بكين   مشمس جزئياً 28/16 

صور ساخنة

التصويت  |  الأخبار الساخنة

ما هو السبب الرئيسي في رأيك وراء الضباب الدخاني الكثيف في الصين مؤخرا؟

  • كثرة انبعاث السيارات
  • نوعية الوقود الرديئة
  • رداءة الطقس
  • احراق الفحم للتدفئة في الشتاء
  • المصانع الكثيرة في الصين
  • سبب آخر
    1. أخبار باللغتين الصينية والعربية 双语新闻
    2. الحياة في الصين: أسئلة وإجابة

    اللغة العربية في الصين الحديثة (2)

    2014:09:19.13:37    حجم الخط:    اطبع

    3- الدراسات العربية في الصين الحديثة

    إذا كان نجاح الصين في تعليم اللغة العربية معترفا به دوليا والجامعات والمعاهد الصينية قد أخرجت عددا كبيرا ممن يجيدون اللغة العربية ويخدمون البلاد في وظائف مختلفة، فإن شهرة الصين في البحوث العلمية الخاصة بالعلوم العربية ليست كبيرة عالميا، ولم تبلغ المنجزات البحثية للمستشرقين (أو المستعربين) الصينيين المستوى الأكاديمي لكبار العلماء في أوربا من حيث العمق والشمولية. وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب: أولا، لأن اللغة العربية دخلت إلى الجامعات الصينية في وقت متأخر نسبيا (في أربعينات القرن الماضي) وكذلك الدراسات العربية، لذا، لم يكن هناك رصيد كبير من التراكم العلمي حول العلوم العربية في الصين بحيث تنطلق على أساسه أجيال من الباحثين. ثانيا، لأن جمهورية الصين الشعبية مرت بفترات من التشنج الأيديولوجي بعد تأسيسها وكان أشدها ما يعرف ب "الثورة الثقافية" التي دامت أكثر من عشر سنوات، فوأدت التفكير الحر الذي يعتبر عنصرا أساسيا لأي نشاط أكاديمي، الأمر الذي ضيع سنين طويلة من الحياة العلمية لكثير من الباحيثين. وثالثا، لأن معظم الباحثين الصينيين في الدراسات العربية كانوا من خريجي كليات أو أقسام اللغة العربية، وكانت دراستهم متركزة على النواحي اللغوية أساسا، لذا، تنقص معظمهم الاستعدادات المعرفية اللازمة لإجراء بحوث علمية بشكل متعمق. ورابعا، لأن الاقتصاد السوقي المطبق في الصين حاليا يجعل السعي وراء المال شغلا شاغلا لكثير من الناس بمن فيهم المشتغلون باللغة العربية، وخاصة في تسعينات القرن الماضي، الأمر الذي قلل من عدد الذين يكرسون حياتهم للعلم.

    ولكن وجود هذه الأسباب السلبية لا تعني أن الباحثين الصينيين لم يحققوا نتائج قيمة، بل ينبغي القول إن هناك نخبة من العلماء ساهموا وما زالوا يساهمون مساهمة كبيرة في الدراسات العربية. وكان في مقدمتهم العالمان المسلمان الأستاذ المرحوم محمد مكين في جامعة بكين وزميله الأزهري الأستاذ عبد الرحمن ناجون في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين. أما محمد مكين فقد أمضى عشرات سنين من عمره في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وتمتاز ترجمته بدقتها وأمانتها ورقي أسلوبها، وبذلك تفوقت على الترجمات الأخرى السابقة واللاحقة والتي بلغت إحدى عشرة ترجمة في اللغة الصينية، وحظيت بإقرار الجمعية الإسلامية الصينية فصارت أكثر انتشارا في الصين. وبالإضافة إلى ذلك، أشرف محمد مكين على تأليف أول معجم عربي – صيني، وقام بترجمة بضع عشر كتاب منها "تاريخ العرب" لفيليب حتي، و"رسالة التوحيد" لمحمد عبده، و"تاريخ الفلسفة في الإسلام" للمستشرق الهولندي دي بور، و"كتاب الحوار" لكونفوشوس (إلى اللغة العربية)، كما نشر عشرات الأبحاث في الثقافة العربية الإسلامية. أما عبد الرحمن ناجون البالغ من العمر 95 سنة حاليا، فقد اشتهر بدراسته للتاريخ العربي والحضارة العربية، إذ ألف "تاريخ العرب" الذي يقع في مجلدين كبيرين، و"الحضارة العربية بين التوارث والتمازج" و"التاريخ الحضاري للبلدان الإسلامية"، وترجم "الإسلام والحضارة العربية" لمحمد كرد علي و"فجر الإسلام" لأحمد أمين كما أشرف على ترجمة "ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام"، ذلك إضافة إلى إشرافه على تأليف "اللغة العربية" بأجزائها العشرة التي شاع استعمالها بين طلاب العربية في الصين لسنوات كثيرة. وفي عام 2001، حصل الأستاذ ناجون على "جائزة الشارقة للثقافة العربية" الممنوحة من قبل منظمة اليونسكو والتي تبرع بها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة.

    وبرز بعد جيل الرواد هذا بعض الباحثين الكبار، ومنهم الأستاذ جونغ جي كون (صاعد) أستاذ بجامعة بكين والرئيس الحالي لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين. وقد صدر له جديدا "تاريخ الأدب العربي الحديث" الذي يقع في أكثر من ستمائة صفحة، تناول فيه الأدباء والشعراء في جميع البلدان العربية تقريبا بما فيها البلدان التي لا يرد ذكرها في مؤلفات الباحثين العرب، كما تناول كثيرا من الأدباء الذين ظهروا في المضمار الأدبي بعد ستينات القرن الماضي، لذا فكتابه قدم صورة كاملة إلى حد كبير عن الأدب العربي الحديث. وللأستاذ صاعد إسهامات علمية أخرى كمشاركته في تأليف "تاريخ الآداب الشرقية" و"معجم العربية الصينية" و"معجم الصينية العربية" وغيرهما من المعاجم والموسوعات، إضافة إلى ترجمته لمختارات الشعر العربي القديم، ومختارات من القصص المصرية الحديثة، ومختارات من قصص إحسان عبد القدوس وغيرها، وهو ينهمك حاليا في تأليف "تاريخ الأدب العربي القديم". وهناك عالم مهم آخر هو تشو وي ليه (عبد الجبار) أستاذ بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي ورئيس معهد الدراسات الشرق الأوسطية بالجامعة ورئيس التحرير لمجلة "العالم العربي". ومن مؤلفاته "الشرق الأوسط من منظور باحث صيني"، و"حقائق الثقافة المصرية القديمة"، و"معجم صيني عربي ميسر" وغيرها، كما ترجم روايات وأعمال ثقافية عربية عديدة. ويشتغل الأستاذ عبد الجبار في السنوات الأخيرة بدراسات استيراتيجية كدراسة ظاهرة الإرهاب والعلاقات الصينية العربية في كافة الأصعدة، ونشر حولها أبحاثا ومقالات كثيرة، كما يحضر دائما مؤتمرات وندوات دولية. وهو ينادي في مناسبات عديدة لبناء دراسات عربية ذات خصائص صينية في الصين، أي أن يكون للباحثين الصينيين موقف من القضايا العربية يختلف عن الموقف الاستشراقي الغربي.

    شهدت الدراسات العربية في الصين ازدهارا ملموسا بعد اتخاذ الدولة سياسة الإصلاح والانفتاح في أوائل ثمانينات القرن الماضي، وتتكون صفوة الباحثين من أساتذة في الجامعات وأكاديميين في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وفروعها في المقاطعات. وقد خاض كثير من الباحثين في الترجمة الأدبية أول الأمر، فنقلوا أكثر من مائة رواية عربية إلى اللغة الصينية خلال بضع وعشرين سنة الماضية، بما فيها عشرون عملا لنجيب محفوظ وحده، ولكن معظم هذه الكتب لم تحقق نجاحا كبيرا في السوق، لأن قراءها محصورون على دائرة الباحثين والمحبين للآداب الشرقية. أما النجاح الكبير الذي حققه الأدب العربي في الصين فيتمثل في أعمال جبران خليل جبران وكتاب "ألف ليلة وليلة"، حيث أنه ظهرت ترجمات كثيرة لمؤلفات جبران بما فيها ثلاث ترجمات للمجموعة الكاملة لأعماله، أما "ألف ليلة وليلة" فصدرت ثلاث ترجمات كاملة له إضافة إلى مختارات من حكاياته تزيد عن مائة نوع. وفي الدراسات الأدبية نشرت بعض المؤلفات مثل "التصوف في الأدب العربي الحديث"، و"ألف ليلة وليلة بين الأسطورة والواقع"، و"دراسة مقارنة للأدب العربي والأدب الصيني"، و"عاصفة من الشرق: دراسة لجبران خليل جبران" و"التغني للحب: دراسة لسعاد صباح". وفي الدراسات اللغوية ظهرت مؤلفات عديدة، مثل "البلاغة العربية" و"دراسة جديدة للبلاغة العربية"، و"علم المفردات العربية"، و"علم النصوص العربية"، و"تاريخ تطور اللغة العربية" و"اللغة العربية والحضارة العربية" وإلخ. أما حول الدراسات الثقافية فصدرت "تاريخ الفلسفة العربية" و"الاتجاهات الفلسفية العربية المعاصرة" و"التيارات الإسلامية الحديثة"، و"دراسة في الأخلاقيات الإسلامية"، و"الحضارة العربية الإسلامية في القرون الوسطى"، و"العرب واليهود عبر التاريخ"، و"تاريخ العلاقات الصينية العربية"، و"الصين في المخطوطات العربية" إلخ.

    بشكل عام، وبدون أي مجاملة، فإن معظم الباحثين الصينيين في الدراسات العربية يتعاطفون مع القضايا العربية (كدت أن أقول الموقف العربي، ولكن – ويا للأسف - هل هناك موقف عربي أم هناك مواقف عربية متضاربة دائما؟)، ولم ينبع هذا التعاطف من قناعتهم بأن القوة العربية في مصلحة الصين التي تدعو إلى تعددية الأقطاب فحسب، كما لم ينبع من التماثل الصيني العربي حضارة وروحانية ومعاناة وكفاحا فحسب، بل لأن اللغة العربية الجميلة أدت دورها في تقريبهم من العربي شعبا وثقافة. ولكن هذا التعاطف نفسه ولّد في بعض الأحيان في نفوسهم استغرابا وقلقا بل حزنا وغضبا لما آل إليه الوضع العربي العام، ولكن جدلية تاريخهم تلهمهم بعدم اليأس، فكم من مرة في تاريخ الصين المديد أشرف شعبها على حافة اليأس! ولكنها هبت وغلبت على اليأس وشقت طريقها إلى المستقبل، إلى الأمل. وجدلية التاريخ تلهمهم بأن العرب – كما يقول سعد الله ونوس – "محكومون بالأمل، لأن ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ."

    (نشرت هذه المقالة في مجلة حوار العرب، العدد16، مارس 2006) 


    【1】【2】

    تابعنا على