دعا وزير الداخلية الفرنسي برنار كازناف بعد الهجمات الارهابية التي ضربت باريس يوم 13 نوفمبر الجاري، الى إغلاق المساجد التي يدعو مسؤوليها إلى الكراهية والعداء. وجاء هذا التصريح عقب تصريح مماثل في وقت سابق من هذا العام، مما اعتبره الكثير من الناس بأنه موقف قوى وصارم تتخذه فرنسا ضد الارهاب.
بعد "11.9" استطاعت أمريكا ان تحصل على موافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع وبسرعة فائقة على الحرب على افغانستان، ودعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي القوي للاطاحة بصدام حسين ايضا ، وتعيش فرنسا اليوم نفس الوضع، وكلما كان موقفها متشدد كلما تحصلت على تصفيقات حارة من الجمهور. ولكن، تشير الحقائق أن المجتمع الغربي بعد الهجمات الارهابية من السهل مبالغة فعالة الانتقام الشديد لضرب الارهاب، واستخفاف صعوبة ازالة مصادر الارهاب المعقدة.
إن إغلاق عدد من المساجد التي تحرض على العداء والكراهية، يمكن أن يؤدي بسهولة الى تفسير معاكس بين المسلمين. وينبغي القول ان الحكومة الفرنسية شجاعة جدا ايضا، كما أن مخاطر ما اقدمت عليه الحكومة الفرنسية في الرأي العام اقل بكثير مما تعرضت اليه بلدان اخرى. ولو ان الصين وروسيا اتخذتا مثل ما فعله الغرب، ستضطر لمواجهة انتقاد واسع النطاق في وسائل الاعلام الغربية بالاضافة الى رد فعل المسلمين في الدول الأخرى.
من المؤكد أن تكون الضربات الجوية التي تشنها فرنسا وأمريكا وحلفاء آخرون ضد تنظيم " الدولة الاسلامية" قادرة على تحقيق بعض النتائج الايجابية، ولكن طالما أن الغرب لن يرسل قوات برية او التعاون مع نظام بشار الاسد ، والسماح لهذا الاخير شن هجوم شامل على تنظيم " الدولة الاسلامية"، فإنه من الصعب القضاء على مشكلة التنظيم.
ماذا بعد هزيمة تنظيم " الدولة الاسلامية ؟ لم يعد هناك شخصيات سياسية قوية استبدادية ولكنها لعبت دورا فريدا مثل حسني مبارك، صدام حسين ومعمر القذافي في الشرق الاوسط، ولكن ما بقي منطقة تعيش في فوضى تفقد الهيكل السياسي والاجتماعي الاصلي، ونشرت على شبكة الانترنت ما قاله القذافي في ايامه الاخيرة ، "الجدار لمنع انتشار الإرهاب وتدفق المهاجرين الى اوروبا قد تدمر". ويعتبر تنظيم " الدولة الاسلامية" مجرد مثال للنمو السريع للمتطرفين عند توفر الفجوة ، وانه يمكن لهذا الوضع ان يتكرر في أي وقت.
والأهم من ذلك، يمكن للقنابل الغربية أن تدمر مخيمات المنظمات المتطرفة ومستودعات الذخيرة في الشرق الاوسط، ولكن تلك القنابل لا يمكن أن تدمر الافكار المتطرفة. وحتى اليوم، لا يزال جزء كبير من العالم العربي يرى بن لادن بعيون ايجابية ، ما يعكس القصور الكبير في الحرب على الارهاب.
الارهاب النابع من منطقة الشرق الاوسط يحمل في مشاعره كراهية لا توصف ولا تصدق. حيث يوفر دعم امريكا لإسرائيل واتساع الفجوة في التنمية الاقتصادية والاجتماعي بين العالم الاسلامي والغرب الاسباب الرئيسية لهذه الكراهية، و دائما ما يخلق الصراعات الجيوسياسية المعقدة والصراعات الطائفية في الشرق الاوسط مجموعة متنوعة من فرص الكراهية الشديدة.
في الواقع، ليس لدى الغرب وسيلة لحل هذه المعضلة، ولن يشكلوا قوة تنظيمية ومتنقلة للتنسيق. وفشل الحرب في افغانستان والعراق وإجهاض عملية التغيير في الشرق الاوسط جعل امريكا تشعر بالإحباط. وكان " الربيع العربي " قد اعطى املا للغرب، معتقدين أن العالم العربي يسير نحو التحول الذاتي، ولكن الدول التي ثارت باستثناء تونس ، تعيش حالة من الفوضى المستمرة او مصدر للاضطرابات مروعة، كما ادى هذا المخاض الى ولادة تنظيم " الدولة الاسلامية" . وقد ادت هذه النتائج السلبية الى شعور الغرب بإحباط مرة اخرى.
تصبح قوة المواجهة موضع ترحيب والخيار الشعبي عندما لا تكون امامه أي وسيلة اخرى جيدة. والحديث عن تدابير واجراءات فقط خلال حدوث الحادث يصبح تأثيرها غير عملي ، وعفا عليها الزمن.
نحن نعلم جميعا أهمية إزالة الأسباب الكامنة وراء الإرهاب، ولكن فعل ذلك، بحاجة الى العثور على نقطة دخول، وهذا ليس سهلا. ويدعوا بعض الناس الى ضرورة الاصلاح الديني والتجديد في الاسلام وإزالة الافكار التي عفا عليها الزمن، ولكن مثل هذه الدعوة قد لا تكون مقبولة من قبل غالبية المسلمين، وقد يؤدي تعزيز هذا الرأي الى صدام حضاري خطير.
العالم الاسلام لا يملك القدرة والشخصية لتحريك الاصلاح الديني باكمله، كما لا يمكن لهذه القوة أن تقدم من قبل العالم الخارجي بوضوح. وربما العالم الاسلامي بحاجة ماسة الى الدول الاسلامية المثالية التي تسير نحو تحديث شامل ، لتظهر لديهم بعض القوى الداخلية تجلب رؤية جديدة.
ومع ذلك، لا يملك العالم الغربي مثل هذه الخطة، حيث لا تبدو واقعية جدا في ظل الظروف السياسة الدولية الحالية. وما دام الامر كذلك، فإن الخطابات والمواقف الشديدة للغرب يساوي الافراج العاطفي، لكن المشكلة ستبقى في مكانها. وأن ما يقام به حاليا مجرد ترقيع في انتظار حديث اخر عند وقوع مشكلة اخرى.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn