا تأمل استمرار مؤتمر جنيف الذي لا معنى له. ثالثا، استياء المملكة العربية السعودية من بدأ ذوبان جليد العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية، ورفض المملكة مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2. رابعا، عدم فهم السعودية للسياسة الأمريكية الغامضة اتجاه مصر.

تنتهج المملكة العربية السعودية سياسة مستقلة في شؤونها الخاصة، وسياسة خارجية معتدلة وواقعية. والمملكة العربية السعودية تهتم كثيرا بتنمية علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية، وتشارك بنشاط في الشؤون الإقليمية، وتلتزم بالوحدة العربية والتكامل بين مجلس التعاون الخليجي. وتشهدت المملكة العربية السعودية زيادة في نفوذها وتأثيرها على الساحة الدولية بصفتها دولة الطاقة الكبرى ودولة إسلامية كبرى. و إن دعم الولايات المتحدة تعاونها مع المملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من عملية محافظتها على مصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط..

وأشاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالعلاقات الأمريكية ـ السعودية ووصفها بالعلاقات المهمة والإستراتيجية والقوية في محاولة لرأب الصدع الذي يشوب العلاقات بين البلدين. وقال كيري خلال لقاء مع موظفي السفارة الأمريكية لدى السعودية أن تعامل المملكة العربية السعودية مع الأزمة المصرية الداخلية جعلها "قائدا" لدول العربية، وإن استقرار العلاقات الأمريكية ـ السعودية مهم جدا لعملية الانتقال السياسي وتحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف كيري:" لدينا أشياء مهمة للغاية، لنتحدث عنها لنضمن أن تكون العلاقات السعودية الأمريكية على المسار الصحيح، وتمضي للأمام ولنقوم بأشياء نحتاج تحقيقها." مشيرا إلى الأزمة السورية، والوضع في مصر والقضية النووية الإيرانية وعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

كما أكد كيري من جديد خلال محادثات مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية. وقد خففت وزارة الخارجية الأمريكية من القلق الخارجي حول العلاقات المتناقضة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ونقلت بعض وسائل الإعلام الغربية عن مسؤول من وزارة الخارجية الأمريكية قوله أن الخارجية الأمريكية لديها اتصالات مع كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية، وأصبحت هذه الاتصالات بشكل يومي وأساسي.

وكتب سايمون هندرسون زميل في برنامج الزمالة بيكر ومدير برنامج سياسات الخليج والطاقة بمعهد واشنطن في مجلة " السياسة الخارجية " الأمريكية يقول: " لا ينبغي على الولايات المتحدة الاستخفاف بالورطة التي قد توقعها فيها المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط." و قد أعرب مسؤول في الاستخبارات السعودية قبل شهر عن أن التخمر نقطة رئيسية في تحول العلاقات الأمريكية ـ السعودية. وتوقع سايمون هندرسون في مقاله أيضا العواقب العديدة التي قد تنجم من تدهور العلاقات الأمريكية ـ السعودية، من بينها خفض إنتاج النفط السعودي، التعاون النووي بين المملكة العربية السعودية وباكستان.

كما أعرب الكثيرون عن شكوكهم في إمكانية جون كيري تحقيق أهدافه من زيارته إلى المملكة العربية السعودية. ويعتقد بعض المحللين أنه منذ بداية الاضطرابات في شمال أفريقيا وغرب آسيا عام 2011، انفجرت التناقضات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط مثل البركان، وتعبت الولايات المتحدة من خسارتها في المنطقة، خاصة في التحول وتقرير مصيره بنفسه. وإن عدم التفكير في الظروف الإقليمية، والتمسك بالشكل الأعمى في الغطرسة العمياء والانتهازية والكيل بمكيالين هي الأسباب الجذرية العميقة التي تقف وراء التحديات التي تواجهها الدبلوماسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويبدوا أن الرحلة أو الرحلتين التي قام بها كيري في المنطقة غير قادرة على حل المشاكل العميقة الجذور.

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/