بقلم مي شين يوي، الباحث في أكاديمية البحوث التابعة لوزارة التجارة الصينية
بعد أن عاشت نموا سريعا خلال قرابة 10 أعوام من بداية القرن الجديد، بدأت الدول الناشئة تدخل مرحلة من الإضطراب الإقتصادي وعدم الإستقرار الإجتماعي. وحتى دول البريكس التي تعد نموذجا للدول الناشئة، شهدت خلال السنتين الأخيرتين مستويات متفاوتة من المشاكل الإجتماعية وحتى السياسية. على سبيل المثال تواجه كل من البرازيل وجنوب إفريقيا، تراجعا كبيرا في نسبة النمو، وإرتفاع في عدد العاطلين عن العمل، إلى جانب تردي في الوضع المالي وميزان المدفوعات، وغيرها من المشاكل. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تحولت المشاكل الإقتصادية إلى مشاكل إجتماعية وسياسية. حيث شهدت عدة دول ناشئة إضطرابات سياسية، مثل البرازيل وفنزويلا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية.
بطبيعة الحال، تعد البيئة الدولية أحد أسباب المأزق الإقتصادي الذي تعيشه الدول الناشئة، لكن ما يستحق الإهتمام أكثر، هي المشاكل الذاتية. حيث لا يمكن لهذه الدول أن تتنصل من مسؤولية سياساتها الإقتصادية والإجتماعية الشعبوية على الإضطرابات الإقتصادية والإجتماعية التي تعيشها في الوقت الحالي.
قامت العديد من الدول الناشئة، خلال فترة ازدهار الاقتصاد في العقد الأول من القرن الجديد، برفع أجور العمال بشكل غير واقعي، ونفذت سياسات التأمين والرعاية الإجتماعية على نطاق واسع، ورغم أن هذه الرعاية الاجتماعية قد أسهمت في توزيع أرباح نمو الاقتصاد على الشعب، وخاصة ذوي الدخل الضعيف، لكنها لم ترفع من قدرات ومهارات الطبقة العاملة، وهو ما دفع بإستمرار إنسيابية سوق القوى العاملة ، من جهة أخرى، لم تسهم هذه السياسة إتمام البنية التحتية وغيرها من رؤوس الأموال الإجتماعية. لذلك، رغم أن هذه السياسات قد أسهمت في جذب وتثبيت الدعم الشعبي للحاكم، لكنها أضاعت فرصة ازدهار الاقتصاد خلال العقد الأول من القرن الجديد، وبمجرد تغير وضع اقتصادي، يصبح الفشل الإقتصادي والإجتماعي أمرا لا مفر منه، ومن ثم يصبح من الطبيعي حدوث منعرج سياسي، وتعد أمريكا اللاتينية، ومنطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا خير مثال على ذلك.
ظلت إستثمارات دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرها من الدول الناشئة ضعيفة في مجال التعليم، ووفقا لتقرير البنك الدولي، تمثل نسبة الذين تمتعوا بتعليم ثانوي في الطبقات الفقيرة في أمريكا اللاتينية 56% فقط، وهناك 9% فقط إلتحقوا بالتعليم العالي. لذا، أسهم التأخر المعرفي والتنولوجي ونقص الإنضباط في شيوع ظاهرة تخلف الهيكل الصناعي في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وظلت الأعمال الهامشية دائما في مستويات عالية. وبمجرد هبوب رياح خفيفة من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، تأخذهم إلى حيث الفقر المدقع.
على ضوء هذا الوضع، يجب على دول أمريكا اللاتينية والدول الإفريقية رفع الكفاءة المهنية لليد العاملة، إلى جانب تعزيز الروح النضالية والإعتماد على النفس، وعدم إنتظار تغير السياسات المالية الحكومية لدعم الرعاية الإجتماعية. ولكن، المشكلة الرئيسية لهذه الدول، تتمثل في التقاليد الإجتماعية والثقافية والنظام السياسي، حيث تركز على الآثار قصيرة المدى لإعادة توزيع الدخل، ولا تتجرأ على كبح الرغبة الآنية من أجل المصلحة طويلة المدى، وطبعا ليس بإستطاعتها تحمل المصاعب الظرفية أيضا.
من جهة أخرى، تنقص القوى السياسية بهذه الدول الإرادة والقوة التي يتمتع بها الحزب الشيوعي الصيني وغيره من القوى السياسية في شرق آسيا على تعبئة الشعب من أجل تحقيق التنمية والتقدم. بل تهمل وعود مصلحة الدولة طويلة المدى، للحصول على المصالح السياسية قصيرة المدى، ورغم أن هذا الأسلوب يمكن تحقيق مصالح في فترة ازدهار اقتصاد وطني، لكن، عند حلول اكتماش الاقتصاد، عليهم أن يدفعوا كلفة ذلك، وأحيانا تكون هذه الكلفة أضعافا. خلال العقد الأول من القرن الحالي، شهدت أمريكا اللاتينية صعود اليسار في الساحة السياسية ، لكن مع بداية سنة 2015، ومنذ الإنتخابات الرئاسية الإرجنتينية والإنتخابات البرلمانية الفنزويلية، إلى التشكيك في الرئيسية البرازيلية روسيف، بدأت السياسة في أمريكا اللاتينية مسيرة "الدوران إلى اليمين"، وقد تتعزز هذه الظاهرة أكثر خلال السنوات القادمة.
يبقى خروج الدول الناشئة من أزمتها الإقتصادية معلقا بقدرة هذه الدول على الإهتمام بمشاكلها الذاتية وإصلاحها.