بقلم إلهام وانغ
بكين 26 نوفمبر 2013/ لقد آتت المقاربة الجديدة تجاه طهران أكلها على وقع اختتام مفاوضات استمرت أربعة أيام في جنيف توصلت خلالها إيران ومجموعة القوى الكبرى لإتفاق مرحلي تاريخي، رأى المحللون الصينيون أنه "يفتت حالة الجمود" بشأن البرنامج النووي الإيراني و"ينير الطريق" أمام إمكانية إيجاد حل نهائي للقضية الإيرانية.
وردا على الأصوات المتخوفة من الإتفاق، خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل ساعات ليقول إن الاعتماد على القوة أمر "سهل" لكنه لا يضمن أمن الولايات المتحدة، تصديقا لقول تشرشل "لا تأمن بأن الحرب سهلة وموفقة أبدا، فقد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن".
ولكن وسط ترحيب غالبية دول العالم ولاسيما العربية بالإتفاق لكونه يفتح ممر السلام أمام إيران والغرب ويسهم في الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط، لفت المحللون الصينيون إلى أنه لم يعد خافيا توجس البعض من العقبات والتحديات المستقبلية التي قد تعترض طريق إيران عند التطبيق الفعلي للإتفاق والتغيرات المحتملة التي قد تعرقل التوصل الى إتفاق نهائي.
-- تنازلات من أجل المصالح
وفي إجابتهم على السؤال المطروح على الساحة السياسية، لماذا تحقق اختراق في الملف النووي في هذا التوقيت بعدما ظلت الأزمة تراوح مكانها لعشر سنوات؟ يقول الخبراء الصينيون إن تقدم طهران وواشنطن بنية صادقة لحل القضية سلميا الآن ينبع أساسا من سعى وراء المصلحة الوطنية، وسأم من مفاوضات بلا جدوى، وعسرة اقتصادية في إيران، وتغير في رؤية القيادة الإيرانية الجديدة تجاه هذا الملف تحديدا.
فمن جانبه، ذكر لي شاو شيان, نائب رئيس الأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة أن الجانبين الإيراني والأمريكي أرادا وضع حد لمفاوضات شاقة ومضنية، إذ تعتقد واشنطن أنها باتت عاجزة على وقف برنامج إيران النووي عن طريق الإحتواء وممارسة الضغوط، فيما تواجه طهران تحديات جسام تتلخص في تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم والبطالة والعجز الكبير في الموازنة بعدما ظلت ترزح تحت وطأة العقوبات الاقتصادية وتأن تحت نير الضغوط الغربية, لذا تسعى إلى وقف أنشطتها النووية جزئيا مقابل تخفيف الغرب للعقوبات المفروضة عليها.
كما يرى تيان ون لين، الباحث في المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، أن أخذ الجانبين لمصالحهما في الاعتبار أفضى إلى تقديمها لتنازلات على طاولة المفاوضات: فالجانب الإيراني في أمس الحاجة لتخفيف العقوبات الغربية الطويلة الأمد, بالإضافة إلى النظر بجدية في تحسين العلاقات مع واشنطن. أما الجانب الأمريكي، فبدأ تركيزه الإستراتيجي يتحول إلى منطقة آسيا-الباسيفيك تدريجيا واهتمامه بالشرق الأوسط ينكمش شيئا فشيئا حيث لم تعد لديه القدرة الكافية على تسوية القضية الإيرانية بالقوة، ومن ثم رأى أن نهج "الهبوط الناعم " وسيلة عملية لحل المشكلة.
وأشار تيان إلى أن إقدام الإدارة الأمريكية على تقديم تنازلات بشأن إيران وقبولها بخطة "الأسلحة الكيميائية مقابل السلام" بشأن سوريا خير دليلين على حدوث نوع ما من اللين في الموقف الأمريكي تجاه البلدان المتشددة في الشرق الأوسط .
ومن جهته، صرح لي قوه فو، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد الصين للدراسات الدولية، بأنه منذ وصول الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى سدة الحكم في أغسطس الماضي طرأت تغيرات إيجابية على السياسة الخارجية لطهران, كان من أبرزها توقيع إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في 11 الشهر الجاري على خارطة طريق للسماح للمفتشين بتفتيش بعض المنشآت النووية, وتعهد الأولى بتعزيز شفافية برنامجها النووي، ما كان عاملا صب في اتجاه التوصل لهذا الاتفاق المرحلي.
-- دور الصين.. "زيت تشحيم" للمحادثات
وبشأن القضية النووية الإيرانية، أكد المحللون الصينيون أن الصين دائما ما تتمسك بموقف عادل وموضوعي, وتنشط في دفع المفاوضات للإسهام في تسوية القضية من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية حيث أصبح دورها يشكل "زيت تشحيم" في دفع عملية المفاوضات.
وأشار هوا لي مينغ، سفير الصين السابق لدى إيران، إلى أنه رغم أن الجدل في المحادثات النووية الإيرانية يتركز بشكل رئيسي بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن الصين تضطلع بدور مؤثر ولديها مكانة خاصة بين الدول الست لأنها تحظى بعلاقات طيبة مع كل من واشنطن وطهران. فعندما طفت على السطح بعض المشكلات التي لم يستطع الطرفان حلها في عملية التفاوض, لجأ كلاهما إلى بكين طلبا للمساعدة، فلعبت الصين في الواقع دور "زيت التشحيم" لتسهيل المفاوضات وضمان استمراريتها.
وألقى لي شاو شيان الضوء على الجهد الصيني المحموم قبل انعقاد هذه الجولة من الحوار في جنيف والمتمثل في إتصال الرئيس الصيني شي جين بينغ هاتفيا بروحاني لبحث التطورات وزيارة رئيس البرلمان الإيرانى علي لاريجاني للصين في أكتوبر الماضي لتبادل وجهات النظر مع الجانب الصيني, علاوة على اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الصيني وانغ يي فور وصوله جنيف مع وزراء خارجية بريطانيا وروسيا وفرنسا.
وأكد لي أن الصين، باعتبارها مفاوضا رئيسيا في مجموعة (5+1)، تحافظ على تواصل وتفاعل جيدين مع الأطراف المعنية الأخرى المشاركة في الحوار، وبالتالي تمكنت من لعب دور فريد وبناء لحل القضية، وخاصة عندما وصلت عملية التفاوض إلى طريق مسدود.
-- وعورة الطريق مستقبلا
ومع أن التوصل إلى الإتفاق المرحلي "فتت حالة الجمود" التي اعترت القضية على مدار العقد الماضي ودفعها قدما إلى المرحلة القادمة, إلا أن الطريق المؤدي إلى السلام النهائي مازال وعرا للغاية.
وأعرب لي شاو شيان عن اعتقاده بأن أكبر عقبة أمام إيجاد حل شامل نهائي للقضية النووية الإيرانية تتمثل في مسألة إصلاح النسيج المهترئ للعلاقات الأمريكية - الإيرانية، مؤكدا أنه إذا لم تتحقق اختراقة في علاقاتهما ، فسيصبح حل القضية دربا من الخيال والمستحيل.
وأوضح لي أن هناك عقبتان قد تحولان دون بلوغ هذه الاختراقة، أولهما الصراع الأيديولوجي بين الولايات المتحدة وإيران، وثانيهما مسألة الموارد بينهما, مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ليست مستعدة حتى الآن لتغيير موقفها المعادي لإيران ذات النظام الإسلامي فضلا عن عدم رغبتها في السماح لها بأن تلعب دور دولة كبري في الشرق الأوسط الذي يتبوأ مكانة هامة في قلب السياسة الدولية باعتباره منطقة ذات أهمية جيوسياسية.
وعلى صعيد آخر, رأى هوا لي مينغ أنه بالنظر إلى ضعف الثقة بين الولايات المتحدة وإيرن والضغوط الهائلة التي تواجههما داخليا، لا تزال عملية تسوية الملف النووي الإيراني تشهد مخاطر التراجع مستقبلا.
وأوضح لي قائلا "أولا في إيران, يواجه الرئيس المعتدل روحاني ضغوطا من قبل الأحزاب الإيرانية المتشددة التي لا تريد أن يصبح روحاني "بطلا " في عيون شعبه من خلال تخفيف العقوبات الدولية, بل تأمل في فشل جهوده الدبلوماسية. ثانيا, في الولايات المتحدة, يواجه أوباما اعتراضات من بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين يخشون من أن يؤدى تخفيف العقوبات على طهران إلى نتيجة عكسية تزامنا مع انتقاد الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، حليف واشنطن، للإتفاق ووصفه إياه بـ"الخطأ التاريخي".
وأكد هوا أن أهم محاور العملية المستقبلية تكمن في تطبيق الإتفاق، إذ أن إلتزام الأطراف المعنية بالإتفاق سيدفع بدوره المفاوضات إلى الأمام من أجل التوصل إلى إتفاق جديد لتشهد القضية عملية تسوية تنتقل من مرحلة إلى أخرى.
كما قال لي قوه فو إن القضية النووية الإيرانية بالغة التعقيد، وهو ما يجعل من حلها بين عشية وضحاها أمرا مستحيلا ، وبالتالي يتوقف الوضع مستقبلا على ما إذا كان يمكن للطرفين الأمريكي والإيراني تعزيز الثقة المتبادلة ورأب الصدع في علاقاتهما الثنائية.
واجمع المحللون الصينيون على أن الإتفاق المرحلي يتيح على أية حال زمانا ومكانا للأطراف المعنية لإيجاد حل سلمي وشامل ودائم للقضية النووية الإيرانية.
/مصدر: شينخوا/
1. حافظوا على القوانين، والانظمة المعنية التى وضعتها جمهورية الصين الشعبية، وحافظوا على الاخلاق على الانترنت، وتحملوا كافة المسؤوليات القانونية الناتجة عن تصرفاتكم بصورة مباشرة وغير مباشرة.
2. لصحيفة الشعب اليومية اونلاين كافة الحقوق فى ادارة الاسماء المستعارة والرسائل المتروكة.
3. لصحيفة الشعب اليومية اونلاين الحق فى نقل واقتباس الكلمات التى تدلون بها على لوحة الرسائل المتروكة لصحيفة الشعب اليومية اونلاين داخل موقعها الالكترونى.
4. تفضلوا بابلاغ arabic@peopledaily.com.cn آراءكم فى اعمالنا الادارية اذا لزم الامر.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn