تعتقد صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مقال تحليلي نشرته مؤخرا، أن الغرب بقيادة امريكا تتراجع بهدوء عن مطالبهم بشأن تنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة. ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي كان يطالب بتنحي الرئيس السوري سابقا، اكتفى في حديثه الاخير عن القضية السورية بمطالبة الرئيس السوري بالتعديل السياسي فقط، ولم يعد يعزف على نفس الوتر القديم. واعتبرت الصحيفة أن تصريحات كيري مثيرة للاهتمام.
الواقع، أن جميع الجوانب السياسية والعسكرية والرأي العام توضح تراجع السياسة الامريكية عن مطالبة بشار الاسد بالتنحي عن السلطة. وبالتأكيد أن هذا التغيير لم يأت بين عشية وضحاها وإنما بسبب استمرار التأثيرات الداخلية والخارجية. أولا، اصرار المجتمع الدولي وبقوة على العدالة. حيث رفضت الصين التدخل الاجنبي ما ادى الى رفض حازم لقرارات مجلس الامن، و من ناحية اخرى، قامت بتنفيذ الوساطة الدؤوبة بين مختلف القوى السورية، مع توفير المساعدات والمعونات للشعب السوري.وإن اصرار الصين وبلدان اخرى على تجنب تكرار الاخطاء التي ارتكبت في ليبيا مرة اخرى في سوريا كبح زخم التدخل العسكري في ادارة الازمات، ومنع سفك الدماء على نطاق واسع.
ثانيا، الحذر من أصحاب المعرفة في الغرب. على سبيل المثال، أشار السفير البريطاني السابق في سوريا أندرو جرين بوضوح إلى أن تنفيذ سياسة تغيير النظام في سوريا سيكون "دون جدوى"، لان الغالبية العظمى من السوريين يؤيدون بشار الاسد. وكان جوشوا لانديس، خبير في شؤون سوريا في جامعة اوكلاهوما الأمريكية قد اتهم علنا السياسة الامريكية في سوريا بعد انتهاء الانتخابات في سوريا العام الماضي، وقال :" سوف يؤدي ذلك الى حرب اهلية في سوريا لا نهاية لها". وردا على ما قال روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا بأن بشار الاسد هو جذور الارهاب، أشار لانديس موضحا أن زيادة الفوضى في سوريا يزيد من التماسك بين الناس وبشار الاسد، حيث أن مواجهة هؤلاء للواقع يجعلهم يؤمنون بأن بشار الاسد الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار في البلاد.
وأخيرا، أداء المتطرفين الاسلاميين ومن يدعمهم في الكواليس. أصبح تنظيم " الدولة الاسلامية " هدف الضربات الجوية الامريكية، حيث قامت في وقت مبكر من العام الماضي باجتياح العراق وذبح الرهائن الامريكية والبريطانية، ما احرج امريكا. كما قام هؤلاء بتدمير الكنيسة في المناطق المسيطر عليها وداسوا على الصليب، مما تسبب العلم الاسود في اثارة ضجة في البيت الابيض.
ولكن، ما جعل امريكا تشعر بالانزعاج اكثر هو اداء حلفائها في الشرق الأوسط. حيث انضم العديد من "الجهاديين " الاوروبيين الى تنظيم " الدولة الاسلامية" عبر تركيا، وطلب الغرب من تركيا مرارا وتكرارا منع وصول " الجهاديين " الى سوريا خوفا من عودتهم الى اوروبا مرة اخرى، لكن تركيا دائما ما كانت تلتزم الصمت. وآخر مؤامرتها كادت أن تسحب امريكا الى حرب مع سوريا . ونقلت مجلة نيويوركر الأمريكية عن وكالة الاستخبارات المركزية، بأن تركيا من شن الهجمات بالأسلحة الكيميائية، بغرض جر امريكا الى الحرب مع سوريا . كما اشار تقرير نشرته " الديمقراطية في لحظة" وسيلة اعلامية امريكية مستقلة في مارس 2013، الى تورط أثرياء ومسؤولين من السعودية في تقديم الدعم لـ " جبهة النصر" التي تعتبرها امريكا منظمة ارهابية. وقال نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في جامعة هارفارد في اكتوبر العام الماضي عن طريق الخطأ: " حلفائنا في الشرق الاوسط هم مشكلتنا الكبرى في سوريا". و اجبرته الضغوطات الدبلوماسية على الاعتذار عن هذه الجملة.
إذا قلنا، أن هناك حوادث عديدة غير سارة في سوريا خلال السنوات الاخيرة قد تحفز امريكا، فإن حادثة شارلي في باريس مؤخرا هي العامل الحاسم الذي يقرر تغيير السياسة الأمريكية الموجهة لسوريا. واستيقظت الولايات المتحدة اليوم على حقيقة بأن تغيير النظام في سوريا بعيد عن متناول الغرب، وأن النمر ( التطرف الاسلامي) الذي يكبر في سوريا هو العدو لأمريكا والمجتمع الغربي باسره. وبالرغم من أن استيقاظ امريكا والغرب جاء في وقت متأخر نوعا ما إلا انه لا يزال موضع ترحيب.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني [email protected]